التبرير

السبت، 21 يناير 2017 12:24 م
التبرير
عمرو يسري يكتب

وقد كان التبرير من أساليب الدفاع النفسي الدالة على العجز والضعف لأنه يتسبب في إلباس صاحبه ثوب المظلوم فيقول «لو كان الحال أفضل لكانت حياتي أحسن، ولو كنت وُلدت في زمن آخر لكنت أظهرت إمكاناتي، ولو كان أبواي مختلفين لكنت أقوى، ولو كنت في دولة أخرى لكنت حققت المراد،ولو كان الحظ حليفي مثل فلان وفلان لكنت أصبحت كذا وكذا».

وهذا كله من باب التبرير الذي هو أداة يعتبرها علم النفس أحد الاضطرابات المعرفية غير الناضجة وغير النافعة، الذي وإن دل إنما يدل على شخصية هشة، ضعيفة لشخص اعتمادي يميل مزاجه إلى الاكتئاب، لا يقوى على تحمل مسؤولية شخص أو شيء، لا سيما تحمل مسؤوليته الشخصية.

ولو فرزنا الناجحين في الحياة لوجدنا أنهم دائما يبحثون عما هو موجود من معطيات وأدوات فيستخدمونها وينتجون منها ما هو أفضل وأنفع لأنفسهم ولغيرهم، وهذا ما يسمونه أصحاب التبرير «الحظ»، ويكون الحظ بريئًا منهم، لأن الحظ يكون لأصحاب السعي والجهد والعمل للتحقيق، وإلا لما تحرك أي إنسان وانتظرنا جميعا حظوظنا فنكون كالعاجزين تمر حياتنا من بين أيدينا دونما حركة منا وخدمة تتسبب لنا في السعادة والرضا وتشفع لنا حال رحيلنا.

​ومن الحقائق والثوابت أن الرضا والسعادة أمل وطموح لكل عاقل، وكانا مرتبطين بمواجهة الحياة وتحمل مسؤولياتنا فيها مع عدم الكسل والتراخي والتأجيل والتبرير والاستسلام للضعف وتصديق أنفسنا الأمارة بالسوء أننا ممن لا حظ لنا وكأننا مسيرون وحسب.

​ومن منا لا يعلم أن كلمة «لو» تفتح عمل الشيطان وأن «الله وحده يعلم ما لم يكن ما كان إن كان ما كان سوف يكون الآن»، ويعلم الغيب كله، إذن فإنه ليس علينا التفكير إلا فيما في أيدينا من صحة وقدرة عقلية وعلاقات اجتماعية ومال، وقبل هذا كله ثقة مطلقة في أن الله لا يُقَدِر ويُحَقِق إلا ما فيه الخير لنا ومن ثم فإنه ليس علينا إلا السعي والحركة باستخدام ما أوتينا من الأدوات السالف ذكرها إن أردنا الحياة والسعادة.

وفي الأمثال الكثير مما يدل على فرضية العمل والحركة حتى بأقل الإمكانات وارتباط القدرة على الإنجاز بالذكاء وحصافة التفكير، فقيل «الشاطرة تغزل برجل حمار»، مما لا يسمح لأحد بالعجز والدعة باستخدام التبرير حجة لعدم العمل.

وقد كان من الأدعى أن يعيش بالتبرير من خاض تجارب أليمة في سابق حياته من انتهاك مادي ومعنوي وتعد واجتراء آخرين من ذوي القوة البدنية والمالية والاجتماعية والسلطة والنفوذ عليهم، ولكنهم أبَوا أن يعيشوا ضحايا لما انصرم من أحداث وتأثيرها في مخزون ذكرياتهم ومشاعرهم السلبية وما يمكن أن يُحاصروا فيه من حالات وأحوال الهم والعجز والكسل ونظروا إلى الحاضر في حياتهم وما يُمَكٍنُهُم طموحهم وأملهم وتفاؤلهم بإرادتهم الواعية الحرة وحبهم للحياة والخير والحركة والتحقيق والعدل، فسامحوا ثم عملوا ثم بنوا ثم كسبوا ثم ارتقوا ثم ساعدوا فحيوا وسعدوا وكانوا مصدر حياة، بل هؤلاء من الناس هم الحياة.

ومن منا لا يعلم البعض من هؤلاء الأشخاص ولنا فيهم عبرة وعظة لمن أراد النجاة من فخ التبرير والالتزام بمسؤولياته تجاه نفسه وعمله ووقته وذويه ووطنه والإنسانية جمعاء.

 

تعليقات (1)
التبرير .د.عمرو يسرى
بواسطة: Samiha elnakib
بتاريخ: السبت، 21 يناير 2017 01:38 م

كلام صح 100×100 جزاك الله خيرا د.عمرو يسرى

اضف تعليق


الأكثر قراءة