الممرات السرية لتهريب «السلاح الإيراني» من السودان للتنظيمات الإرهابية في سيناء
الثلاثاء، 14 مارس 2017 01:47 ص
لم تكن صدفة أن نجد في إصدارات «أنصار بيت المقدس» المرئية، صورًا لعناصر مسلحة يحملون سلاح القنص الإيراني الصنع «صياد 50 AM» الذي يحاكي بندقية القنص النمساوية «شتاير إتش إس 50»، والتي تعتبر من أقوى بنادق القنص في العالم.
فقد أسهمت الأسلحة الإيرانية المهربة عبر البر والبحر إلى السودان، ومنها إلى صحراء وسط سيناء إلى قطاع غزة، خلال فترة ما قبل 2011، في دعم المجموعات المسلحة في القطاع، ومن أهم تلك الأسلحة الإيرانية، صواريخ جراد 122 ملم ذات مدى «20 كم»، و«فجر 5» ذات مدى «75 كم»، ما عزز من قدرات تلك الجماعات.
وفي مارس من عام 2009 ذكرت قناة «سي بي إس نيوز» التليفزيونية أن طائرة إسرائيلية قصفت قافلة لتهريب السلاح في السودان قبل شهرين، مما تسبب في مقتل ما يزيد على 30 شخصا لمنع القافلة من الوصول إلى غزة.
وتعد إيران من أهم المصادر الرئيسية لتسليح الجماعات في كلٍّ من سيناء وقطاع غزة، وعلى الرغم من أنها عادةً ما تُنكِر تقديم أي دعم عسكري للجماعات الإسلامية الراديكالية، فإنها خلال الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2012 حرصت على التباهي بالدعم العسكري والمالي والتكنولوجي الذي قدمته للمجموعات الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة.
وخلال حرب غزة عام 2012، تمكّنت حماس وحركة الجهاد الإسلامي -لأول مرة- من إطلاق صواريخ إيرانية الصنع ومتوسطة المدى «فجر 5» ذات مدى «75 كم» على إسرائيل، والتي وصلت إلى تل أبيب، بجانب صواريخ متوسطة المدى «75 كم» صُنعت محليًّا استنادًا إلى تكنولوجيا إيرانية.
وعقب تلك الحرب أشاد قادةُ حماس والجهاد الإسلامي بدور إيران في دعم المقاومة الفلسطينية، مع التأكيد -في الوقت ذاته- على الاستقلال السياسي لحماس. وكذلك صارت الأمور خلال الحرب الأخيرة عام 2014 «الجرف الصامد»، حيث كثّف القادة الإيرانيون من بياناتهم عن تسليح الفلسطينيين.
في دراسة كتبها الباحث «عيران زوهار»، الحاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة أوتاجو في نيوزيلندا، ونشرت في دوريةAustralian Journal of International Affairs، بعنوان «تسليح الفواعل من دون الدولة في قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء» بتاريخ أغسطس 2015 أكد أن الانسحاب الإسرائيلي من الحدود بين قطاع غزة ومصر في سبتمبر 2005، وسيطرة حماس على قطاع غزة في يونيو 2007؛ مكّن من تسهيل إمداد القطاع بكميات كبيرة من منظومات الأسلحة الثقيلة، مثل: صواريخ جراد 122 ملم ذات مدى 20 كم، ومنها تم تهريب هذه الأسلحة عبر الأنفاق.
وبحسب الدراسة فإن «فيلق القدس» وهو واحد من خمسة فروع للحرس الثوري الإيراني الذي يُعتبر أقوى هيئة عسكرية وأمنية في إيران، كان مسؤولا عن العمليات الأولى لتهريب الأسلحة إلى غزة وسيناء عبر السودان بحرًا وجوًّا. وقد استُخدمت تكتيكات متعددة لتمويه شحناته العسكرية، مثل استخدام شركات الطيران المُستأجرة، أو استخدام السفن التي ترفع «أعلام المواءمة» Flag of Convenience Ships التي يُقصد بها السفن التي ترفع علم بلد آخر غير علم البلد المملوكة له.
