في ذكرى العدوان الثلاثي: «تعلب المخابرات».. ضحية قنبلة العيش

الإثنين، 19 ديسمبر 2016 03:15 م
في ذكرى العدوان الثلاثي: «تعلب المخابرات».. ضحية قنبلة العيش
نيرمين الزهار

وقف فتى صغير، على ناصية شارعي رمسيس والنهضة ببورسعيد، يُدعى سيد عسران، يبلغ من العمر 16 عاما، مرتديا بنطال وقميص خفيف في طقس سيطرت البرودة عليه، حاملًا في يديه رغيف خبز، يقضم منه قضمات صغيرة، وذهنه شارد وعيناه يبدو عليهما القلق، كل هذا في يوم 14 ديسمبر عام 1956.

وفجأة انطلقت بشكل سريع، سيارة صغيرة إلى شارع رمسيس، بداخلها ثلاثة رجال، من ضمنهم الميجور جون وليامز، ثعلب المخابرات البريطانية، الذي كان دائمًا ما يغلق زجاج النوافذ، خوفا من أي اعتداء، وكان الغرور ينتابه طوال الوقت، متباهيًا بزيه العسكري وعيناه الزرقاوتان.

بدأت أعصاب الفتى الصغير تنهار، عندما لمح سيارة ثعلب المخابرات البريطانية تسير بالشارع، ولم يتمالك نفسه، فوضع يده في جيبه وأخرج منها ورقة بها سطور مكتوبة باللغة الانجليزية، ولوح الفتى بيده لسائق السيارة، لكن السائق لم يقف، وعندما شاهد وليامز الفتى يلوح بيده، طلب من السائق الرجوع للخلف والتوقف.

فتح «وليامز» زجاج سيارته، ونظر بعينيه الزرقاء إلى الفتى نظرة ثاقبة، وقابل الفتى نظرة ثعلب المخابرات البريطانية بنظرة بريئة ثابتة، فقال له وليامز «عايز إيه؟»، لم يتكلم الفتى، ومد يده بالورقة إليه، ونظر وليامز إلى سكرتيره الذي كان يجلس بجواره داخل السيارة، وهو يبتسم ظنا منه أنه سيحصل على معلومات توصله إلى مورهاوس وإلى الذين خطفوه.

مد «وليامز» يده ليأخذ الورقة، وقبل أن يلمسها تركها الفتى، لتسقط من بين أصابعه داخل السيارة الصغيرة، وسقطت الورقة في دواسة السيارة، وانحنى وليامز ليلتقطها، بينما قضم الفتى قضمة واحدة من الخبز بأسنانه، ولم يبتلعها وظلت عالقة بين أسنانه، وعيناه تلمع من شدة العنف، وقبل أن يعتدل وليامز لمح الرغيف الذي كان في يد الفتى تحت قدميه فى دواسة السيارة.

وذاب الفتى في الشارع، وأدرك «وليامز» الفخ، وحاول فتح باب السيارة للخروج ولكن دوي الانفجار خرجت قبله وقصفته للأعلى، ساقطا على الأرض، وفي يده مسدسه أخذ يطلق منه طلقات أصابت أربعة من اليونانيين، كانوا يسيرون في الشارع، وجرح سائق سيارة «وليامز»، وسقط رأسه فوق عجلة القيادة، وأخذ الكابتن جرين مساعد وليامز يصرخ في الشوارع مستنجدًا بالدوريات البريطانية، وظل وليامز يسبح في دماءه، حاملا مسدسه وعيناه تبحث عن عسران.

جاءت عربات الإسعاف البريطانية، وحملت «وليامز»، الذي مزقت القنبلة نصفه الأسفل، ولكن لم يسعفه القدر، ولقى حتفه بقنبلة العيش.

وأسرع «عسران» إلى الحي العربي «قسم العرب»، وكان يحرسه من بعيد أفراد مجموعته الأبطال التي خطفت مورهاوس، وأخذت القوات تجري للإمساك بعسران، إلا أنهم لم يعثروا عليه، ليضرب سيد عسران أروع صور البطولة في العدوان الثلاثي، تناقلتها الأجيال، ليسطر التاريخ اسمه بين أبطال المقاومة الشعبية في بورسعيد.

وبهؤلاء الأبطال، وغيرهم، تحتفل المدينة الباسلة بالعيد القومي لها «عيد النصر»، والذي يتم الاحتفال به كل عام يوم 23 ديسمبر، وهو ذكرى انتصار الشعب المصري وأحفاد بورسعيد على قوات العدوان الثلاثي البريطاني والفرنسي والإسرائيلي عام 1956.

وتشهد ذكرى احتفال أهالي بورسعيد بمرور 59 عاما على العدوان الثلاثي هذا العام، زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى بورسعيد، لافتتاح الكوبري العائم.




 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق