مناهج التعليم قنبلة موقوتة.. وفاعل في أحداث الإرهاب (تقرير)
الأربعاء، 14 ديسمبر 2016 12:01 م
وسط ما يشهده الشارع المصري من عنف متزايد خاصة عقب أحداث 25 يناير، التي أتاحت للتيارات المتشددة الظهور وممارسة العمل السياسي ما دفعهم بعد سقوط نظام الإخوان في 30 يونيو لارتكاب أعمال عنف ضد المواطنين، وتوجيه ضربات عدة ضد أفراد الجيش والشرطة والكنائس التي شهدت حرق نحو ما يزيد عن 80 كنيسة، آخرهم تفجير الكنيسة البطرسية الموجودة بحرم الكاتدرائية الرئيسية للأقباط والتي استشهد فيها 25 شخصا، بات السؤال المطروح من المسؤول عن هذا العنف؟ وهل المؤسسات التعليمية تقوم بدورها في نبذ العنف؟ هل المناهج التربوية بالمدارس معنية بتطهير الفكر من الجهل والظلامية؟
حاول الدكتور كمال مغيث، الكاتب والباحث في المركز القومي للبحوث التربوية بالقاهرة، أن يجيب عن هذه الأسئلة، وقال إن المناهج التعليمية تعاني من قصور شديد، وبحاجة إلى المراجعة، واتهما بأنها المسؤول الرئيسي في موجة العنف والتعصب التي نشهدها في الشارع المصري، في حين أن التعليم منوط به زرع قيم المواطنة وتقبل الآخر سواء كان هذا الآخر مختلف في الدين أو النوع أو التوجه.
«التعليم المتهم الأول»
وقال مغيث: «ليس بغريب أن نتهم التعليم بمسؤوليته عن تخريج أجيال متطرفة، كما أن الأنشطة الرياضية والثقافية والفنية فضلا عن الأنشطة التي تنمي الفكر والثقافة والوعي وتعلي من قيم حقوق الإنسان وترسخ مبادئ الدولة المدنية لدى الطالب ليس لها أي دور خاصة في المدارس الحكومية في ظل أن الأنشطة التي تمارس تقتصر على المسابقات الدينية فقط.
وأعرب عن دهشته من تخاذل الدولة في عدم القدرة على إعطاء بعض المدارس أسماء لشهداء الواجب الوطني من الأقباط، كما تناول مغيث واقعة مديرة مدرسة المنيا التي ألغي تعيينها بعد يوم واحد من القرار بسبب رفض المتشددين لوجود مديرة مدرسة قبطية.
ويشير مغيث، إلي أن المناهج بحاجة إلى تنقية وتطوير، مضيفا: «لكن المؤكد أن الدولة ليس لديها النية ولا الرغبة في ذلك خاصة في ظل ضعف الميزانية المرصودة للتعليم وهذه مشكلة مهمة يجب أن تعالج، فالدول المتقدمة تضع ميزانية التعليم في بداية أولوياتها، هذا إلي جانب ضعف الإمكانيات لدى القائمين على العملية التعليمية ويمكن أن نعتبر ذلك نتيجية طبيعية لقلة الميزانية وضعف دخول المعلمين وزيادة أعداد الطلبة بالفصول».
«التعليم» هدف الإخوان
وتناولت الدكتورة إلهام عبد الحميد أستاذ بمعهد الدراسات التربوية بجامعة القاهرة، في كتابها «أزمة تعليم أم أزمة مجتمع.. إشكاليات تطوير المناهج نموذجا» أن التعليم في مصر كان هدفا ركزت عليه التيارات الإسلامية وجماعة الإخوان الإرهابية على وجه التحديد لإدراكها أهمية تلك المؤسسات لنشر ثقافتها منذ عقود طويلة، ما أدى إلى وجود أرض خصبة لظهور وتسييد ثقافة التمييز.
كما تناول تدني الخدمة التعليمية لاسيما في المدارس الحكومية لضعف كليات التربية وافتقادها لبرامج إعداد مهني تستند على التحديث وتكسب مهارات اجتماعية وثقافية ومهنية متطورة، وأصبح غالبية المعلمين إما لديهم انتماءات إيديولوجية «دينية إسلامية» وإما ليس لديهم أي مهارات أو دور سوى البحث عن الدروس الخصوصية.
وتقول «إلهام» إنه على الرغم من وجود حركة نشطة في مجال التعليم على مستوى العالم وفي بعض بلدان العالم الثالث سعت لتحرير المدارس والتلاميذ من هيمنة النظام الاجتماعي وإدخال مفاهيم وأنشطة ترتبط بالديمقراطية وحقوق الإنسان والتربية المدنية إلا أن المدرسة في مصر، شهدت تراجعًا، وغابت الأنشطة بكل أشكالها وركزت المناهج على تعظيم وتمجيد الحكام وعرض المعارف والمعلومات بشكل أحادي.
غياب قيم المواطنة
وأشارت إلى أن مناهج التعليم في مصر والمنظومة التعليمية برمتها تنشر قيما لا علاقة لها بقيم الانتماء والمواطنة، وأن كثيرا ما نجد قيم العداء للدولة المدنية والمؤسسات المدنية والتشريع المدني، وأنه يوجد ارتباط واضح بين مناهج اللغة العربية والتربية الدينية وبين موضوع العنف الديني، على حد قولها.
تجنيد الإسلام السياسي للمعلمين
ووصفت المناخ التعليمي بأنه يغلب عليه الخطاب الديني داخل حجرات الدراسة ومن خلال المنهج الخفي والنسق القيمي الذي يقدمه المعلمون الذين تم إعدادهم وتأهيلهم من قبل تيار «الإسلام السياسي» الذي خطط طوال عقود لإعداد معلمين منتمين إليهم وتجنيدهم للعمل كمدرسين بمجرد تخرجهم، فضلا عن اختراقهم للتنظيم النقابي لتكوين جماعات ضغط في رسم السياسيات التعليمية، ومراقبتها.
ضد سياسة الفصل
وانعكست تلك السياسات التربوية على المناهج التعليمية والإدارة المدرسية والأنشطة التي تم صبغها بالصبغة الإسلامية ورفض الأنشطة الثقافية والفنية والعمل على تسييد ثقافة التمييز من خلال فصل البنات عن الأولاد في حجرات الدراسة وإرهاب التلميذات لارتداء الحجاب، بل إن بعض المدارس تجبرهن على ارتداء النقاب، وتمارس العنف البدني واللفظي من خلال التأكيد على استراتيجيات تعليمية تستند إلى التلقين والقهر ورفض قيم الحوار والحرية والديمقراطية وغياب مناهج تتناول حقوق الإنسان والتربية على المواطنة.
إشكالية التمييز
وتشير «إلهام» إلى إشكالية التمييز الذي يأخذ أشكالا مختلفة على أساس النوع والديانة والطبقة الاجتماعية، وتؤكد أن مصر تعاني من غياب رؤية ومشروع سياسي يتبنى قضايا التعليم، ولعل الميزانية المحددة للتعليم المصري تكشف عدم جدية الدولة في تطوير وتغيير المنظومة التعليمية برمتها، فيما سادت القيم التي تدعم العنصرية في مواجهة التسامح وقبول الآخر والأحادية في مواجهة التعددية.
تنمية التفكير الأحادي
وطالبت عبد الحميد في كتابها بتوفير برامج تعليمية تستهدف تنمية الوعي القانوني والحقوقي والتأكيد من خلالها على قيم الانتماء والمواطنة، وتطوير الخطاب التربوي وتنقيته من أي أفكار ومعلومات تساهم في تنمية التفكير الأحادي والتطرف ونبذ العنف والتطرف.
الغزو الوهابي للمناهج التعليمية
من جانبه يقول جورج إسحاق عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان ومدير الدارس الكاثوليكية، إن الغزو الوهابي طال مناهج التعليم في مصر، وطالب بضرورة تنقية الكتب من الكراهية والعنف والتمييز، مضيفا: «المفترض أننا في دولة مدنية وليست دينية».
وأشار إلى أن تدريس الدين الإسلامي والمسيحي في المدارس بات مجرد شكليات في حين أن الطالب المسيحي يخرج من الفصل أثناء حصة الدين وهذا شكل من أشكال التمييز، كما أدان الخلط بين مادة الدين واللغة العربية، وأيضا المسابقات المدرسية التي تقتصر على الشكل الديني في حين لا نجد مسابقات ثقافية أو فنية.
الطالب المسلم يجهل المسيحية
وأشار دكتور منير مجاهد، مؤسس مصريون ضد التمييز، إلى أن المناهج التعليمية في مصر تخرج مواطنين متعصبين دينيًا ويمارسون التمييز ضد الأقليات الدينية، مضيفا: «في الوقت الذي نعتبر أن الدين مكون هام من مكونات الشخصية المصرية نجد أن ما يقدم للطلبة يؤدي بنتائج عكسية ويتجاهل فكرة وجود آخر من الأقباط، فالطالب المسيحي يعرف معظم الأمور عن الإسلام في ظل أن المسيحية أمر مجهول للمسلم، ولا يعرف عنه حتى القليل ما يسمح بدخول معلومات مسمومة إلي الطلبة».