نص كلمة السيسي أمام الاحتفال بذكرى المولد النبوي

الخميس، 08 ديسمبر 2016 01:40 م
نص كلمة السيسي أمام الاحتفال بذكرى المولد النبوي

ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، كلمة أمام الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، الذي تنظمه وزارة الأوقاف بمركز الأزهر الدولي للمؤتمرات، بحضور المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب، والدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، والدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، ورئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والوزراء، وبعض المحافظين، وسفراء الدول الإسلامية والعربية بالقاهرة، وكبار رجال الدولة والأزهر والأوقاف، وبعض أعضاء مجلس النواب.

وفيما يلي نص كلمة الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، السادة العلماء والدعاة الأجلاء،السيدات والسادة:
اسمحوا لي في البداية أن أتوجه بالتهنئة لشعب مصر، ولكافة الشعوب العربية والإسلامية، بمناسبة ذكرى مولد نبينا الكريم صلواتُ اللهِ عليهِ وسلامِه، وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يعيد هذه الذكرى بالخير على الشعب المصري العظيم، وعلى كل مسلم ومسلمة في كافة ربوع الأرض
إنّ احتفالَنا بذكري نبيّ الرحمةِ والهدي، لهو مناسبةٌ طيبة للتعمق بهدوءٍ وسَكينةٍ في أحوالنا، مقارنين بين الأمس واليوم، وقاصدين الإجابةِ عن أسئلةِ العصر الذي نعيشُ فيه، مستلهمين في ذلك عظمةَ تراثِنا ودروسِه الخالدة

وأقول لكم بكل صراحةِ ووضوحْ، أنّ طريقا طويلا ينتظرُنا، إذا ما أردنا إحياءً حقيقيا لذكرى النبيّ العظيم، إنه طريقٌ من العملِ الشاق مع الأملِ في غَدٍ أفضل، ومن الصبرِ على مشقّة الطريق مع التطلع إلى جزاءَ الصابرين المجتهدين، ومن الجَلَد على مواجهة الشدائد مع الإيمان بالنجاح في مسعانا نحو التقدم والازدهار، وخلال هذا الطريق، يجب أن نعلم أننا نحتاج إلى مقاربةٍ شاملة لجميع قضايانا وتحدياتنا، وأن التركيزَ على جانبٍ واحد لن يجدي نفعا، فالرسول عليه الصلاة والسلام قاد ثورةً هائلة من التحولات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ونحن إذ نقتدى بسنته العطرة، نأمل في أن نواجه قضايانا بنفس الجرأة والشجاعة التي تحلّى بها النبي الكريم صلواتُ اللهِ وسلامِه عليهِ.

إن أول التحديات التي نعاني منها منذ فترة، هو انفصال خطابِنا الديني عن جوهر الإسلام ذاتِه، وعن احتياجات عصرنا الحالي، إننا تحدثنا من قبل في هذا الأمر، وأجمع علماؤنا ومفكرينا على احتياجنا الماس لتحديث الخطاب الديني، لتصويب ما تراكم داخله من مفاهيم خاطئة، سواءٌ تراكمت بفعل مرور الزمن وتعاقب السنين، أو بفعل فاعلين أرادوا إخفاءَ نوايا الشرِ بداخلهم وراءَ غطاءٍ مقدس، يبررون به إرهابَهم للأبرياءِ من خَلْقِ الله، ويُعطون لأنفسِهِم حصانةً من العقاب، وهو آتٍ لهم لا ريب، بقدر ما أفسدوا في الأرض وتسببوا في كثيٍر من الأذى والدمارِ والألم.

إننا مطالبون اليوم بوقفةٍ مع النفس نستلهمها من سيرة النبي الكريم، ونواجه فيها بجرأةٍ وشجاعة ما نعلم جميعا أنه دخيلٌ على ديننا الحنيف، فنصوبُهُ إلى صحيحِ الإسلام وأصلِ رسالةِ اللهِ سبحانَه وتعالى للبشر، وقفةٌ مع النفس نرفض فيها ما يعادي العقل، ويعادي الإنسانية، نقوم بتحديث التفسيرات التي اجتهد فيها مَن سبقونا، فنجتهد نحنُ بدورنا لنصنع السلامَ داخل بلادنا بالإيمان والعلم، كي نُشهد الله ونُشهد العالم أنّ الإسلامَ كما هو دينٌ عظيم، فإنه قد خَلَقَ أمةً عظيمةً كذلك، تستطيع تجديد ذاتِها، والمساهمة في تطور الحضارةِ الإنسانيةِ بما يليق بعظمة دينها.

