الإخوان المسلمين قبل حسن البنا
الإثنين، 19 ديسمبر 2016 11:52 ص
عام 1077 قام السلاجقة بغزو آسيا الصغري أو ما يعرف بهضبة الأناضول، وهكذا أصبح للدولة الإسلامية السلجوقية حدود مع الإمبراطورية البيزنطية الأرثوذكسية الشرقية، بينما في الغرب هنالك دولة الأندلس منذ عام 711 على ما يعرف اليوم بإسبانيا والبرتغال وجنوب فرنسا وإقليم جبرلتار (جبل طارق) البريطاني.
طوقت الدول الإسلامية أوروبا، ما أثار فزع شبكات المصالح في القارة الأوروبية، وهو فزع لأسباب سياسية واقتصادية خالصة بعيدًاعن الدين، وجرت الاجتماعات بين قادة شبكات المصالح في عموم أوروبا من رجالات المؤسسات العسكرية والدينية والنبلاء والملوك والشبكات الاقتصادية الكبرى، من أجل وضع حد لزحف المشرق على الغرب.
القرار الأول المعلن كان الحروب الصليبية، استغلالا للعامل الديني في حقيقة أن دولة الأندلس ودولة سلاجقة الروم يعلنان شعارات دينية، بينما أسباب الحرب الحقيقية إلى جانب النفوذ السياسي والحفاظ على المكتسبات التجارية كان وجود أزمة اقتصادية في أوروبا ووجد زعمائها أن السعي للظفر بثروات الشرق من جهة ومن جهة أخرى الدفع بمئات الفقراء في الحروب على أساس ديني سوف يلهي الشعوب عن الثورة ضد حكامهم بعد الأزمات الاقتصادية الطاحنة، نحن أمام النسخة الأولى من تكتيك «لا صوت يعلو عن صوت المعركة» في مقابل مطالب الإصلاح السياسي والاقتصادي.
لذا، لم يكن غريبًا أن تندلع الحملة الصليبية الأولى عام 1095 عقب أقل من عشرين عاماعلى وصول السلاجقة لحدود بيزنطة، وقد استغرق الأمر 18 عاما عمدت خلالها شبكات المصالح في أوروبا إلى التمهيد الثقافي والمذهبي لفكرة استعادة الأراضي المقدسة في فلسطين رغم أنها بيد المسلمين منذ القرن السابع، دون أن يكون للكنائس الأوروبية رد فعل يذكر، ولكن الاجتماعات في أوروبا وقتذاك أسفرت عن استراتيجية أخرى لا تزال وجودة وتستخدم حتى اليوم.
لقد اتفقت شبكات المصالح وجماعات الضغط في أوروبا خلال القرن الحادي عشر، إنه لا رفعة لنفوذهم ومصالحهم طالما هنالك دول قوية في المشرق (الشرق الأوسط بلغة اليوم)، وأن هذه المنطقة لابد أن تغرق دائما في الفقر والجهل والمرض والحروب والدماء والانتكاسات الاقتصادية والتجارية والنهب المنظم لثرواتها وعقولها وخبراتها الحياتية. وأنه حان الوقت للتغلغل في هذه المجتمعات بالجماعات السرية والإرهابية، على ألا يكون الغرض هو نصر دين أو فكرة معينة بل الغرض هو الفوضى الدائمة، لو كان في بلد الغلبة للدين فإن المؤامرة سوف تكون الإصلاح ولو كان في بلد الغلبة للعلم فإن المؤامرة سوف تكون الجهل، ولو كان الغلبة للتطور فإن المؤامرة هي الارتداد للتخلف بجماعات دينية لا تتعلق بدين واحد بل بكافة الأديان المتاحة في هذه البلد لو الغلبة لمذهب ديني معين، فإن المؤامرة هي دعم المذهب الثاني ولو لم يكن موجود فأن على المؤامرة ان تبتكره، لو الغلبة للدولة الدينية فإن المؤامرة سوف تكون الفكرة القومية ولكن كان الغلبة للدولة القومية فأن المؤامرة سوف تكون الحركة الدينية.
وفى هذا الإطار جرى الاتفاق على دعم كافة الحركات الإسلامية المتمردة المتاحة، وإذا لم تتواجد مثل هذه الحركات فإن على شبكات المصالح أن تزرع رجالاتها ويقومون بابتكار مثل هذه الحركات من أجل هدم الدين الإسلامي من الداخل نظرا لأنه المحرك الرئيسي لتلك الأمبراطوريات التي أصبحت اليوم – وقتذاك – تسيطر على آسيا الصغرى شرقا وشبه جزيرة أيبريا غربا.
