البطيخ حلال أم حرام؟

الأحد، 26 مارس 2017 09:00 م
البطيخ حلال أم حرام؟
كتب : حمدى عبدالرحيم

ثم يكمل الشيخ القصة المؤلمة التى ضاق بها صدره فيقول: بعد محاضرة البحرين طرت فى الأسبوع ذاته إلى دولة الجزائر الواقعة فى الغرب العربى والإسلامى، فكانت المفاجأة، لقد سبقنى نفس السؤال: «هل الخل حرام أم حلال؟»، فكدت أنفجر فى السائل، ولكن تمالكت نفسى وأجبته بما أجبت به الشقيق البحرينى، ولكن بينى وبين نفسى تملكتنى الحسرة على رجال ينفقون أعمارهم وعقولهم على البحث فى مسائل العلم بها لا ينفع والجهل بها لا يضر.
 
ولم يفت الشيخ الغزالى أن يلمح إلى أن ثمة مَنْ يقف خلف إشغال الناس بهذه النوعية من الأسئلة، فالأمر ليس بريئًا تمامًا، إذ لا معنى لأن يقطع سؤال تافه محاضرتين لعالم جليل وينتقل بسرعة البرق من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب إلا أن يكون هناك الذى يخطط ويوجه ويدير ولو من على البعد.
 
وفى السياق ذاته حدث أن شابًا أقام الدنيا ولم يقعدها لأنه كان مصرًا على أن يستاك أمام الناس ولا يبالى بمنظر لعابه السائل على لحيته، فلفت شيخ نظره إلى أن السواك من الطهارة التى يجدر بصاحبها أن يكون منفردًا بنفسه لكى لا يؤذى أحدًا، فصاح الشاب غاضبًا لأن الشيخ فى زعمه يهدر السنة، وكادت تحدث فتنة لولا أن الشيخ كان حكيمًا معتادًا على مواجهة هيجان غضب الحمقى، فقال للشباب: أليس الاستنجاء طهارة وهو سنة مؤكدة؟ ثم أليس الغسل طهارة وهو سنة مؤكدة؟
 
لماذا لا يستنجى بعضنا أمام بعض، ولماذا لا نغتسل إلا فى الستر؟
 
سكت الشاب الغاضب وجماعة مؤيديه وإن كان سكوت عجز وليس سكوت اقتناع وتسليم.
 
وبعد القصص السابقتين هناك مئات إن لم يكن آلاف القصص عن تنطع يتنقل بأريحية تامة بين قلوب وعقول هؤلاء ويحيل القشرة إلى جوهر، ويجعل من الدين كله محض ألغاز وطلاسم، بينما الدين واضح لا لبس فيه، وحلاله بيّن وحرامه بيّن، ولكن هؤلاء يتركون المقاصد الرئيسية ويذهبون إلى فروع التفاصيل ويتخذونها صنمًا يتعبدون إليه فيهدرون طاقات العلماء الذين يجدون أنفسهم مضطرين للبحث عن إجابة عن أسئلة لا معنى لطرحها أصلًا.
 
ونحن إن استسلمنا لهذه الصرعة فليس بعيدًا أن يسأل أحدهم عن حكم تناول البطيخ، وبعد الإجابة ستجده يسأل عن حكم البطيخ ذاته، ثم سيبحث فى قشره وبذره، ثم سيتفرع لمسائل لا تخطر على قلب إبليس اللعين ذات نفسه، نعم أنا أدعو علماء الأمة لنفض أيديهم من أسئلة كالسابقة، وليس فى الأمر كتمان علم، بل فيه توفير طاقة لما هو أهم وأبقى، ولذا ضايقنى أن يهتم أكابر علماء دار الإفتاء، بالرد على سؤال حول «عيد الأم».
 
من تجارب كثيرة أعلم أن السائل هو أحد رجلين إما هازل، وهزله يقف خلفه سبب خفى، وإما ضيق الصدر والعقل يتشدد فيما لا يجب التشدد فيه، ويتوضأ لو داس على ظل كلب، ولكن لأن الأمر لله من قبل ومن بعد فسأعيد نشر فتوى دار الإفتاء حتى لا تباغَت الدار بسائل جديد فى عام مقبل.
 
يقول ملخص فتوى الإفتاء: «الاحتفال بيوم الأم أمر جائز شرعًا لا مانع منه ولا حرج فيه، والبدعة المردودة إنما هى ما أُحدث على خلاف الشرع، أما ما شهد الشرع لأصله فإنه لا يكون مردودًا ولا إثم على فاعله».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق