قصة حوار مع عمر عبدالرحمن
الإثنين، 27 فبراير 2017 04:48 م
هذا الشيخ الضرير الذى كان صاحب أشهر الفتاوى التكفيرية ضد السادات، والفتوى بعدم جواز الصلاة على الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ثم فتواه ضد الأديب العالمى نجيب محفوظ، والتى أفتى بها فى حوارى الصحفى معه خلال عملى فى مكتب صحيفة «الأنباء» الكويتية بالقاهرة.
هذا الشيخ الضرير الذى حاز على ألقاب عدة منها، مفتى تنظيم الجهاد، والزعيم الروحى والمؤسس للجماعة الإسلامية، تحول إلى واحد من رموز الإرهاب فى العالم، التقيته قبل يوم أو يومين من شهر رمضان فى ١١ أبريل عام ١٩٨٩ فى منزله بمنطقة الحدقة بمدينة الفيوم.
اللقاء معه جاء ضمن تحقيق صحفى موسع لخريطة جماعات الإسلام السياسى فى صعيد مصر ومنها الفيوم، التقيت خلاله مع قادة وأمراء الجماعة هناك، وأنهيت التحقيق بالحوار مع محافظ الفيوم وقتها المرحوم الدكتور عبدالرحيم شحاتة الذى تولى بعد ذلك منصب محافظ القاهرة.. فى اليوم ذاته عدت إلى القاهرة بعد محاولات حثيثة للقاء الشيخ دون جدوى وخلال العودة للقاهرة قرأت فى صحيفة الأحرار أن الشيخ هرب إلى خارج مصر، وحزنت لعدم إجراء اللقاء، لكن تلقيت مكالمة هاتفية فى مكتب الصحيفة من محاميه بواسطة الزميل والصديق الصحفى محمود عبدالعظيم، والصديق الراحل أحمد جبيل، بوجود الشيخ وعدم هروبه وأنه موجود الآن فى مسكنه بالفيوم «وإذا كانت لديك رغبة فى اللقاء والحوار ، فالشيخ ينتظرك الآن» - هكذا أبلغنى المحامى.
لم أفوت الفرصة وكنت فى سنوات التخرج الأولى، وحماس الشباب فى السفر مرتين إلى نفس المكان فى يوم واحد لم يمثل أدنى مشكلة. على الفور أبلغت الأستاذ جميل الباجورى مدير مكتب الأنباء، بالقصة وسافرت على الفور إلى هناك.
فكرت فى شكل المقابلة، فاللقاء ليس سهلا لشاب صحفى مثلى، فأنا التقى مع كبيرهم - كبير الجماعة الإسلامية - الذى علمهم العنف والقتل والإرهاب، ومن المفترض أن أناقشه فى آرائه وفتاواه التكفيرية وموقفه من تكفير الدولة، ومن الحوار مع كبار العلماء، ومن حوادث التفجير وقتها والاعتداء على الفرق المسرحية، ومن الفن، ومن الأدب.. كان ما يشغلنى وأنا فى الطريق إليه هو مدى تقبله للانتقادات والأسئلة وهل سأواجه بمنزل تحيطه قوات الأمن من كل جانب ويصبح الدخول إليه صعبا وتوجيه الأسئلة لى حول الغرض من الزيارة والتأكد من شخصيتى وغيره، خاصة أننى لم أكن حصلت على عضوية نقابة الصحفيين.
كل شيء سار بشكل طبيعى والأجواء كانت طبيعية إلا من عدد قليل من عربات الشرطة ونفر من أفرادها يراقبون المكان، صعدت إلى شقة الشيخ وأظن أنها كانت فى الطابق الثانى وطرقت الباب وفتح لى على ما أظن ابنه عبدالله أو عمار، وكان لم يغادر سن ١١ عاما على ما أتذكر.. جاء الشيخ وصافحنى وجلس يتحدث بصوت هادئ عن الصحيفة وطبيعة الحوار، ثم فوجئت به يأمر ابنه بإحضار جهاز كاسيت كبير، وقبل أن أبادر بالسؤال عن السبب قال لى: سوف أقوم بالتسجيل أيضا للحوار معك يا أستاذ عادل.
ودار الحوار وآلات التسجيل بينى وبينه.. واستمر الحوار من بعد العصر حتى وقت قريب من آذان المغرب.
الحقيقة أن الحوار كان شاملا لكل شيء ومواجهة صحفية، ربما لم يُجرها أحد من قبل مع الشيخ عمر عبدالرحمن وأفكاره أو من بعد، فقد تم إلقاء القبض عليه بعد ٤٨ ساعة من نشر الحوار، ثم بدأت رحلة خروجه أو هروبه إلى السودان ثم الولايات المتحدة الأمريكية حتى توفى هناك.. واجهته بكل شيء وتقبل الأسئلة الصادمة له.. عن تكفيره للمجتمع والحكومة وهو موظف يتقاضى راتبا من الأزهر، سألته عن الفن والغناء والسياسة، حوار تم نشره على صفحتين كاملتين بصحيفة الأنباء.
أما بخصوص فتوى نجيب محفوظ، فجاءت فى السؤال الأخير أو قبل الأخير ، عندما سألته عن الكاتب الإيرانى سلمان رشدى صاحب كتاب «آيات شيطانية»، فجاءت إجابته الصادمة بأنه «لو كنا قتلنا نجيب محفوظ لتأدب سلمان رشدى» فى إشارة إلى رواية الأديب العالمى، الذى كان قد حصل قبلها بعام على جائزة نوبل العالمية فى الأدب عن مجمل أعماله الروائية وخاصة «أولاد حارتنا».
بعدها ورغم مصادرة العدد فى مصر قامت الدنيا ولم تقعد بسبب فتوى الشيخ بقتل نجيب محفوظ، وهاجت الأوساط الأدبية والسياسية والأمنية أيضا على حوار الشيخ، وخاصة فتواه التى غطت على باقى الإجابات المثيرة.. وأذكر للأمانة أن أجهزة الأمن وأثناء تحقيقها مع عمر عبدالرحمن لم ينف حواره وفتواه التى جاءت فى الحوار.
المفارقة غير السعيدة أنه بعد ٥ سنوات جاءت حادثة محاولة قتل نجيب محفوظ على يد أحد المتطرفين والمهووسيين بفكر عمر عبدالرحمن، واعترف أنه حاول قتل محفوظ لأنه سمع بفتوى الشيخ. واتصل بى كثير من الأصدقاء يذكروننى بالحوار المشهور، ورغم موت محفوظ وعمر عبدالرحمن، فسوف تظل الفتوى واحدة من أشهر فتاوى عمر عبدالرحمن.