استَمِع تَفهَم

الجمعة، 27 يناير 2017 03:53 م
استَمِع تَفهَم
عمرو يسري يكتب

الاستماع فضيلة وفن وأدب يجب على العاقل فهمه وتطبيقه، ولا يتعلم أي إنسان إلا إذا استمع، ويقال إننا أوتينا أذنين اثنين وفمًا واحدًا لنسمع ضعف ما نتكلم، وقد قيل لتفهم ما تقرأ اقرأ بصوت عال لتسمع صوتك فتفهم أحسن وأسرع، وفي الاستماع استمتاع فقيل «اسمع لتستمتع».

وقد تعلمنا الكلمات أولا عن طريق الاستماع ثم فهمناها ثم نطقناها وعرفنا الأصوات، فميزنا بها الأشخاص والكائنات والأشياء وتُسمَع الأصوات ذبذبات وموجات في الأذن لتترجم في مركزها في المخ فيفهمها العقل فيكون لها معنى عند سامعها.

ومن الأصوات ما يفرح ومنها ما يبعث الندم
ومنها ما فيه شجن ومنها ما يوقظ الألم
ومنها ما يحفزنا ومنها ما يُثَبِّط الهمم

فللأصوات تأثير مباشر في الإحساس، فنسمع الموسيقى فيتبدل إحساسنا، ويسمع الجندي قرع طبول الحرب فيتحمس ويسمع الطفل الخائف صوت والديه فيطمئن قلبه ونسمع صوت الطيور فنهدأ ويسمع العابد نداء الخالق فيهيم وجدانه.

وللكلمات والأصوات معانٍ يفهمها الإنسان حسب خبراته السابقة ومخزون ذاكرته ولها تواصلات مع الحواس الأخرى كحاسة الشم وحاسة البصر، فيرى الشخص منظرًا كان قد رآه من قبل فتستدعي ذاكرته ما كان يسمعه وقت رؤية ذلك المنظر فيسمعه من داخل عقله لا من الخارج.. ويَشْتَمّ الشخص رائحة عطر فيسمع صوت صاحبها.

ومن أعراض بعض الأمراض النفسية والعقلية سماع أصوات عشوائية أو أشخاص أغراب أو أشخاص معينين، وكذلك اضطرابات الأذن الوسطى والداخلية واضطرابات الجهاز العصبي والإجهاد أيضًا ولكل منهم علاجه.

وفيما يتعلق بالكلام فالكلام له مضمون ومعنى ولكي نفهم الكلام علينا ألا نحكم على بعضه قبل تمامه، لأنه عندئذ حكم خاطئ مترتب على فهم منقوص يكون رد فعل صاحبه عشوائية ظالمة.

والشاهد أن الإنسان لا يمكن له أن يسمع ويتكلم في آن واحد، فحالة الاستماع استاتيكية ثابتة يلزمنا فيها الإنصات والتركيز للفهم، أما الأخرى فهي ديناميكية حركية، وهما لا يستقيمان معًا، ويمكنك من على بعد التمييز بين الاثنين لاختلاف حركات البدن وتعبيرات الوجه فيهما.

وللمستمع الجيد تأثير إيجابي في المتكلم وكأن المتلقي يمهد طريقًا للآخر تُسترسل فيه الأفكار كالمياه في الأنهار فيسهل على المتحدث البيان ويسهل على المتلقي الفهم.

ومن الأدب كذلك أن يحترم المتلقي المستمع «المتكلم» و«نفسه» فيعطي «المتكلم» المساحة الزمنية لإتمام مقاله وكلامه ليتم المعنى، و«نفسه» ليتم الفهم، هؤلاء من الناس هم من يستقيم فهمهم وفكرهم وتثمر علاقاتهم بالناس جودة وجودًا وطيبة وطيبًا وعلمًا ونفعًا.

وقد تميز أصحاب الاستماع المتأني عن غيرهم من الناس، وعدم اندفاعهم إلى إطلاق أحكام متسرعة غير ناضجة، بالهدوء والتعقل والفهم فكانوا أقرب إلى الرشاد والحكمة والأدب وهابهم أقوامهم بحسن استخدامهم لمواردهم من الطاقة العقلية التي يستهلكها المتسرعون في الأحكام قبل الفهم والإنصات بلا فائدة، بل بضرر، فلا هم فهموا ولا هم سكتوا بل نشوتهم في الكلام والانفعال بلا قيمة مضافة ولا نفع يُرتجى، وقد قيل «الرجل مُهاب حتى يتكلم».

وقد أثبتت الأبحاث وأقرت العلوم الطبية بأن الجهاز المناعي للجسم البشري يضعف بالانفعال المستمر.. وقد أصبحت سمة العصر، لا سيما لدى المراهقين والشباب وبعض الكبار سنًا، سرعة الانفعال والرد والاندفاع نحو إثبات صحة آرائهم ونظرياتهم ووجهات نظرهم بلا تروٍ في الفهم الذي هو أصل القوة والاستمتاع والتقدير والأقرب لنجاح الفرد في حياته.. وبعدها فطوبى لمن أوتي القدرة على عقل «ربط» نفسه من الاندفاع إلى الرد والحكم على الغير فيما يقولون، واتسم بحسن الاستماع والأدب والترفع والرُقِي، ففهم أولا ثم تكلم.

 

تعليقات (2)
مقالة رائعة للدكتور عمرو يسري
بواسطة: مني عبد الحميد
بتاريخ: الجمعة، 27 يناير 2017 06:58 م

من اهم وأفضل اساتذة علم النفس في الطب النفسي دعمرو يسري

ا?ستماع فضيلة..للدكتور عمرو يسرى
بواسطة: Samiha elnakib
بتاريخ: الأربعاء، 05 أبريل 2017 06:11 م

مقالة رائعة من دكتور عظيم جزاك الله خيرا د.عمرو وربنا يزيدك من العلم لكى نستفيد منك.

اضف تعليق