3 مصانع تدمر البيئة بالعاشر.. و«الحكومة» تكتفي برصد المخالفات (صور)
السبت، 11 مارس 2017 09:47 صكتبت- منال العيسوي
مدينة العاشر من رمضان، باكورة المدن العمرانية الجديدة، وأول قلاعها الصناعية، المتميزة بموقعها المتوسط للموانىء الهامة في مصر، والتي لا تتوقف فيها أبواق المستثمرين عن طلب تسهيلات، وإعفاءات لإنقاذ الاقتصاد المصري، وتسعى الحكومة بكل جهدها لتلبية طلباتهم، يبقى الحق في بيئة نظيفة جزء أصيل من التنمية المستدامة مطلبا لكل العاملين في هذه المصانع، والذين يصل عددهم التقريبي إلى 550 ألف عامل، و حقًا لا يمكن إغفالة مع الطفرة الصناعية لسكان المدينة التي يتجاوز عددها المليون مواطن في ظل كافة المماراسات الغير صديقة للبيئة، والملوثة التي ترتكبها كبرى الصناعات الكثيفة، وعلى رأسها صناعة السيراميك، والحديد والصلب، والمنتجات الغذائية في حق الجميع.
جانب من مخلفات مصنع الحديد والصلب
ومع بدء تشغيل المصانع، ذات العمالة والصناعة الكثيفة، رصدت كاميرا «صوت الأمة» الدخان الأسود الذي يغطي سماء المنطقة الصناعية الثالثة بمدينة العاشر من رمضان، والمتصاعد من أحد المصانع العملاقة بالمنطقة، وهومصنع قوطة للحديد والصلب، الذي سقط من حسابات خطة الطوارىء التي أعلنتها وزارة البيئة، لمواجهة موسم السحابة السوداء للحد من تلوث الهواء.
المخلفات تملئ ارجاء المصنع
فبالتوازي مع إعلان وزارة البيئة، وقيام فرع الجهاز بمحافظة الشرقية، بتجميع حوالي 42 طن من قش الأرز، والسيطرة على 4 حرائق، بالتعاون مع الحماية المدنية، وبمساعدة الأهالي، أكد عمال شركة قوطة، أن الأدخنة السوداء لا تتوقف، وأن جهاز العاشر من رمضان، وجهاز شئون البيئة، لم يتدخلا لإجبار المصنع على الامتثال لقواعد البيئة، في تقليل الانبعاثات والحفاظ على صحة العاملين بالشركة، والشركات المجاورة لها من مصانع المكرونة والغزل والنسيج.
تراكم المخلفات الناجمة عن صناعة الحديد بعيدا عن اعين البيئة
وقال العمال، في تصريحات خاصة لـ «صوت الأمة»: «حسبنا الله ونعم الوكيل، نحن نستنشق الدخان الذي يعبأ المصنع والمساحة المخصصة لنا لأداء مناسك الصلاة، فهي قريبة جدًا من الجامع الذي نصلي به، وحين نكون بين يدي الله للصلاة لا يمكننا التنفس، ولا أحد يتحرك من إدارة الشركة لتوفيق الأوضاع للحفاظ على صحتنا، فنحن لا ثمن لنا طالما المسؤلين عن الأمر يعرفون ويسكتون».
تلال من مخلفات الحديد
ويروي أحد عمال المصنع، القصة الكاملة للمصنع منذ قيام ثورة يناير 2011، قائلًا: «مصنع قوطة للحديد والصلب هو من أقدم المصانع في قطاع الصلب في مصر، وظل يعمل لسنوات طويلة بكفاءة إنتاجية عالية، حتى توقف عن العمل بسبب بعض المشاكل البنكية، فهو كان ملك رجل الأعمال عبدالوهاب قوطة المدين لبنك مصر وبنوك أخرى بأكثر من مليار جنيه في شكل قروض حصل عليها بضمان المصنع، وبضمان أربعة شركات وهمية من الباطن، وتم إغلاق المصنع، ومنع العمال من العمل، ووقف صرف أجورهم منتصف عام 2011، وفي أغسطس 2012 تمت مطالبة إدارته بالتحرك لدى النائب العام لإجراء الحجز التحفظي على أموال رجل الأعمال الهارب، حيث إن المصنع يعمل على تصنيع جميع أنواع حديد التسليح، ويبلغ متوسط إنتاجه شهريًا حوالي 6 آلاف طن، يغطي منها حوالي 25% من إجمالي السوق المصرية، وبه ما يقرب من 360 عامل بعقود ثابتة، بمرتبات لا تقل عن 1300 جنيه شهريًا، هذا بخلاف العمالة اليومية وسائقين الشاحنات».
يمكنك رؤية الادخنة المتصاعدة من المصنع وانت على الطريق السريع
وأوضح العامل، أن المصنع يحتوي على 3 خطوط إنتاج يعمل خط واحد منهم فقط، أما الخط الثاني فإن صاحب المصنع الهارب قام ببيعه، واستخدامه كقطع غيار للخط الأول، ويحتاج حوالي من 3 إلى 4 مليون جنيه حتى يعود للعمل مرة أخرى، أما الخط الثالث فهو عبارة عن مجموعة من الأساسات الخراسانية أنشأها صاحب المصنع كي يحصل على قرض من ورائها.
الادخنة تحول السماء لليل فى عز الظهر
وعن المواد الخام في المصنع، فحدث ولا حرج، فقد قام صاحب المصنع بسحب جميع المواد الخام «البليت»، إبان تصاعد الخلافات بينه وبين العمال في محاوله منه لإجبار العمال على ترك المصنع، ولم يكتفي الرجل بذلك بل أنشأ مبنى للإدارة «العائلية» بتكلفة تجاوزت الـ25 مليون جنيه، استورد لها المواد خصيصًا من الخارج، والآن المبنى عبارة عن مجموعة من الأطلال بعد أن تصرف في متعلقاته صاحب المصنع قبل أن يعلن إفلاسه، وتغيرت مجالس إدارات المصنع المترددة على المكان حتى ظهرت الآن بعض الوجوه الصينية، التي تدير المصنع دون أن يعرف أحد من عمال المصنع، أو الموظفين فيه إلى أي جهة يتبعون.
انتشار الادخنة السوداء
وفي سياق متصل حصلت «صوت الأمة»، على تقرير حكومي صادر عن جهاز شئون البيئة فرع الشرقية، حول الموقف البيئى لـ 3 شركات كبرى، تعمل في الحديد والصلب والسراميك، والتي وصفها التقرير بأنها الشركات الأكثر تلويثا للبيئة بمدينة العاشر من رمضان، وهي مجموعة مصر للصلب «قوطة»، وإم آند إس للوف المعدني، وسيراميكا الأمراء «لابواتيه».
منظر لشكل المصنع من الخارج على مرأى الجميع
الموقف البيئي لشركة قوطة للصلب
ورصد تقرير جهاز شئون البيئة بالشرقية الموقف البيئي لشركة قوطة للصلب، والمخالفات البيئية التي تبدأ بعدم وجود سجل بيئي للشركة، وعدم وجود سجل للمخلفات الخطرة، وعدم اعتماد خطة الطوارئ، وصولا إلى المخالفات الأكثر خطورة على البيئة، وهي أن أفران الحرق الكهربائي في أماكن مفتوحة، ولا يتم التحكم في الجسيمات المنبعثة من الصهر، إضافة إلى عدم اكتمال وصلة سحب الأتربة من فرن الصهر لوحدة التخلص، وعدم التخلص الآمن من الخبث الناتج من الأفران تخلصا آمنا، وعدم التخلص الآمن من الزيوت المستهلكة والفلاتر، وتضمن التقرير تفاصيل أخر محضر تم تحريرة للشركة حول موقفها البيئي بتاريخ 13 ديسمبر 2013.
تصاعد الادخنة فى عز الظهر بلا رقيب
أفران مصنع السيراميك
تشكل مصانع السيراميك، أيضًا حلقة أكثر خطورة على البيئة في مدينة العاشر من رمضان، وهو ما أكده التقرير الصادر عن جهاز شئون البيئة فرع الشرقية، حيث أكد أنه منذ 29 ديسمبر 2014، تم تحرير محضر بالمخالفات البيئة لشركة سيراميكا الأمراء «لابواتيه»، وحتى الآن لم يتم اعتماد خطة مواجهة الطوارئ بالشركة، إضافة إلى رصد جهاز شئون البيئة ارتفاع معدلات الانبعاثات لمداخن الأفران رقم 2 و4 و5، إضافة إلى ارتفاع الضوضاء بمنطقة الإعداد والتحضير.
كثافة الدخان تحجب الشمس فى عز النهار
فوارغ المواد الخطرة والزيوت
أما شركة اللوف المعدني، فأكد تقرير البيئة أيضًا أنه لم تعتمد الشركة خطة الطوارئ الخاصة بمعالجة المخلفات، التي تم تحرير محضر بها منذ 3 أكتوبر 2013 حتى الآن، إضافة إلى رصد بعض المخالفات البيئية، مثل: ماسورة شفط الأتربة من ناحية الشركة المصرية للمواد اللاصقة أقل من ارتفاع الشركة المجاورة، وعدم التخلص الآمن من فوارغ المواد الخطرة والزيوت، حيث لا يوجد إيصالات تسليم لها.
سماء العاشر تتحول لسحابة سوداء
والموقف البيئي لهذه الشركات، لم يتغير ولم يمتثل أحد لتنفيذ خطط توفيق الأوضاع التي ناقشها مجلس الأمناء لمدينة العاشر من رمضان خلال اجتماع طارىء لمناقشة تقرير الفرع الإقليمي لجهاز شئون البيئة بالشرقية، حول الموقف البيئي للمنشآت الثلاثة بتاريخ 25 أغسطس 2015، أي منذ عام تقريبًا، وأكتفي بالتنبيه على الشركات بضرورة توفيق أوضاعها البيئية خلال 10 أيام، وإعداد خطة للتوفيق وتقديمها إلى جهاز شئون البيئة فرع الشرقية، لتلافي المخالفات، وتصحيح الأوضاع البيئية، إلا أنه حتى الآن لم يتم تقديم خطط توفيق الأوضاع.
من جانبه، أكد الدكتور أحمد رخا، رئيس اللجنة التى تابعت الموقف البيئى للشركات بحكم عمله وقتها كرئيسا لفرع الشرقية بجهاز شئون البيئة، في تصريحات خاصة، حول الموقف البيئي الحالي، ومدى تنفيذ خطط توفيق الأوضاع لمصنع قوطة للحديد والصلب، «أنه نظرا للوضع الحالي»، والتغير الدائم لمجلس إدارة المصنع يصعب علينا التواصل معهم، مؤكدًا أن هناك حملات دائمًة للبيئة على هذا النوع من المصانع والزامها بضرورة توفيق خطط أوضاعها.
قانون البيئة
في السياق ذاته، يتم طرح سؤال جوهري حول ما أكده الدكتورخالد فهمي وزير البيئة: في أن الوزارة تعد مقترحًا بإدخال تعديلات على قانون البيئة في عدة جوانب، ومنها إلزام المصانع على حسب نشاطها بتركيب حساسات بيئية لأهم أنشطتها، والتي قد ينتج عنها تلوث للهواء أو المياه العذبة، وهل سيكون القانون حلا لمثل هذه المشكلات المزمنة؟، حيث تساعد تلك الآلية على تحديد القائم بالتلوث بشكل دقيق لحظيًا، وأن تلك الحساسات سيتم ربطها بالوزارة وأفرعها الإقليمية، إلى جانب وزارة الري فيما يخص الأنشطة الملوثة للمياه، كما أن تلك اﻵلية ستساعد على تولي المصنع لمسئوليته في الرصد الذاتي طبقًا لبنود القانون، حيث ستطبق الآلية بالمصانع القديمة، والجديدة على حد سواء، كما سيقترح إدخال بند جديد بالقانون حول فرض رسوم على التصرفات المتجاوزة لبنود القانون، والتي تقوم بها المصانع، بحيث تكون تصاعدية مع استمرار التجاوز بما يساعد على الحد من تلك التجاوزات، ويعمل على ترشيد الاستهلاك، وتشجيع الإنتاج الأخضر لخلق فرص تنافسية للتصدير.
المؤسسة الخضراء بالعاشر تضع حلول آمنة
يتزامن ذلك مع مطالبة المؤسسة الخضراء لأصدقاء البيئة والتنمية المستدامة «جيف ريسيد» بالعاشر من رمضان، خلال دراسة أعدتها عن الوضع البيئي الحالي للمدينة بضرورة تفعيل اشتراطات بيئة العمل، والتي يتضمنها برنامج جهاز شئون البيئة حول الشروط الحمائية للبيئة و للعاملين.
من جانبه، قال عصام الحوت، المدير التنفيذي للمؤسسة، وعضو مجلس إداراتها، إن تخفيف العقوبة على المخالفين للمواد الخاصة بالقانون وتحويل عملية السجلات البيئية لمجرد تستيف أوراق فقط يعتبر أحد أسباب تفاقم مشكلة التلوث بشكل عام، حيث أن أغلب جرائم التلوث تكون الغرامة فيها من ألف إلى عشرين ألف جنيه، وفي حالة تكرارها يعاقب المخالف بالحبس والغرامة، وإن نص القانون لا يطبق على بعض المصانع حتى الآن، خاصةً المصانع الكبرى رغم مخالفتها لنصوص قانون البيئة، وتبقى إجراءات متابعتهم والتفتيش البيئي على مصانعهم إجراء روتيني لا يحل مشكلة.