الباحث والمؤرخ الأمريكي روبرت دريفوس Robert Dreyfuss رئيس وحدة الشئون الاستخباراتية للشرق الأوسط في مركز Executive Intelligence Review الخاص بدراسات تاريخ وحاضر المخابرات الغربية سبق وأن تطرق إلى هذه المرحلة في كتابه رهينة الخميني Hostage to Khomeini، وتحديدا حينما قررت بريطانيا منذ القرن السابع عشر شن حملة كبري على الأمبراطوريات الإسلامية العثمانية والفارسية والمغولية بغية تحطيمها إلى دويلات صغيرة عبر إيقاظ الأفكار القومية وتحويل الأديان والطوائف إلى قوميات تطالب بدول خاصة بها.
وقد وجدت بريطانيا– وفقا للمؤرخ الأمريكي– أن الحركات الشيعية والصوفية أسهل في الاختراق، وكتب نصًا: «كانت الحركات الصوفية هي أداة تدخل البريطانيين في الشرق الأوسط بشكل مباشر منذ القرن السابع عشر»، وأن الحركة البهائية تحديدًا تمت صناعتها بالكامل على يد المخابرات البريطانية في القرن التاسع عشر، وأن تصنيع الحركة التي أصبحت ديانة مستقلة احتاج إلى تمويل ودعم لوجستي، فقامت شبكات المصالح التي تقود لعبة المؤامرة بتكليف المحفل الماسوني الاسكتلندي البريطاني (المحفل الماسوني الاسكتلندي اختصارًا) بتقديم الدعم المالي واللوجستي اللازم للبهائيين وبهذا المال انتشر الدين الجديد في آسيا الوسطي والهند وفارس (إيران اليوم ).
وإلى جانب الحركة البهائية وبعض الحركات الصوفية والحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية والحركة القاديانية، وجدت بريطانيا أنه حان الوقت لتأسيس أخوية إسلامية جامعة لكافة هذه الحركات، مظلة أو منسق عام، وهكذا نشأت فكرة تنظيم الإخوان المسلمين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، يقول دريفوس في كتابه: «إن تنظيم الاخوان المسلمين صناعة لندنية، أنشأت لتكون حاملا للواء هرطقة قديمة معادية للأديان، وتأسست الجماعة على يد العميل البريطاني حسن البنا وهو صوفى باطني، وما كان بإمكان الإخوان المسلمين التواجد اليوم لولا حقيقة مفادها أن مستشرقي جامعات أكسفورد وكامبريدج البريطانية، قاموا بتتبع العناصر الأكثر تخلفًا في الثقافة الإسلامية وتدوين ملاحظات عنها وغرسها بعناية، ومن ثم جاءت جماعة الإخوان نتيجة التنظيم الصبور من جانب عملاء لندن في العالم الإسلامي».
إن تصوف حسن البنا ليس بالأمر المفاجئ في هذه الوثائق البريطانية، وقد قال في المؤتمر الخامس للإخوان عام 1938: «إن الإخوان المسلمين دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية»، كما أن تصوفه وزيارته إلى الأضرحة والحضرة وحلقات الذكر الصوفية مذكورة نصًا في كتابه «مذكرات الدعوة والداعية»، وبعد ذلك يأتي بعض أنصاف المثقفين للتحذلق بالقول أن العلاقات ما بين إسلامييو تركيا والإخوان المسلمين فى زمن الحرب الباردة وما بعدها مستحيلة لأن الإخوان تنظيم سلفي بينما إسلاميو تركيا ينتمون إلى الفكر الصوفي دون أن يدركوا حقيقة أن الإخوان المسلمين تنظيم يضم أجنحة صوفية وشيعية أيضًا وأن إسلاميو تركيا ما هم إلا الجناح الصوفي لتنظيم الإخوان المسلمين سواء كان الحديث عن فتح الله جولن أو تلاميذ نجم الدين أربكان مثل عبد الله جول ورجب طيب أردوغان.
