يا أهل الشكوى كَفَاكُم
السبت، 11 فبراير 2017 12:38 م
يستخدم كثير من الناس الشكوى، كأسلوب للتنفيس عن الألم النفسي الناتج عن ضغوط الحياة، أو إصابتهم بأمراض، أو عدم تحقيق طموحاتهم، أو قصر ذات اليد، أو تفريط أُولي الأمر في حقوقهم، ومن الشاكين من يستخدم الشكوى ليستجدي بها عطف الآخرين، أو لفت نظرهم لحاجة الشاكي، ومنهم من تطبَع بالشكوى من أهله منذ الصغر.
فتجد كثيرًا من الناس في سن الكهولة، دائمًا ما يشتكون من آلامهم البدنية على الملأ، كالآلام الناتجة عن التهابات المفاصل، والصداع، واضطرابات الجهاز الهضمى.. إلخ، وكأن شكواهم سوف تُذهب عنهم الألم، وحقيقة الأمر أن الشكوى من شيئ يزيده في معظم الأحيان، وقليل من الناس، وهم الأصحاء من يديرون مشاكلهم بحسن إدارة حالاتهم، كاتباع أنظمة حركية رياضية جيدة، للوقاية من الأمراض، أو الاهتمام بالتغذية الصحية، أو زيارة الأطباء فور ظهور أعراض مرضية، واستمرار المتابعة والعلاج إلى الوصول للشفاء.
ومن الأمثلة الأخرى الشهيرة للشكوى: الشكوى من ضعف الموارد المادية سنين وسنين، فلا الشخص تغير في طريقة إدارة موارده؛ من تعديل مصادر دخله، أو طريقة صرفه واستخدامه لموارده، ولا هو عَدَلَ عن الشكوى.
ومن الشكوى من يستعين صاحبها بها على درء أثر الحسد، وتجنبه أو التقليل من أثره السلبي على حياة الناس (العين)، وعكسها أن يغالي الناس في الظهور بصورة ملفتة لنظر الآخرين، ويكون ذلك لإثبات التميز والاختلاف في بعض الحالات، وقد يجتمع الاثنان معًا عند ذات الشخص، وهي ثقافة متفق عليها لدى كثير من الناس وعند بعض الشعوب.
والشكوى مفيدة، في حال إعلان حق ما للشاكي من أجل الحصول عليه.
ويستمر الشاكي في ممارسة الشكوى، حتى تصبح عادة، فإن أصبحت كذلك تم تعريف صاحبها بالشاكي أو «الشكّاي».
وللشكوى أثرها الاجتماعي على حياة أصحابها، فالشاكي يتسبب في نفور الآخرين منه، وبُعدهم عنه، ما يعطيه سببًا آخرًا للشكوى، فيقول: «حتى الناس اتغيرت، ومبقتش زي زمان»، ولا يرى أنه هو السبب وراء ذهاب الناس عنه.
وتثبت العلوم النفسية، أن حكم الإنسان على العالم الخارجي، يعتمد في الأساس على رؤية الإنسان لنفسه، ولذلك سُمِيّ «الإسقاط»، فَيُسقِط الشخص ما في داخله على الخارج من أشخاص وأشياء، وقد قيل في ذلك «عين الرضا عن كل عيب كليلة، ولكن عين السخط تُبدي المساويا»، فلا يشكو الراضي همومه، لأنه يَحيَى في الرضا وبه، فإن تكلم كان كلامه طيبًا.
ومن الحكمة ألا نحكم على الآخر، إلا بعد محاولة فهم نظرته للأمر بعينه هو، ويلزم ذلك إعمال الإحساس جنبًا إلى جنب مع التفكير، ويُسمى «التقمص العاطفي»، ويكون أصحاب هذه القدرة والمهارة أصحاب «الذكاء العاطفي».
ويدل حجم الشكوى والتذمر، على حجم الألم الذي يحيى فيه صاحبه، فالشكوى تُورث مرارًا وإحساسًا بالضيق، ويأسًا وحنقًا، كما أن الشكوى تستدعي من ذاكرة الشاكي ومن عقله اللاواعي، ذكريات أشخاص وظروف ومواقف تكون مادة جديدة للشكوى.
وللشكّاي أثر سلبي مباشر على من حوله بالكلام، وآخر غير مباشر، فتقول بعض العلوم الحديثة، أن من يستسلمون للمشاعر السلبية، ويحيون بها، يحاطون بهالة سلبية من الخارج (وكأن أجسامهم تشع هذه السلبية من الداخل إلى الخارج)، فيشعر بها من يتواصل معهم.
ويفقد الشاكي كثيرًا من فرص التغيير لحياته للأفضل، ولمجتمعه، كذلك لأنه لا يرى إلا العجز والنقص، ويحيط نفسه بهالة من الطاقة السلبية، ويُنَفِّر مِن حوله المتفائلين المحققين، فيُضيِع في كل لحظة فرصة تغيير الوضع محل الشكوى.
ومن الظروف والمواقف والأشخاص، من لا نقوى على التعامل معه، لتغييره الآن، فكان الأدعى تأجيله لوقت لاحق، وعدم الانتباه إليه؛ لا بشكوى ولا بغيرها، على حساب توجيه طاقة الشكوى لشيئ آخر نافع.
فيا أهل الشكوى، كفاكم إيلامًا لأنفسكم ولمن حولكم، فإما أن تحسنوا إدارة أموركم (محل شكواكم)، أو أن تؤجلوا النظر إليها لوقت لاحق، وتنتبهوا لشيئ نافع أو أن تصبروا، وذاك أقرب للفرج.
ويا من تستمعون لشكوى الآخرين، إن كنتم تقوون على المساعدة فبها ونعم، وإن لم يكن، فالنجاة بأنفسكم من تأثير الشكوى السلبي أفضل، وللشاكي أقرب ليستفيق.
[email protected]