نشوى وهدى وسارة.. حكايات من داخل سجن النسا

الثلاثاء، 04 أبريل 2017 04:35 م
نشوى وهدى وسارة.. حكايات من داخل سجن النسا
سجن النسا
كتب- إسلام ناجي

يفيض «سجن النسا» بحكايات تعتصر القلب ألمًا، وتغرق العين دمعًا، فغالبية النزيلات أمهات حرمن من صغارهن بسبب جريمة أو دَّين، فألقين فى غيابة السجن، ليدفعن ثمن آثامهن أضعافًا، مرة بحبسهن خلف أسوار ضخمة مدججة بالحراسة والأسلحة، ومرة بمنعهن عن مقاسمة أطفالهن الضحكات والألعاب، وأحيانًا الكلمات الأولى والخطوات البكر، اللهم إلا فى الزيارات القليلة والمناسبات النادرة، وعلى هامش احتفالية وزارة الداخلية بمناسبة يوم المرأة المصرية وعيد الأم ويوم اليتيم فى سجن القناطر، توغلت «صوت الأمة» في نفوس السجينات للوقوف على حكايتهن.

17555375_1292692450766314_1574881556_n

عجزت «نشوى» عن توفير احتياجات أطفالها الثلاث، وتخللها اليأس والفشل، وتملك الشيطان منها، ووسوس لها بطريق الحرام، فسلكته على مضدد، وكانت تقدم رجلاً وتؤخر أخرى حتى اشتدت حاجتها للأموال، وتغلقت أمامها أبواب الحلال، فهي لم تكمل تعليمها، ولا تعرف حرفة أو تملك مهارة تعينها على إشباع بطون أبنائها، وتغطية جلودهم، فهرولت في دروب السرقة، تغترف من مال غيرها؛ لتصرف على تعليم أطفالها.

17578054_1294180853950807_1277088255_n
 

في إحدى المرات، قررت «نشوى» سرقة سيارة أجرة، لتتمكن بثمنها من تحقيق آمالها، وأحلام صغارها لكن بدلاً من قبض الثمن، دفعته سنوات من عمرها بعيدة عن أحضان أحبائها، حيث وقعت بين يدي الشرطة، وحكم عليها بـ7 سنوات تكفيرًا عن ذنوبها، انقضى منهم 6 سنوات وكأنهم 60 قرنا من الزمان، اشتاقت فيهم إلى أحضان صغيرتها الحسناء، ومشادات ولديها التي لا تنتهي، فزيارات السجن وإن كثرت فهي لا تغنيها عن ليال قضتها تقص لأطفالها حكايات الشاطر حسن والأميرة الجميلة.

17671134_1292692200766339_1773476480_n
 

استغلت «نشوى» سنواتها الست التي قضتها خلف أسوار سجن النسا في تعلم فنون الخياطة والتريكو حتى أصبحت قادرة على عمل أحلى المفروشات اليدوية والملابس البسيطة، وتنتظر الأم الحبيسة إنتهاء مدة عقوبتها حتى تؤسس مشروعها الخاص، فتأمل تأجير محل صغير وشراء ماكينة خياطة جديدة لتكسب رزقها ورزق أبنائها بالحلال، ولا تنفك عن حساب الساعات التي تفرقها عن ضم صغارها إليها.

17690248_1292692167433009_544715665_n
 

وكانت «هدى» بجانب «المرجيحة» تتأمل ضحكات صغيرتها عندما اقترب منها اللواء محمد الخليصي، مدير مصلحة السجون، لتفقد حالتها، فتهلل وجه النزيلة، وقابلته بدعوات الصحة والسلامة وشكرته على معروفه، معها وزميلاتها، فبادلها كلماتها بابتسامة خفيفة ومضى في جولته داخل «سجن النسا»، فتملكني الفضول للتعرف على قصتها، واقتربت منها فارتسمت على وجهها ابتسامة ودودة هادئة، ورحبت بي، وبعد أن عرفتها بنفسي، قصت عليّ حكايتها.

وقعت «هدى» في فخ الشيطان قبل 6 سنوات، وحكم عليها بالسجن 9 سنوات في قضية تبديد، فتركت ابنتها البكر برفقة والدها، ودخلت الـ«القناطر» حاملًا في شهورها الأخيرة، لتضع صغيرتها «علياء»، داخل أسوار الزنزانة، وتكون الطفلة البريئة دافعًا لها لتحمل الحبس، وإلهامًا لتغيير مجرى حياتها الحرام، وتتعلم حرفة جديدة تعينها على كسب قوت يومها بعرق جبينها، وساعدتها إدارة السجن في ذلك، فأتقنت «التريكو»، والحياكة في وقت سريع، وأصبح الجميع يتحدث عن أعمالها الرائعة.

لم تفارق «علياء» والدتها، فالأب الغاضب رفض استلامها أو زيارتها، لتظل حبيسة في حضانة السجن مع «هدى»، وتقضي أغلب وقتها في اللعب برفقة أطفال المسجونات الآخريات منتظرة أن تمر السنوات الثلاث المتبقية من عقوبة أمها لتخرج إلى العالم الواسع، وتلتحق بالمدرسة كأقرنائها، وتشارك أختها الكبرى غرفتها، وتستمع إلى قصصها الخرافية الكثيرة، فساعات الزيارة القليلة التي تجتمع فيها «علياء» بشقيقتها لا تكفيها.

بينما جلست «سارة» إلى جوار صديقاتها الجدد فى سجن القناطر داخل أروقة المستشفى، تقص عليهن حكايتها، حين وقعت عينى عليها خلال جولتى مع اللواء محمد الخليصي، فآثارت فضولى، وأقتربت منها على استحياء أملاً فى الاستماع إلى روايتها المثيرة، التى جعلت زميلاتها يمتنعن عن اللهو مع رفيقاتهن الآخريات والاستمتاع باحتفالية وزارة الداخلية بمناسبة عيد الأم، وينصتن إليها فى إهتمام.

لاحظت «سارة» اهتمامي بحكايتها، فعرضت على الإنضمام لجلستهن، وشرعت في التحدث عن ولديها، فـ«محمد» ذو السنوات العشر مغرم بالمكرونة التي كانت تُعدها له، بينما يفتقد «مروان» حضنها الحنون، وانهار من البكاء في عيد مولده الثامن بسبب عجزها عن التواجد معه، ورفض التحدث معها في زيارته التالية لها، فالصغير لا يدرك حقيقة ما تمر به والدته، ولا يكف عن مطالبتها بالخروج من محبسها واللعب معه.

ترى الأم السجينة أن حظها العاثر هو السبب في إبعادها عن أطفالها، وحبسها عام ونصف على ذمة قضية قتل تقسم أنها لم تقترفها، فمكالمة هاتفية جمعتها بصاحب معرض سيارات لسؤاله عن إمكانية إقراضها بعض النقود، قبل إزهاق مجهول روحه بدقائق قليلة، حملتها وزره أمام القانون، وقد ترتب لها لقاء قريب مع حبل المشنقة إن لم ينجح محاميها فى إقناع المحكمة ببرائتها، ويحرم صغارها منها إلى الأبد.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة