«صوت الأمة» تخترق النشاط السري لمافيا الذهب في مثلث «حلايب وشلاتين» (فيديو)
الثلاثاء، 14 مارس 2017 06:52 مكتبت- هناء قنديل
لم تنتبه الحكومة إلى الخسائر الرهيبة التي تتكبدها؛ بسبب عشوائية التعامل مع ما تضمه الأرض من الذهب الأصفر، طوال العقود الماضية؛ حتى صار التنقيب العشوائي عن المعدن النفيس، خطرا ممنهجا يواجه هذه الثروة الهائلة.
وخلال الأيام الماضية، بدأ المهندس إبراهيم محلب، مساعد الرئيس للمشروعات القومية والاستراتيجية، رحلة المواجهة، عبر وضع يديه، وربما عينيه أيضا، داخل «عش الدبابير»، مستعينا بالرئيس عبدالفتاح السيسي، لمواجهة مافيا الذهب، لكن دون غطاء قانوني يذكر، في ظل جمود موقف قانون تنظيم تجارة الذهب، داخل «ثلاجة التشريع» البرلمانية، فهل ينجح؟!.
بداية علم الدولة بحقيقة ما يجري داخل «دنيا نهب الذهب»، كانت بتلك الرحلة التي خاضها المهندس إبراهيم محلب، إلى محافظتي البحر الأحمر، وأسوان؛ من أجل الوقوف على حقيقة ظاهرة التنقيب العشوائي عن الذهب، في مغارات ومناجم الصحراء الشرقية بجنوب مصر.
ويهدف محلب من هذه الزيارة الميدانية، إلى وضع يد الدولة على تفاصيل النشاط السري، الذي يهدد المناجم الموجودة في هذه المنطقة، والمغلقة منذ أكثر من 60 عاما، بالتخريب، بالإضافة إلى كشف هوية التجار، الذي يشكلون مافيا تستغل خبرة أبناء تلك المحافظات، في تجميع كميات الذهب من صخور الصحراء، ومن داخل المناجم، لصهره بطرق بدائية، وفصله عبر طرق ضارة، لتحويله إلى سبائك وبيعها في الأسواق بأسعار زهيدة.
ويعود سر اختيار جنوب البلاد، لمحطة انطلاق الدولة، نحو بسط سيطرتها على هذا النشاط المربح؛ إلى أن 70% من ثروة الذهب تقبع في هذه المنطقة، وبالتحديد في حلايب والشلاتين ومرسى علم، وسلسلة جبال البحر الأحمر، ورأس غارب، بينما تنتشر الـ30% الأخرى بمداخل امتداد الصحراء الشرقية، بجبل الزيت، ومداخل البحر الأحمر، وكذلك منطقة أم زريق في سيناء، ومنطقة قريبة من جبل العوينات، جنوب غرب الصحراء الغربية، بما يصل إلى إجمالي 120 منجما، بينما يبلغ إنتاج مصر في الوقت الحالي، من الذهب، إلى نصف مليون أوقية سنويا.
وتمتلك مصر شركتين للتنقيب عن الذهب، إحداهما خالصة الملكية للدولة، وهي شركة شلاتين، والأخرى بنظام الشراكة، ويتركز نشاطهما على 5 أماكن بالصحراء الشرقية، و6 أماكن في أسوان.
أزمة غياب القانون
الخبراء يؤكدون أن أخطر ما يواجه صناعة الذهب في مصر، هو عشوائية التنقيب، وغياب النص القانوني الحاكم لهذا النشاط، مطالبين بسرعة تلافي هذه الثغرة، وإصدار القانون المجمد في أدراج مجلس النواب، مع تغليظ عقوبة مخالفة قواعد التنقيب الصحيحة.
ويقول رفيق عباسي، رئيس شعبة المصوغات الذهب، باتحاد الصناعات المصرية، إن طرق التنقيب العشوائية، تهدد بانهيار صناعة الذهب في مصر؛ لأنها تمحو العلامات الاسترشادية التي يتم وضعها من جانب الخبراء، مما يكون له أثر بالغ على حدوث جور على منطقة دون أخرى.
ولفت إلى أن عشوائية التنقيب، تهدد الأمن والسلم الاجتماعيين؛ في ظل انتشار شائعات خطيرة، مثل: شائعة أن فتح المناجم، يتم بالدم البشري، وهو ما يهدد بانتشار جرائم القتل، خاصة بعدما أدى غياب القانون، إلى وقوع هذا النشاط في أيدي عصابات منظمة.
من جانبه انتقد المهندس محمد عبد ربه، رئيس نقابة كشافي المعادن، بأسوان، ما وصفة بالإهمال الحكومي لثروات وكنوز البلاد، مشيرا إلى أن زيارة المهندس إبراهيم محلب الأخيرة، ربما تكون بداية جديدة، لحفظ هذه الثروات من الضياع.
حكاية الدهابة
وأضاف أن النقابة بدأت بمشاركة 75 عضوا، وجميعهم من أصحاب الخبرات، ومنهم بعض «الدهابة»، وهم العاملين في استخراج الذهب من قبائل العبابدة، والبشارية، كاشفا عن أنه طلب أكثر من مرة الجهات المعنية، باستخراج تراخيص للاستكشاف لمن يرغب، وأن يكون ذلك على مساحة لا تتعدى كيلومترا واحدا، وأن يتم تحديد هذه المساحة عن طريق الجهة التي تمنح الترخيص، وتقوم على تعديل النسب المستخرجة من الخام؛ لاستخراج حق الدولة.
وكشف عبدربه، عن طرق اكتشاف الذهب، مشيرا إلى أن البحث يكون عن ذهب عرق المرو، وهو الذهب المرئي أو المخلوط بالكوارتز، وينتشر على مساحة 5000كم2، إلا أن معظمها كان مرخصا به للشركات الأجنبية، بمنطقتى منجم السكري، ومنطقة حبش.
دنيا الذهب في حلايب والشلاتين
يعلم كل من زار أقصى جنوب مصر، أهمية منطقة حلايب، والشلاتين، للمنقبين عن الذهب، لكن ليس من سمع كمن رأى، لذا قررت خوض التجربة، والبحث بنفسي عن الذهب.
وعبر وسيط موثوق به، بدأت الرحلة بصحبة، أحد كبار المنقبين عن الذهب، وفي رحلة استغرقت يومين من البحث الشاق، أخبرني أحد الباحثين عن الذهب، من أهالي الشلاتين، أنهم يستخدمون جهازا يصدر ذبذبات متطورة للتعرف على الذهب، مشيرا إلى أن سعره لا يتجاوز 40 ألف جنيه، ومتوافر في مصر بكثرة.
معسكرات قلب الصحراء
وبعد ساعات من السير في قلب الصحراء، دخلنا إلى معسكر من الخيام الصغيرة، التي يقف بجوارها عدد كبير من السيارات رباعية الدفع، التي تتولى نقل العمال، وكذلك الذهب المستخرج من تلك المنطقة، المقسمة بين التجار بالاتفاق.
وعقب البحث لمدة تجاوزت ساعتين، أصدر الجهاز أزيزه المحبوب لهم، معلنا العثور على الذهب، ومحددا عقمه تحت الأرض، وبالفعل، بدأ الحفر بكل همة ونشاط، إلى عمق متر ونصف، ليعثروا على حلقات حلزونية من الذهب ضمن صخرة كبيرة.
وكشف عدد من الأهالي العاملين في هذا المجال، عن أنهم يستخرجون عشرات الكيلوجرامات من الذهب يوميا، في شكل قطع صغيرة، توضع فى محلول، وبودرة؛ لتنقيتها من الرواسب.
وأكد الأهالي أن هناك تفاوتا كبيرا جدا في الأسعار هذه الأيام، بسبب أزمة الدولار، التي انعكست عليهم سلبا، فتارة تنخفض أسعار الذهب الذي يشتريه منهم التجار، نظرا لركود السوق المحلي لعزوف الناس عن الشراء، وتارة ترتفع الأسعار، حين تنشط السوق.