نوادر المثقفين

الأحد، 19 فبراير 2017 08:59 ص
نوادر المثقفين
إيهاب عمر يكتب

لدى المثقفين في بلدنا نوادر لا تعد ولا تحصى، فلا تعرف من أين تبدأ، خصوصًا أن كل جيل له خصائص تميز نوادره عن باقي الأجيال المثقفة.

نحن لدينا مثقفين مع ما اسموه الثورة السورية وضد نظام بشار الأسد، ولكن لا مشكلة لديهم في الكتابة لدى صحف لبنانية يمولها نظام الأسد، لدينا مثقفين طالبوا بعزل ما اسموه فلول نظام مبارك ورجال أعمال، ولكن لا مشكلة لديهم في العمل والكتابة في صحف أو وسائل إعلامية يملكها محسوبين على هؤلاء الرجال والفلول.

لدينا مثقفين يتغنون ليلًا نهارًا بأنهم عارضوا نظام مبارك، بينما سيرتهم الذاتية تحفل بالمناصب والجوائز التي حصدوها من مؤسسات الدولة في نظام مبارك، لدينا مثقفين يتحدثون في شجن عن التجريف الثقافي في زمن مبارك، بينما إصدارتهم الرديئة سواء كتابًا أو ناشرين تصدرت مشروع مكتبة الأسرة، وبينما أرفف مكتبتهم التي غالبا لم يفتحوا فيها كتابًا تحمل اغلبها لوجو مكتبة الأسرة وصورة انيقة لماما سوزان في الغلاف الخلفي.

لدينا مثقفين يدعون أنهم يسارجية مناهضين للعولمة، ومع ذلك يعملون مترجمين ومحررين في الجناح الصحفي أو الإعلامي للعولمة، فهم يسارجية ضد الرأسمالية كما يدعون، ولكن يعملون ويكتبون في صحف أوروبية وأمريكية وخليجية تدور في فلك العولمة.

هم ضد الغزو الوهابي لمصر كما يطلقون عليه، ولكن لا مانع لديهم في العمل والكتابة في صحف وقنوات لندن الممولة من الخليج، أنهم يدعون أنهم ضد النظام ويعملون ويكتبون في صحفه وقنواته الإعلامية.

أنهم ضد ما يطلقون عليه الحكم العسكري، ولكن لا مانع لديهم من أن يهرولون ويظفرون بمنح تفرغ أو جوائز تشجيعية وتقديرية من النظام الذي يطلقون عليه الحكم العسكري.

ثم أنهم ضد الإرهاب والتيار الإسلامي، ولكن لا مشكلة في التعامل مع صحف وقنوات ودور نشر تمول من دول يحكمها التيار الإسلامي أو ترعى هذا التيار.

ولدينا أيضًا مثقفين يدعون الوطنية، ولكن لا مشكلة لديهم في العمل والنشر في دور نشر ترعاها الشيخة موزة القطرية، ولدينا مثقفين وطنين لا مشكلة لديهم في العمل والكتابة بوسائل إعلامية تنال من سمعة مصر في بريطانيا وإلمانيا وأمريكا. ولدينا مثقفين يقبلون الجوائز والترجمة من دول يعرفون أنها تتآمر على مصر، ولدينا مثقفين يتأوهون بالديباجات تلو الديباجات عن بيع مصر للخليج قبل أن يرتمي أسفل نعال الشيوخ من أجل جائزة أدبية الكل يعرف أنها محددة سلفًا نظير التطبيل للمشيخة والأمير.

ولدينا مثقف فاته القطار قليلًا، ولكن لان للهراء بريقًا في أعين المراهقات، وجد في هالته الثقافية المزيفة من تفتتن به، ولدينا المثقف العلماني الذي دائمًا ما يكون أبن الطبقة المحافظة، وقد قرر أن يثبت لنفسه أنه ليس كذلك بالتطرف العلماني والبحث عن ابنة الطبقة الفقيرة، ليجردها من أكبر قدر ممكن من ملابسها حتى يثبت لنفسه وللشلة التي تتفرج يوميًا أنه علماني بالقدر الكافي، وأنه استطاع جعل «الفلاحة» كما تطلق عليها الشلة تخلع ملابسها.. تخلع رداء التخلف كما يسموه والذي عادة ما يكون رداء أمه وإخوته وباقي العائلة، قبل أن تتسابق الشلة بجناحها العلماني أو الفلاحات إلى صناديق الإقتراح للتطهر بانتخاب 85 سنة إرهاب.

ولدينا المثقف المحافظ الذي يستطيع أن يدخل المثقفة السافرة إلى الدين الحنيف، هذا المحافظ على القيم لا يتلذذ بقيمه مع أبنة طبقته قط، بل يتلذذ بممارسة تلك القيم مع من لم تكن كذلك في بادئ الأمر قبل أن تستمع إليه حتى لا يفوتها قطار الاستقرار ليرفع المثقف راية النصر الذكورية دون أن يدرك أن ما تحت الرماد لا يزال كما هو، تمامًا مثل زميله الغافل العلماني.

ولدينا مثقفات تصنعن النسوية، ولكنهن وقت الجد هم الجناح النسوي للسلطوية الذكورية، وبعضهن إسلاميات خالصات والبعض الآخر مدعي علمانية لا يسمحن لأحد بالسباب بأعضاء النساء باستثنائهن، فالنسوية هي أن تمارس الأنثي.. والأنثي فحسب كافة تفاصيل السلطوية الذكورية، كما مسموح لذكور بعينها أن تشارك في الحفل البهيج.

ولدينا انصاف مثقفين، لديهم نصف المعلومة وهم الأصعب حالًا في بلدنا، فلا هم حافظوا على نعمة الجهل ولا اقتربوا من جحيم المعرفة فاصبحوا عواهر المناقشات بالامتياز.

ولدينا المثقف الذى لم يقرأ قط، فما حاجة المثقف للقراءة في بلادنا؟، ولدينا المثقف الذي يملك مكتبة على سبيل الديكور، ولدينا المثقف السميع وهو الذي يحفظ عن ظهر قلب كل شيء كتب دون أن يستوعب منه كلمة واحدة، هذا الصنف ديباجاته حاضرة في كل مناقشة ولا يستوعب انحرف خارجها.

طبعا دعك من الكلاسيكيات، المثقف المسعور جنسيًا والمثقفة التي تظفر بكل شيء بكافة الأساليب باستثناء إنتاجها الآدبي، لقد تماهي الجميع مع هذه الكلاسيكيات ولم تعد تقلق احدًا، بل وأصبح التعايش مع هذه النموذج نوعًا من الرقي الفكري، ودرجة من درجات الوصول لمجد ما يلوح في افق غير مرئي للعامة.

وهنالك المثقف الخائب البائس اليائس، الذي يشاهد كل هذا وموافق أو معترض لا فارق، وهذا المثقف عادة ما يكون قارئ جيد وافقت الشلة على ضمه وترقيته إلى رتبة مثقف مقابل أن يلعب دور المشاهد دائما، فالعرض بحاجة إلى مجاميع على كل حال.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة