النظام الخاص ودولة الإخوان المسلمين 3-4
الإثنين، 20 مارس 2017 02:00 م
كان الشخص يحمل حقيبة من مكان لآخر ولا يعرف ما فيها، ويراقب تصرفاته أحد أعضاء النظام، وقد لا يكون فيها أكثر من ملابس عادية، أو قطع من الحديد تشعره بالثقل، وقد يؤمر بنقلها من بلد لآخر، أو الاحتفاظ بها أياماً، ولدى النظام وسائل يعرف من خلالها ما إذا كانت الحقيبة قد فتحت أم لا».. !
أقول: هكذا كان التدريب، وفى ظنى ليس فى هذا الاعداد مشكلة، إنما المشكلة الكبرى هى الانحراف عن خط الدعوة السلمى أو الانصراف إلى «أعداء» توهمهم النظام الخاص، وهم من أبناء الوطن. هنا المشكلة الكبرى، ولم يكن لها علاج ناجح حتى اليوم.
يكمل أحمد عادل كمال: «وقد ذكر ثقة القيادة فينا؛ ومع ذلك أشار إلى أى خيانة أو إفشاء سر، سوف يؤدى إلى إخلاء سبيل الجماعة ممن يخونها، وبايعت على ذلك، وقد مددت يدى فوضعتها على مصحف ومسدس، وقد وضع يده فوق يدى، ثم قام عبد الرحمن وأخذ بى فى الظلام الذى مازلت لا أتبين خلاله شيئا، فخطونا نحو باب الغرفة، للغرفة الأولى شديدة الاستضاءة، فجلست بها لا أكاد أرى شيئا من شدة الضوء لفترة، فى حين أخذ عبد الرحمن أخانا عبد المجيد«يقصد عبد المجيد حسن»، فأدى بيعة مماثلة، ثم عاد به وأخذ طاهر «يقصد طاهر عماد الدين»، فبايع أيضا، ثم عاد، وفى تلك الليلة أيضا أعطانا أحمد أرقامنا السرية التى كان علينا أن نتعامل بها بدلا من أسمائنا».. !.
أقول؛ عجيب جدا هذه المراسم مهما كان احترام السرية بسبب الاحتلال وخلافه، وأقول لو أن هذه المراسم عرضت اليوم على الشباب، فإنها بكل تأكيد لن تكون مقبولة إلا عند أصحاب الفكر الداعشى، ولكن لكل وقت آذان يناسبه.
هذا هو أسلوب أجهزة الاستخبارات أو العمليات الخاصة، والتدريب مثل كل شىء كان سرياً حتى ينجح فى مهمته مع وجود الاحتلال البريطانى.مرة أخرى أقول إن الاستعداد كان واجبا، ولكن الانحراف سبق الالتزام، وحدثت بسبب ذلك التحديات والأخطاء الفاحشة ومنها، القتل والتدمير والتفجير، الذى شمل بعض المواطنين والأبرياء. ولم يكن ذلك صوابا حتى لو أخطأ أولئك المواطنون فى قراراتهم أو انتماءاتهم أو موالاتهم السياسية وليس العقدية، إذ أن هذا له طرق أخرى للعلاج.
فى المقابل كتب «محمود الصباغ» أحد قيادات الجيش الإسلامى للإخوان فترة الأربعينيات ليصف إحساسه بعد طقوس البيعة، فقال: «أشهد أن السعادة التى غمرتنى بعد أن أتممت البيعة على هذه الصورة الرائعة كانت أعظم سعادة شعرت بها أو تخيلتها فى حياتى، فقد أقنعتنى أن هناك رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأنهم جادون لا هازلون، يبتغون للوطن عزا وللدين نصرا، وأننى أصبحت بعد البيعة واحدًا من هؤلاء الرجال».
لم يقف جيش الإخوان عند التدريب على استخدام الأسلحة والقنابل التقليدية، بل انتقل للتفكير فى صناعة ما يستطيع تصنيعه محليًا من المتفجرات التى لا تتوافر فى الأسواق، مثل فتيلة الاشتعال أو «قطن البارود» و «ساعات التوقيت»، التى تحدد وقت انفجار العبوة الزمنية، وغير ذلك.. !.
أقول: وهذا طبعا تدرج طبيعى للخروج من التحديات المفروضة، واستكمال حلقة السرية والعمل السرى.
ويرجع لـ «عبد المنعم عبد الرؤوف» فضل ضم كل من النقيب «جمال عبد الناصر»، والملازم أول «حسين أحمد حمودة»، والملازم «كمال الدين حسين»، فى أكتوبر من نفس العام، وفى عام 1944 أكمل عبد الرؤوف خليته من سبعة ضباط بضم الملازم أول «سعد توفيق»، والملازم أول «صلاح الدين خليفة»، والملازم أول «خالد محيى الدين».
