الأسباب التي أدت إلى استقالة ريما خلف
السبت، 18 مارس 2017 07:34 مكتب- مصطفى مكى
تقدمت الأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة، للأمم المتحدة (إسكوا) ريما خلف باستقالتها من منصبها أمس الجمعة، بعد ضغوط من الأمين العام للأمم المتحدة لسحب تقرير يتهم إسرائيل بفرض «نظام فصل عنصري» على الفلسطينيين.
وقالت ريما في نص الاستقالة: «أنني لم أشكك للحظة في حق الأمين العام بإصدار تعليمات بسحب التقرير من موقع الإسكوا الإلكتروني، كما لم أشكك في أننا جميعا كموظفين لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة ننفذ تعليمات أمينها العام، وأعرف على وجه اليقين التزامه بمبادئ حقوق الإنسان عامة وموقفه إزاء حقوق الشعب الفلسطيني خاصة، وأتفهم كذلك القلق الذي ينتابه بسبب هذه الأيام الصعبة والتي لا تترك له خيارات كثيرة».
وأضافت ريما:« ليس خافيًا على أحد ما تتعرض له الأمم المتحدة، وما يتعرض له أمينها العام من ضغوط وتهديدات على يد بعض الدول التي تمتلك السطوة والنفوذ، بسبب إصدار تقرير الإسكوا (الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني ومسألة الأبارتايد)، وأنا لا أستغرب أن تلجأ هذه الدول، التي تديرها اليوم حكومات قليلة الاكتراث بالقيم الدولية وحقوق الإنسان، إلى أساليب التخويف والتهديد حين تعجز عن الدفاع عن سياساتها وممارساتها المنتهكة للقانون، وبديهي أن يهاجم المجرم من يدافعون عن قضايا ضحاياه، لكنني أجد نفسي غير قابلة للخضوع إلى هذه الضغوط».
وأكملت في نص رسالتها:« أنا لا أتعامل بصفتي موظفةً دوليةً، بل إنسانه سوية فحسب، أؤمن بالقيم والمبادئ الإنسانية السامية التي طالما شكلت قوى الخير في التاريخ، والتي أُسست عليها منظمتنا هذه، الأمم المتحدة، وأؤمن بأن التمييز ضد أي إنسان على أساس الدين أو لون البشرة أو الجنس أو العرق أمر غير مقبول، ولا يمكن أن يصبح مقبولًا بفعل الحسابات السياسية وسلطان القوة، وأؤمن أن قول كلمة الحق في وجه جائر متسلط، ليس حقًا للناس فحسب، بل هو واجب عليهم».
وأشارت ريما إلى أنها فترة لا تتجاوز الشهرين، وجهت لها تعليمات بسحب تقريرين أصدرتهما الإسكوا، لا لشوائبَ تعيب المضمون، بل بسبب الضغوط السياسية لدول مسؤولة عن انتهاكات صارخة لحقوق شعوب المنطقة ولحقوق الإنسان عمومًا، مضيفه أنها رأت رأي العين كيف أن أهل هذه المنطقة يمرون بمرحلة من المعاناة والألم غير مسبوقة في تاريخهم الحديث؛ وإن طوفان الكوارث الذي يعمهم اليوم لم يكن إلا نتيجة لسيل من المظالم، تم التغاضي عنها، أو التغطية عليها، أو المساهمة المعلنة فيها من قبل حكومات ذات هيمنة وتجبر، من المنطقة ومن خارجها، إن هذه الحكومات ذاتها هي التي تضغط عليك اليوم لتكتم صوت الحق والدعوة للعدل الماثلة في هذا التقرير.
وأكدت ريما أنه بعد كل ماسبق سرده، لا يسعها إلا أن تؤكد على إصرارها على استنتاجات تقرير الإسكوا القائلة بأن إسرائيل قد أسست نظام فصل عنصري، أبارتايد، يهدف إلى تسلط جماعة عرقية على أخرى، مؤكده إن الأدلة التي يقدمها التقرير قاطعة، وتكفي الإشارة إلى أن كل من هاجموا التقرير لم يمسوا محتواه بكلمة واحدة، وإن من واجبها أن تسلط الضوء على الحقيقة لاالتستر عليها وكتم الشهادة والدليل، والحقيقة المؤلمة هي أن نظام فصل عنصري، أبارتايد، ما زال قائما في القرن الحادي والعشرين، وهذا أمر لا يمكن قبوله في أي قانون، ولا أن يبرر أخلاقيًا بأي شكل من الأشكال.
ووأكدت ريما انها لا تدعي لنفسها أخلاقًا أسمى أو نظرا أثقب، غاية الأمر أن موقفها هذا قد يكون نتيجة لعمر كامل قضته في هذه المنطقة، شاهدة على العواقب الوخيمة لكبت الناس ومنعهم من التعبير عن مظالمهم بالوسائل السلمية، وبعد إمعان النظر في الأمر، أدركت أننها أيضًا لا خيار لها حيث لا تستطيع أن تسحب، مرة أخرى، تقريرًا للأمم المتحدة، ممتازَ البحثِ والتوثيقِ، عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، غير أنني أدرك أيضًا، أن التعليمات الواضحة للأمين العام للأمم المتحدة لا بد من أن تنفذ، ولذلك، فإن هذه العقدة لا تحل إلا بأن أتنحى جانبًا وأترك لغيري أن يقوم بما يمنعني ضميري من القيام به. وإنني أدرك أنه لم يبق لي في الخدمة غير أسبوعين، لذلك فاستقالتي هذه لا تهدف إلى الضغط السياسي عليك. إنما أستقيل، ببساطة، لأنني أرى أن واجبي تجاه الشعوب التي نعمل لها، وتجاه الأمم المتحدة، وتجاه نفسي، ألا أكتم شهادة حق عن جريمة ماثلة تسبب كل هذه المعاناة لكل هذه الأعداد من البشر.
وبناء عليه، أقدم إليك استقالتي من الأمم المتحدة.