فعلى سبيل المثال، في عام 2009، استأجرت إيران طائرات من شركة بدر السودانية للخطوط الجوية، وذلك لنقل شحنات أسلحة من إيران إلى السودان، وقد تم تهريب الأسلحة على ما يبدو إلى قطاع غزة باستخدام المهربين المحليين في السودان ومصر.
واستخدم فيلق القدس المهربين السودانيين والمصريين لنقل الأسلحة الإيرانية من السودان وعبر مصر إلى قطاع غزة وسيناء. فعصابات التهريب السودانية، ومنهم من ينتمي إلى قبيلة «الرشايدة»، وذلك استنادًا لما ذكره الباحث؛ تقوم بنقل شحنات الأسلحة الإيرانية إلى الحدود المصرية من خلال مساحات مهجورة في الصحراء النوبية في شرق السودان.
ومن خلال المهربين المصريين من بدو سيناء، الذين ينتمي معظمهم إلى قبيلتي «السواركة» و«الأرميلات»، بحسب الباحث وتأكيد مصادر قبلية، يتم نقل شحنات الأسلحة على الأراضي المصرية عبر سواحل البحر الأحمر، والتي تُعتبر مناطق غير مأهولة بالسكان، ثم إلى قناة السويس، ومنها تصل عبر الدروب الصحراوية الوعرة إلى وسط سيناء، حيث يتم تخزينها بمخازن تحت الأرض ووسط مزارع الزيتون، وبعد تأمين طريقها يتم تهريبها إلى قطاع غزة عبر النفاق الحدودية إلى قطاع غزة.
وكانت برقيات دبلوماسية أمريكية سربها موقع «ويكيليكس»، قد أشارت إلى القلق من أن إيران ترسل السلاح إلى حركة حماس في غزة عبر السودان ومصر، وجاء في برقية من السفارة الأمريكية في القاهرة بتاريخ أبريل 2009 أن وزير الداخلية المصري حبيب العادلي كان وراء "خطوات لعرقلة تدفق الأسلحة الواردة من إيران عبر السودان وعبر مصر إلى غزة".
سلاح القنص الإيراني الصنع صياد 50 AM
وقال مصدر قبلي عمل سابقًا في تجارة السلاح، إن سيناء عاشت حينذاك فترة ذهبية: «نقلنا حينها كميات كبيرة من السلاح إلى قطاع غزة»، وأضاف: «لكن بعد وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم وتعاونه مع إسرائيل على تأمين الحدود وتدميره الأنفاق، فإن ذلك الزمن انتهى».
وأكد المصدر أن «منظومة الأنفاق التي كانت بمثابة دجاجة تبيض ذهبًا لتجار السلاح السيناويين انهارت»، وأنّ الإجراءات التي اتخذتها مصر على حدودها مع قطاع غزة بعد 30 يونيو، وتدمير منظومة الأنفاق وإقامة منطقة عازلة بعمق كيلو متر، بدءًا من الحدود مع غزة باتجاه عمق مدينة رفح المصرية، أسهمت في انحسار تجارة السلاح وتوقفها لأكثر من عام.
وقال إن القبائل التي تقيم على طول خط التهريب تتولى تأمين الشحنات من نقطة إلى أخرى حيث تحصل كل قبيلة على نصيبها نقدا أو سلاحا. وتتراوح الأسلحة بين البنادق والقذائف الصاروخية وحتى المدافع المضادة للطائرات.
وترى مصادر قبلية محلية أن انحسار هذه التجارة المربحة أسهم كثيرا في تهديد الاستقرار في منطقة وسط وشمال سيناء، حيث يشكو أبناء تلك القبائل من التهميش، وأنهم لا يستفيدون من السياحة كسائر أبناء قبائل جنوب سيناء.
2
أسهم انضمام بعد عناصر حركة حماس في سيناء لتنظيم "بيت المقدس"، أدى إلى سيطرة قيادات وعناصر التنظيم على مخازن بعض الأسلحة الثقيلة المملوكة للحركة، ومن ضمنها مخزن للسلاح المضاد للطائرات المحمول على الكتف، وزعم تنظيم «بيت المقدس» في بيان صدر عنه، أنه أسقط بواسطته طائرة من طراز أباتشي في سيناء.