أقول هنا؛ هذا طبعا يوضح لنا جليا، بأن بعض الضباط الأحرار، كانوا ضمن التنظيم الخاص أو (السرى) للإخوان، ومنهم جمال عبدالناصر، ويقطع الشك باليقين بأن هذا التنظيم مع أخطائه كان وطنيا، ومحارباً للاحتلال، ومستعدا لخوض حرب فلسطين لمواجهة المستوطنين الصهاينة، كجزء عزيز من الأمة العربية والإسلامية. الإخوان لا يثقون إلا بأنفسهم ومن معهم، ولو لم يكن جمال عبدالناصر من الإخوان لما إطمأن إليه الإخوان لتدريب شبابهم تدريبا راقيا أو توفير السلاح لهم.
يقول «محمد فريد عبد الخالق»، عضو الهيئة التأسيسية وعضو مكتب الإرشاد، فى مذكراته التى لم تنشر بعد: «ما إن قرأ الأستاذ المرشد مقتل الخاذندار فى الصحف بعد فجر يوم 23 مارس حتى أرسل ابنه «سيف الإسلام»، وكان آنذاك طالبا فى الصف الأول الإعدادى (ملحوظة النظام الإعدادى جاء بعد ذلك)، وكان عمره 11 عاما، فذهبت لبيت البنا مستغربا، فقد كنت معه حتى الهزيع الأخير من الليل، كما كان يحدث كثيرا، وكنت أنام ساعتين، ثم أذهب لعملى، وذهبت للإمام، وأنا خالى الذهن لماذا استدعانى.. فوجدته كما لم أجده من قبل، مقفهر الوجه وفى غاية الضيق والحزن الشديد، فاستغربت حاله، فدفع لى بالجريدة الصباحية، ولا أدرى كيف وصلت له فى الصباح الباكر، واطلع على ما فيها، وهو مقتل الخاذندار، والقبض على طلبة من الإخوان، فكان استدعائى بصفتى مسئول قسمى الطلبة والخريجين، وسألنى إن كان لى علم بالأمر، فنفيت له تماما، وقلت هل يعقل أن أكلف أحد الطلبة بالقتل دون الرجوع إليك»!.
أقول؛ هذا هو موقف الإمام حسن البنا من انحرافات النظام الخاص، يوضحه لنا أستاذنا الأستاذ الدكتور محمد فريد عبدالخالق، رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وقد علمت ذلك منه مباشرة، حيث سعدت معه بالصحبة لسنوات عديدة. لقد كانت الانحرافات أحيانا محيرة حتى للإمام البنا نفسه.
يقول «أحمد عادل كمال»، فى كتابه «النقط فوق الحروف»: «لقد شدت عملية الخازندار أعصابنا شدا عنيفا، وكان اهتمامنا بمحمود زينهم وحسن عبد الحفيظ بالغا، لست أقصد مجال الدفاع فى القضية، وتوكيل أفضل المحامين للدفاع عنهما، لكننا كنا نعد لعملية أكبر، هى تهريبهما من السجن باقتحامه ليلا وإخراجهما منه!.
كما يؤكد دكتور «يوسف القرضاوى»، فى كتاب «الإخوان المسلمون ردود على تساؤلات واتهامات»، أن «حسن البنا» علم بقرار اغتيال النقراشى باشا، وأنه سعى للحيلولة دون قتله، وأنه لقى بعض الرجال المسئولين وحذرهم من أن يتهور بعض شباب الإخوان، ويحدث ما لا تحمد عقباه، فقالوا له بعبارة صريحة ماذا يفعلون؟ سيقتلون رئيس الوزراء؟! ليكن؛ إن ذهب عير (أى حمار) فعير فى الرباط!.
سجل «عبد المجيد حسن»، قاتل رئيس وزراء مصر النقراشى باشا فى اعترافاته، أنه بينما كان يحضر أحد الاجتماعات فى بيت «جمال فوزى» تلا عليهم فوزى أوراقا مطبوعة على الآلة الكاتبة، تتضمن قصصا وروايات حدثت فى صدر الإسلام، ومما ذكر لهم أن قتل المسلمين الذين يثبت أنهم يعاونون الأعداء مقرر فى الشريعة الإسلامية فى عهد سيدنا محمد.
أقول وهذا خطأ شائع. فى الجهاز الخاص، كيف فهموا ذلك فى ضوء قوله صلى الله عليه وسلم «أَخَافُ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ». هذا رغم شيوع المعرفة بأنهم - أى الذين تحدث عنهم صلى الله عليه وسلم - منافقون.
ويوضح «محمود الصباغ» أنه وعلى الرغم من التزام الإخوان المسلمين بعدم القيام بأى عمل فدائى ضد إنسان مسلم مهما كان لونه السياسى، إلا أولئك الذين أعلنوا «الحرب على الإسلام» والمسلمين، لأنهم أصبحوا من «المحاربين» الذين يحل للإخوان قتلهم!.
أقول : حتى مع هذا فإن الأمر كان أخطر أن يستخدم السلاح ضد غير المحتل، حتى لو كان منافقا معلوم النفاق، أين هذا الموقف من: « أتريدون أن يتحدث العرب أن محمداً يقتل أصحابه»؟. اجتهادات خاطئة ممن لا يملكون ناصية الفتوى، أدت إلى كوارث وانحرافات لم يسلم منها الوطن حتى اليوم.
وللحديث صلة، وبالله التوفيق