الفكرة الأولى لتأسيس الإخوان في القرن التاسع عشر لم تكن سلفية أو وهابية قط، بل أن تكون جامعة لكافة المذاهب والفرق الإسلامية التي تتعاون مع بريطانيا، لذا يمكن القول أن تنظيم الأخوان الأول ما بين عامي 1928 و1949 أو يطلق عليه في المخابرات البريطانية تنظيم حسن البنا لما يكن تنظيمًا سلفيا خالصا عكس تنظيم 1951 الذى تم ابتكاره في المخابرات الأمريكية وقدم للعالم سيد قطب الذي اعترف بانتمائه الماسوني في مقال بعنوان: «لماذا صرت ماسونيا؟» بجريدة التاج المصري عدد 23 إبريل 1943، علما بأن الانتماء الماسوني يعني بالتبعية الانتماء إلى الاستخبارات الأجنبية التي تعمل مع هذه المنظمات لصالح رعاية شبكات المصالح الغربية.
وبالفعل ضم التنظيم في سنوات البنا العديد من الكوادر الصوفية، بل أن الحركة الوهابية في سنوات عبد العزيز آل سعود الأولى أيضًا استقطبت العديد من الصوفيين مثل الشيخ محمد ماضي أبو العزايم، أحد كبار مشايخ الطرق الصوفية، الذى أيد الحركة الوهابية وقيام الدولة السعودية الثالثة وفقا للباحث زكريا بيومي في دراسته «موقف مصر من ضم ابن سعود للحجاز 1924– 1926» أو الباحث السعودي عبد الله بن بجاد العتيبي في دراسته «الإخوان المسلمون والسعودية.. الهجرة والعلاقة».
ويشير المؤرخ الكندي جوين داير Gwynne Dyer في كتابه «أرهاب الدولة الإسلامية والشرق الأوسط»:
Don't Panic: Islamic State Terrorism and the Middle East
إلى حقيقة تغيب عن عقول الكثيرين اليوم، أن كافة كتابات سيد قطب رغم دمويتها وصناعتها للسلفية الجهادية لم تتطرق بكلمة إلى الشيعة، وأن التحريض كان على المجتمعات والدول أو أصحاب الديانات الأخرى.
يمكن القول وفقا لكافة وقائع التاريخ أن الحركات الصوفية والوهابية والشيعية بروافدها البهائية والسلفية والجهادية والتكفيرية ظلت تعمل معا جنبا إلى جنب حتى استيلاء آية الله الخميني على الحكم في إيران، وقتذاك بدأت الوهابية والسلفية مع رأس حربتهم تنظيم الإخوان المسلمين في سن خطاب تكفيري حيال الشيعة.
ولكن قبل ذلك التاريخ كانت العلاقات السعودية الإيرانية تحت المظلة الأمريكية على سبيل المثال في أبهى صورها وكانت اللقاءات لا تنقطع بين أمبراطور (شاه) إيران محمد رضا آل بهلوي والملك السعودي فيصل بن عبد العزيز آل سعود، فالتنظيمات السنية (الاخوان والسلفيين والوهابيين) لم يكتشفوا أن الشيعة والصوفيين كفرة إلا عقب الخلاف على الكعكة الإيرانية والخطاب المعادي الفارسي للإسلاميين الإيرانيين حيال الخليج العربي عقب الثورة الإيرانية.
بالعودة إلى المؤرخ الأمريكي روبرت دريفوس، يشير إلى أن مهمة تأسيس الشبكة الأولى لتنظيم الاخوان المسلمين أوكلت إلى ويلفريد سكاوين بلنت، وهو أحد ضباط المخابرات البريطانية الذى عمل مستشرقا في الحقل الأكاديمي لتغطية نشاطه الاستخباراتي كما يفعل عملاء المخابرات حتى اليوم، والأخير استطاع أن يحقن العالم الإسلامي بشخص نعرفه جميعا اليوم باعتباره من عمامات التنوير تحت اسم جمال الدين الأفغاني.
إلى اليوم لا أحد يعرف أين ولد جمال الدين؟ ما هي جنسيته أو جنسية أهله أو المذهب أو الدين الذى ولد عليه؟ تجول ما بين مصر والعراق والدولة العثمانية وإيران والهند وأفغانستان ثم روسيا وفرنسا وانجلترا، وفي كل دولة كان له اسم عن الدولة الأخرى وعمامة دينية عن الأخرى، ففي إيران كان جمال الدين الحسيني وفي مصر كان جمال الدين الأفغاني وفي العراق تارة جمال الدين الطوسي وجمال الدين الكابلي، وفي الهند جمال الدين الاستانبولي وفي أوقات الفراغ جمال الدين الحسيني!
كانت رؤية المستشرق البريطاني، أن تخرج حركة الإخوان المسلمين كحركة تنويرية إصلاحية تفكك الدين الإسلامي من الداخل، خاصة أن فكرة الأصولية السلفية المباشرة كالحركة الوهابية كانت قد فشلت بسقوط الدولة السعودية الأولى ودخول الدولة السعودية الثانية وقتذاك في أتون الحرب الأهلية وفشل الوهابية في التمدد خارج الجزيرة العربية.
وللأسف حتى اليوم الكثير من العقول في الشرق الأوسط لم تنتبه الى أصولية التنويريين الإسلاميين، وأنهم وقت الجد يطلقون فتاوي وأفكار أشد ظلامية من بعض المشايخ، على سبيل المثال جمال الدين الأفغاني عقب خلافه مع الشاه الإيراني ناصر الدين شاه قاجار، حرض على قتله في خطبه الدينية في سنواته عمره الأخيرة باسطنبول وبالفعل تم اغتياله في 1 مايو 1896 ما يعني أن واحدا من أهم عمامات ما يسمي النهضة والتنوير الإسلامي حرض وتسبب وتلطخت يده بدماء حاكم دولة في أول عملية اغتيال سياسي تنسب للإسلام السياسي.
الباحثة البريطانية هيلارى باركر شاركت بالكتابة في الموسوعة التاريخية The Cambridge History of Iran تاريخ إيران عن جامعة كامبردج كتبت في هذه الدراسة الموسوعية: «اغتيال الشاه الإيراني كان سياسيا بامتياز لو قارناه بالملوك الذين سبقوه في التعرض للقتل في تاريخ إيران، حيث سقط هؤلاء ضحايا للصراع على السلطة بين الأسر الحاكمة أو الأسر التواقة للحكم، وليس بفتوى من مرجع ديني كجمال الدين الأفغاني، الاغتيال تم على يد رجل ثوري سبق أن تتلمذ على يد رجل عقائدي – سياسي، والقاتل كان يعرف جيدًا أن الموت المحتم سينتظره إثر قتله للملك القاجاري، أننا أمام حدث يمكن اعتباره أول عملة استشهادية في التاريخ الحديث».
لم تكن فتوي اغتيال أول حاكم في العصر الحديث بعملية استشهادية صادرة عن سني أو وهابي، بل كانت من إمام تنويري ينظر إليه باعتباره من أعلام حركة النهضة الإسلامية الحديثة!
حرض الأفغاني على رفض الخلافة العثمانية مقابل خلافة عربية كشكل من أشكال القومية العربية، ورفض الحداثة الأوروبية وشدد على حتمية التمسك بتقاليد المجتمع الإسلامي الرافضة للتطور العلمي الأوروبي وهي الحجة الدائمة للحفاظ على الرجعية والتخلف باسم الدين، وبالطبع حذر المسلمين الاستعمار الروسي دون أن يتفوه بكلمة واحدة عن الاستعمار البريطاني أو الفرنسي.
ووفرت له بريطانيا المال اللازم وشبكة من العملاء ينتمون إلى البهائية في كافة الدول التي عمل بها، وأتى هذا التمويل والدعم اللوجستي من المحفل الماسوني الاسكتلندي، وطرد الأفغاني من كل دولة عمل بها من قبل حكوماتها الوطنية، ولاحقا رأت بريطانيا في شخصه عميل فاشل، ورفعت الغطاء عنه وسحبته من مصر، ولكن شبكات المصالح الأوروبية أصرت على إعادة تدويره ورحبت باريس بالأمر وتكفل المحفل الفرنسي الماسوني بإعادة التمويل.
علاقة جمال الدين بالماسونية ليست خافية عن كل من يعرف تاريخه، وقد أسس الجمعية الماسونية العربية في مصر علنا في سبعينات القرن التاسع عشر، ما يعني أن الأفغاني لم يكتفى بالانتساب إلى المحافل الماسونية البريطانية والفرنسية فحسب، بل أسس وترأس محفل ماسوني في مصر، وكانت فكرة أن يكون المحفل عربيا لا مصريا في إطار دعم الماسونية وبريطانيا لفكرة القومية العربية لتأليب الولايات العثمانية الناطقة بالعربية على حكم الخلافة العثمانية.