وحسب مصادر قبلية محلية في شمال سيناء، فإن عناصر مسلحة استولت على الكثير من المخازن التي تحتوي على أسلحة ومتفجرات وبها كميات كبيرة من مادة «tnt» شديدة الانفجار، كانت معدّة للتهريب عبر الأنفاق إلى غزة، حيث تستخدمها الفصائل الفلسطينية وخاصة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في تصنيع العبوات الناسفة المحلية الصنع.
بذلت قوات إنفاذ القانون محاولات كبيرة لتضييق الخناق على الإرهابيين في سيناء وقطع السلاح عنهم، سواء القادم عبر الأنفاق من قطاع غزة أو محاولات استقدامه وتهريبه من منطقة غرب قناة السويس إلى سيناء، ما دعا عناصر التنظيمات الإرهابية إلى اللجوء لعمليات التفجير بعبوات ناسفة، إلا أن الحدود المصرية مع فلسطين المحتلة كانت عبارة عن ثغرة جديدة لتهريب الأسلحة الإسرائيلية إلى التنظيمات بسيناء.
وأكدت مصادر قبلية أن «مهربين» يقومون عبر الحدود المصرية مع فلسطين المحتلة بتهريب نوعيات من المخدرات، أهمها «الحشيش» والدخان إلى إسرائيل، واستقدام أسلحة وعبوات ناسفة من الجانب الإسرائيلي، ما أسهم في تعزيز التسليح لدى التنظيمات الإرهابية بالمنطقة، حيث ضبطت قوات إنفاذ القانون التي داهمت مؤخرا «جبل الحلال» أسلحة وعبوات ناسفة متطورة إسرائيلية المصدر وممهورة بكتابات عبرية.
وأكدت مصادر موثوقة أن هناك وجودًا لجماعة داعش في القطاع، وأنها جماعة شُكّلت من أشخاص ينتمون إلى مجموعات عسكرية متعددة، لكن أغلبها جاء من الجماعات السلفية الجهادية ولجان المقاومة الشعبية، ومنهم من عاد إلى غزة بعد اشتراكه بالقتال في سوريا التي يصلها مقاتلو غزة عن طريق تركيا، مستغلين عدم معرفة الجهات الأمنية المصرية أو التركية لهويتهم أو انتمائهم.
وبحسب مصادر قبلية ومحلية فإن قوات التنظيم التي هاجمت الأكمنة بمناطق جنوب الشيخ زويد وقسم شرطة المدينة دخلت سيناء بمساعدة حركة حماس وتنظيم السلفية الجهادية في قطاع غزة، من خلال لنشات صيد بحرية فلسطينية كانت تنقل أعدادًا غفيرة من المسلحين الفلسطينيين عبر القوارب البحرية من شاطئ غزة وحتى شاطئ مدينة الشيخ زويد، ونقل كميات كبيرة من الصواريخ الفلسطينية لضرب الجيش في العريش حال سقوط مدينة الشيخ زويد، حسب المخطط الذي تم إحباطه، وفقًا للتحقيقات أيضًا.
كما خضعت بعض عناصر تنظيم «بيت المقدس» الموالي لداعش لتدريبات عنيفة في قطاع غزة على أيدي عناصر حركة حماس التي شاركتها لأول مرة عناصر السلفية الجهادية في التنسيق للتنفيذ.
ولم يتوقف دور تنظيم السلفية الجهادية بقطاع غزة في دعم تنظيم بيت المقدس بالسلاح والمتفجرات والأفراد المسلحين الفلسطينيين الذين ظهرت جثثهم ضمن القتلى في هجوم الشيخ زويد، فضلا عن تمويل التنظيم الإرهابي تمهيدا لإعلان مدينة الشيخ زويد «إمارة إسلامية»، إلا أن الجيش المصري استطاع وأد أحلام قيادات التنظيم المسلح في مهدها، وقضى على المئات من عناصره في عملية ناجحة ونوعية.
1