توابع غزوة عمر خيرت.. من فات قديمه تاه
الإثنين، 13 مارس 2017 03:54 م
المملكة تمنع العازفات من المشاركة فى الحفلة.. والرياض أصرت على أن ترتدى الموسيقيات الحجاب لكى تسمح لهن بالسفر
بدأت هذه الواقعة عندما فوجئ الفنان عمر خيرت، برفض الجهة المنظمة للحفل، حضور العازفات اللاتى يضمهن الأوركسترا المصاحب لـ«خيرت»؛ بحجة أنهن سافرات، وعليهن ارتداء الحجاب، إذا أردن المشاركة فى الحفل!
ورغم أن الفنان الكبير تقبل هذا الأمر بصدر رحب، فإن العازفات رفضن السفر؛ معتبرات أن إجبارهن على ارتداء الحجاب لمجرد أنهن على الأراضى السعودية، يعد تقييدا غير مقبول لحريتهن الشخصية، وهو ما قبله أيضا عمر خيرت بصدر رحب أيضًا، وقرر السفر بصحبة العازفين الرجال فقط.
هذا التصرف من قبل هيئة الترفيه السعودية، يؤكد حقيقة مهمة جدا، وهى أن النظام السعودى، يعانى من التناقض، فهو من جهة يسعى إلى تقديم نفسه بثوب جديد، ينفض فيه عن نفسه اتهامات الماضى، بالراديكالية، والأصولية، والتشدد، وعدم مواكبة العصر، بالشكل الذى خلق داخل المملكة مناخا خصبا لنمو الفكر المتطرف، بينما من الجهة الأخرى يصر على التمترس خلف ذات الأفكار القديمة.
فى الوقت ذاته فإن حرص النظام على إرضاء المجتمع السعودى المتشدد، ولو ظاهريا، عبر واقعة منع العازفات غير المحجبات من المشاركة، وأيضا منع الشباب، وغير المتزوجين من الحضور، بالإضافة إلى اختيار جدة مكانا للحفل، بما تتميز به من انفتاح سياحى كبير، باعتبارها عروس البحر الأحمر، لم يحقق الغرض منه؛ إذ انهالت الانتقادات على الحفل، وعلى هيئة الترفيه المنظمة له، ليس لأنه يمثل خروجًا على التقاليد السعودية فحسب، وإنما أيضا لمجيئه فى توقيت تعانى فيه المملكة، اقتصاديا؛ بسبب انهيار أسعار البترول، وكذلك الحزن الذى يكتنف الكثير من البيوت خاصة فى المنطقة الجنوبية للمملكة، بسبب تساقط ضحايا الحرب الدائرة فى اليمن.
ويربط البعض بين هذا الحفل، والرحلة الملكية التى قضاها الملك سلمان، ونجله الأمير محمد فى طنجة المغربية، مصطحبا 4500 شخص، بينهم كبار قادة الجيش، دون أن يفكر الأخير، وهو وزير الدفاع، فى كيفية متابعة ما يجرى للجنود السعوديين فى اليمن، فى ظل وجوده وكبار القادة على ضفاف الأطلنطى.
ما زاد الهجوم على الحفل، هو أن عددًا كبيرًا من السعوديين، يرون أن هذه التصرفات، تؤكد حالة اللا مبالاة التى تعيشها الأسرة الحاكمة فى مواجهة التحديات المحيطة، لا سيما بعد الأنباء التى ترددت عن شراء الأمير محمد بن سلمان ياخت فاخر، يتخطى ثمنه 150 مليون دولار، دون أن يضع فى اعتباره حالة التقشف الضاغطة التى تعيشها الرياض؛ بسبب عجز الموازنة العامة للدولة، للمرة الأولى فى تاريخها.
ويبقى حفل الفنان عمر خيرت فى جدة، الذى حضره 900 شخص، وعزف خلاله الموسيقار الكبير 20 مقطوعة موسيقية رائعة، حدثا تاريخيا، ليس لكونه الأول من نوعه، ولا حتى لكونه مدخلا لعهد سعودى جديد، رغم ما واجهه من انتقادات، وتعليقات، وإنما سيبقى تاريخيًا، لأنه أكد أن العائلة السعودية الحاكمة، لا يمكنها نهائيًا أن تقود حركة إصلاحية حقيقية، للفكر الأصولى، الذى يسيطر على عقول أجيال متعاقبة من أبنائها، تنذر بأن تستمر المملكة مصدرًا قويًا للراديكالية.
وفى النهاية، يبقى أن نشير إلى أن السعودية، تحظر دور العرض السينمائى، والحفلات الموسيقية العامة، إلا أنها وعدت بتغيير المشهد الثقافى فى إطار إصلاحات رؤية «2030» التى يؤسس لها ولى ولى العهد الأمير محمد بن سلمان منذ العام الماضى، ومنها إنشاء هيئة حكومية تعنى بالترفيه.