عقب تململ بريطانيا من جمال الدين، قررت التواصل مع تلميذه الشيخ محمد عبده، وكان الأخير قد غادر مصر مع الافغاني متجولا ً في أوروبا، إلا أن بريطانيا قررت إعادته مرة أخرى إلى مصر، وعبده ينتمي إلى المحفل الماسوني الاسكتلندي حيث وثق الباحث كريم ويصا Karim Wissa هذا الانتماء في كتابه «الماسونية في مصر ما بين عامي 1798 و1921»، Freemasonry in Egypt 1798-1921، كما أن محمد عبده كان بهائيا أيضا، ووثق المؤرخ الأمريكي جوان كولJuan Cole هذه الحقيقة عام 1981 في كتابه «محمد عبده ورشيد رضا»: حوار حول العقيدة البهائية(Muhammad `Abduh and Rashid Rida: A Dialogue on the Baha'i Faith)، وتسلم عبده في القاهرة الشبكة البهائية والماسونية، ودفعت به الاحتلال البريطاني في موقع مفتي الديار المصرية عام 1899 ما سهل عملية الزج برجالات الشبكة في المؤسسة الدينية الرسمية في مصر منذ فجر هذا التاريخ.
أكمل عبده مهمة الافغاني بنجاح ساحق، لم يصطدم بالمجتمع أو يثير ريبة الحاكم وسن دعوة دينية تضرب الثوابت من الداخل، وكان يفترض أن يخرج تنظيم الإخوان المسلمين على يد محمد عبده عام 1909، ولكن وفاته المفاجئة عام 1905 بالإضافة إلى بزوغ نجم الحركة الوهابية مجددًا والدولة السعودية الثالثة على يد الشيخ عبد العزيز آل سعود عام 1901 عقب نجاحه في الاستيلاء على الرياض بعد سنوات المنفى في الكويت جعلت بريطانيا تتريث في إعلان التنظيم الجديد.
كما أن رجل بريطانيا الجديد في مصر، رجل الدين من طرابلس السورية (قبل ضمها إلى لبنان على يد الاحتلال الفرنسي) محمد رشيد رضا لم يكن قويا بما يكفى لرئاسة الإرث الماسوني والصوفي والبهائي، ولكن التاريخ حفظ مكانة رشيد رضا يوم قربه البريطانيين لعبد العزيز، ثم كان محمد رشيد رضا هو من قدم حسن البنا لبريطانيا وزكاه لرئاسة التنظيم الأول لجماعة الاخوان المسلمين وفقا لوثائق المخابرات البريطانية التي استعان بها المؤرخ الأمريكي في كتابه.
عقب تأسيس التنظيم في مصر، سارعت المخابرات البريطانية بنشر أفرع للتنظيم في أكثر من دولة، ولكن أهم تنظيم إخواني خارج مصر لم يكن في سوريا أو فلسطين كما أدعى البعض مرارًا، ولكنه كان في إيران تحت مسمي جماعة «فدائيان إسلام» لمؤسسها مجتبى نواب صفوي عام 1945، وكان الذراع الإيراني للاخوان المسلمين شيعيا خالصا دون أن يكون هنالك أية مشاكل طائفية بين التنظيم الأم في القاهرة وفرعه الشيعي في طهران، بل أن منظرو الإخوان حتى اليوم لا يذكرون مؤسس الجناح الإيراني إلا بلقب الشهيد مجتبى نواب صفوي وذلك عقب إعدامه عام 1955 لتورط التنظيم في سلسلة من الاغتيالات.
وحينما زار الشهيد صفوي مصر في يناير 1954، رتب الإخوان المسلمين استقبال تاريخي للزعيم الديني الشيعي الإيراني ورافقوه لزيارة مراقد أهل البيت في مصر وألقى خطابا هاما على منبر جامعة القاهرة وعقد لقاء قمة إخوانية مع سيد قطب.
مثل أي تنظيم للإخوان، اتخذ أسماء مخالفة لا يعرف تنظيم «فدائيان إسلام» في إيران إلا باسم الإخوان المسلمين، المؤرخ الإيراني أمير طاهري في كتابه «روح الله: الخميني والثورة الإسلامية»The Spirit of Allah: Khomeini and the Islamic Revolution، أشار إلى أن الخميني كان عضو الجناح الإيراني لجماعة الاخوان المسلمين وتسلم مسئولية تنظيمها عقب إعدام مؤسسها إلى أن تم نفي الخميني خارج إيران عام 1964 ولكن علاقة الخميني بإخوان إيران لم تنقطع وكان لهم دورا مهما في التمهيد لاستيلائه على الحكم لاحقا، بينما تشير مراجع أخرى إلى أن العلاقة بين إخوان مصر وإخوان إيران لم تنقطع حتى اليوم ما يفسر الترحيب الإخواني بثورة الخميني خلافا لفزع دول الخليج وقتذاك. لكن هذا الفصل في التاريخ له مقال آخر.