«العسكريون الجدد» و«إضراب الموظفين» أزمتان تضربان كوت ديفوار
الجمعة، 27 يناير 2017 12:44 م
تواجه كوت ديفوار، منذ مطلع العام الحالي، العديد من التحديات والضغوط التي قد تعصف بالاستقرار الاجتماعي للبلاد، وذلك بالرغم من نجاحها في تحقيق طفرات نمو اقتصادية حتى باتت أقوى اقتصاد في منطقة غرب إفريقيا، بل وجاذبة للعديد من الاستثمارات الأجنبية، لاسيما من الصين والهند والمغرب وتركيا، وبالرغم أيضا من النجاحات التي تحققت على الصعيد السياسي من تشكيل لمجلس للنواب ووضع دستور جديد وتعيين للمرة الأولى في تاريخ البلاد نائبا للرئيس، إلا أنها قد تظل أسيرة لبعض الأحداث السياسية الماضية والتي لم تزل تطاردها حتى اليوم وتمثل أكبر عقبة لها.
فمنذ بداية العام الحالي، شهدت كوت ديفوار أزمتين من شأنهما أن يتسببا في أزمة اجتماعية كبيرة وهي أزمة ما يطلق عليهم «العسكريون الجدد» وأزمة «إضراب الموظفين»، فمن هم إذن «العسكريون الجدد» وما هي مطالبهم؟ ولماذا لجأ الموظفون إلى الإضراب في هذا الوقت تحديدًا بالرغم من أن مطالبهم منذ عام ٢٠٠٩؟
دخلت كوت ديفوار في حرب أهلية في عام ٢٠١٠ عندما خسر الرئيس السابق باجبو في الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس الحالي الحسن واتارا، ورفض الاعتراف بالهزيمة، كما رفض تسليم السلطة إلى منافسه، واحتمى بقوات الجيش والحرس والشرطة، ولم يجد حينها الرئيس الحالي مفرًا من القتال لإزاحة باجبو من الحكم، فجمع أعداد كبيرة من المدنيين من أطراف كوت ديفوار وعلى الحدود مع مالي وغانا، وبلغ عددهم 8 آلاف و500 فرد، وسلحهم ليقاتلوا ضد أنصار باجبو، ووعدهم بدفع لكل واحد منهم مبلغ 12 مليون فرنك غرب إفريقي «أي حوالي ٢٠ ألف دولار»، وفيلا للسكن في حال وصوله إلى سدة الحكم والانتصار على باجبو وإزاحته عن السلطة.
وبعد أن تسلم الرئيس الحالي الحسن واتارا الحكم، لم يف بوعده معهم، ما دفعهم للنزول إلى الشوارع رافعين السلاح، ومهددين باللجوء للعنف في حال لم يتم تنفيذ وعد الرئيس لهم.
وبالفعل رضخت الحكومة لهؤلاء، وأعلنت يوم 8 من يناير الجاري التوصل إلى اتفاق معهم ودفعت لكل واحد منهم مبلغ 5 ملايين فرنك غرب إفريقي كدفعة أولى على أن يتم صرف مبلغ مليون فرنك كل شهر.
وبالفعل تراجع «العسكريون الجدد» إلى ثكناتهم، إلا أن ذلك أثار غضب العديد من القطاعات الحكومية، وسرعان ما ظهرت أزمة أخرى وهي أزمة متعلقة بإضراب موظفي القطاع.
وقرر موظفو القطاعات الحكومية في كوت ديفوار اتخاذ خطوات تصعيدية، منها الإضراب، الذي أدى إلى شلل تام في معظم الخدمات الحكومية لأنه يرون أن الحكومة رضخت للعسكريين الجدد، والذين يطلقون عليهم «المرتزقة» نظرًا إلى أنهم ليسوا عسكريين، وتم إلحاقهم في الجيش مع وصول الرئيس واتارا للحكم، وأعلنت عن صرف هذه المبالغ الضخمة في الوقت الذي يعانون فيه من عدم صرف مكافآتهم وعلاوتهم المتأخرة منذ عام ٢٠٠٩.
ولم تزل الحكومة الجديدة برئاسة أمادو جون كوليبالي تحاول جاهدة احتواء غضب الموظفين، وقامت بعدة محاولات لم يكتب لها النجاح، وسرعان ما انضم للموظفين عدة قطاعات أخرى مثل رجال الشرطة، وأفراد من الجيش النظامي، ورجال الإطفاء حتى وصل الأمر إلى الحرس الجمهوري.
وأعلنت الحكومة أمس، تشكيل لجنة فنية مشتركة تضم ممثلًا عن الحكومة وممثلين عن نقابات القطاعات الحكومية لتقديم الحلول والتوصل لحل وسط لرفعه إلى رئاسة الجمهورية لاتخاذ قرارها.
وعلى جانب آخر، بات رجل الشارع العادي يعاني بسبب ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وزاد احتقانه بسبب مطالب «العسكريين الجدد»، وإضراب الموظفين في دولة لم تزل تسعى جاهدة إلى أن تكون ضمن مصاف الدول البازغة اقتصاديًا، فهل تنجح كوت ديفوار في التغلب على آلام أحداثها السياسية في الماضي؟ وفي تسوية هذه الأزمات قبل أن تتفاقم جراء عدم التوزيع العادل للثروات وعجز الحكومة عن حماية الطبقات الأشد فقرًا؟