إننا وإذ نؤكد عزمَنا خوضَ هذه المعركةِ الفكريةِ الكبرى، معركة تصويبِ الخطابِ الديني وتحديثِه، لا تفوتُنا الإشارة إلى أننا سنستكمل بنفسِ العزم الذي لا يلين باقي جوانب المعركة، نؤكدُ أنه لا مكان للإرهاب وجماعاتِه وأفكارِه وممارساتِه داخل مصر، أنّ مواجهتنا إياه بالوسائل العسكرية والأمنية ستستمر، وستظل تضحياتِ أبنائِنا من القوات المسلحة والشرطة المدنية مصدرَ إلهامٍ وإعزاز لكل مصريٍّ ومصرية، ولن تضيعَ هدرا، بل ستثمر وطنا آمنا أبيّا ننعم فيه وينعم أبناؤنا بالحياة الكريمة.

وأود هنا الإشارة إلى أننا سبق أن تحدثنا عن موضوع تصويب الخطاب الديني وتحديثه في أكثر من مناسبة، وهو ليس ترفا أو رفاهية بل ضرورة، ويجب أن نتوقف أمامه كثيرا، خاصةً وأن فكرة الأديان بأكلمها أصبحت في عالمنا اليوم تُنتهك ويتم الرجوع عنها والتحسب منها في ضوء ما يشهده العالم من أعمال وحشية ترتكب باسم الدين، مما جعل بعض الناس تنبذ الفكر التكفيري بل وتكفر بفكرة الأديان بأكملها، لذا فإننا بتصويب الخطاب الديني لا ندافع عن الدين الإسلامي الحنيف فقط، بل عن جميع الأديان وجوهر أفكارها، مما يجعل تصويب الخطاب الديني أحد أهم القضايا على الإطلاق، ولقد تحدثت خلال الفترة الماضية حول هذا الموضوع مع السيد وزير الأوقاف، وأكدت له أن تصويب الخطاب الديني لا يجب أن يمس الثوابت، بل هو دعوة لاستخدام مفردات العصر ومقتضياته والاجتهاد من أجل تحديث التفسيرات والتوصل إلى الفهم الحقيقي للدين حتي يُمكن التغلب على حالة التشرذم التي تعاني منها المجتمعات، ولا سيما في مصر.

وقد أعربت عن حاجتنا إلى تشكيل لجنة من كبار علماء الدين والاجتماع وعلم النفس للتباحث في نقاط القوة والضعف التي يعاني منها المجتمع المصري، لتقوم بتنقية النصوص وصياغة خارطة طريق تتضمن المناسبات الدينية المختلفة على مدار العام، وتضع خطة محكمة على مدى خمس سنوات تهدف إلى ترسيخ الفهم الديني الصحيح على مستوى الجمهورية بكافة محافظاتها، ولا يجب اختزال موضوع تصويب الخطاب الديني في فكرة الخطبة الموحدة.

وأسحوا لي في هذا الإطار أن أؤكد على تقديري الكبير للدور الذي يقوم به الأزهر الشريف كقلعة مستنيرة تساهم في إحياء صحيح الدين، لا سيما في ضوء سعي البعض لترويع الناس بالدين وهدم الدولة من أجل أفكار هدامة، وينفقون في سبيل ذلك أموالا طائلة، وراهن هؤلاء الشهر الماضي على ضياع الوطن، ولكنني أقول لهم أن الله معنا، خاصة وإننا لم نتآمر ضد أحد، أو نحن أو نقتل أحد، بل سنظل نبني ونُعمر ونُصلح.

ونؤكد أنّ رؤيةَ مصر لمنطقة الشرق الأوسط تقوم على احترام سيادة الدولة الوطنية، وعلى حثّ المجتمع الدولي على التكاتف من أجل القضاءِ على جماعاتِ الإرهاب، وعلى عدم التفرقة بين الأخطار التي تمثلها تلك الجماعات ومعاملتها جميعًا بمعيارٍ واحد.

السيدات والسادة.
إن الجرأةَ والشجاعةَ التي واجه بها نبيُّنا الكريم قضايا عصرِه، تقتضي منّا التدبّرَ بعمقٍ في حقيقةٍ بسيطةٍ وواضحة، وهي أن كثيرا من مشكلاتِنا المعاصرة تفاقمت نتيجةَ التردد في مواجهتها، وأنه لو تم التعاملِ الجاد مع مشكلاتِنا في مهدها، لما كانت قد تشابكت وتعقدت وارتفعت تكلُفَة حلِها اليوم، وأضربُ لكم مثلا بالوضع الاقتصادي.

فمن المعلوم لدى خبراء الاقتصاد منذُ عقود، أن اقتصادَنا في حاجةٍ إلى إصلاحٍ هيكلي، يصلُ إلى جذورِ بنيتِه ولا يكتفي بالفروعِ والقشور، ونعلمُ جميعا كمصريين، كما يعلم معنا العالم أجمع، أن قرارات الإصلاح الاقتصادي تلك ليست نزهةً أو مهمةً سهلة، وإنما مشقةٌ وصبرٌ وتضحية، وأنه بدون هذا الدواء فإننا نستمر في إضعافِ أنفسنا وصولا - لا قدر الله - للتوقف التام، وهو ما لم ولن نسمح به أبدًا.

لقد بدأنا طريقا صعبا، وقررنا نحن المصريين جميعا بشجاعةٍ أن نسير فيه، وأن نواجِهَ صِعابَهُ بقلوبٍ ثابتة، معتمدين فيه على أنفسنا وعلى الله سبحانه وتعالى، نصنع أملا للأجيال القادمة، وننقذُ أنفسنا من واقعٍ اقتصادي صعب لو تركناه دون مواجهةٍ لطغى علينا ونال من مستقبلنا ومستقبل أولادنا.

إننا معا نقود تحولا ضخما، يسيرِ على خُطىٍ مدروسة، لا نطبّقُ أجنداتٍ اقتصاديةٍ نمطية، بل نتبع مِنهجا علميا يراعي بدقة المتطلبات الخاصة لاقتصادِنا في هذه الظروف، ونهدف لجعل مصر دولةً تنموية، نفتحُ بلادَنا للاستثمارِ الجاد، الذي يتيح فرصَ عملٍ لشبابِنا، وينقل إلينا تكنولوجيا حديثةً متطورة، نهدف لصنع تعاونٍ خلاق بين الدولة والقطاع الخاص المصري والأجنبي، لا نتوانى عن مكافحة الفساد بصرامةٍ وحسم، ونعمل بعزمٍ لا يلين على ضمانِ تكافؤِ الفرص بين جميع أبناء الوطن، وأود في هذا السياق أن أوجه التحية لهيئة لرقابة الإدارية على الجهود التي تبذلها، وأوكد أننا سنواصل مواجهة الفساد بكل قوة، ومع الحرص على اتباع الآليات القانونية اللازمة.

كما أوكد على أن مواجهة الفساد لن تتم فقط بالإرادة السياسية، ولكن لا بد من وجود قناعة لدي الرأي العام بأهمية مكافحة الفساد، وأن نواجهها كلنا دون مجاملة أحد، ومن جانبي، فإنني أرسل كل شهر خطابا إلى جميع مؤسسات الدولة للتأكيد على ضرورة عدم مجاملة أحد، أناشد من هذا المقام جميع المسئولين بعدم مجاملة أحد، فالجميع سواسية أمام القانون.

وخلال كل ذلك، نسمعُ صوتَ الألم الذي يتسبب فيه الإصلاحُ الحقيقي، نشعر به، ونعمل جاهدين على تخفيفه من خلال التوسع في شبكات الحماية الاجتماعية، نتعاطفُ مع كلِّ مَن يكافحُ بشرفٍ وبطولة لتوفيرِ حياةٍ كريمةٍ لنفسِه وأولادِه وأسرتِه، نؤكد له أن الدولةَ بكافة أجهزتِها ومؤسساتِها تبذل قصارى الجهد لتوفير حياةٍ أفضل لكل مصري ومصرية، نؤكد لكل المكافحين بشرف على أرض مصر، أننا معكم، وأننا نسير معا على الطريق الصحيح، لن ينال من عزيمتنا المشككون، ولن نُسلّمَ عقولَنا كمصريين لمن يتمنون عودتنا إلى الوراء، وسنستكمل ما بدأناه، وسنصل بعون الله وتوفيقِه إلى وجهتنا: مصر عزيزة قوية مزدهرة.

إنني أدرك صعوبة الظروف وغلاء الأسعار، إلا أنني أود التأكيد على أننا تأخرنا في الإصلاح، وهو ما اضطرنا إلى اتخاذ القرارات الاقتصادية الأخيرة، وقد كان أمامنا خياران، فإما البدء الأن باتخاذ إجراءات إصلاح حقيقي وملموس، وإما التأجيل حتي يتخذ غيرنا تلك القرارات الصعبة وإن كان ذلك سيؤدي إلى ضياع البلاد، لذلك لم يكن هناك خيار آخر غير الإجراءات التي تم اتخاذها.

كما أشير إلى أن سنوات الست الماضية كانت تكلفتها باهظة، ندفعها الآن من خلال الإصلاح، فقد ارتفع بند المرتبات وحده خلال السنوات الماضية من 80 مليار جنيه إلى 230 مليار جنيه، في حين لم تكن هناك موارد لتغطية هذا الفارق، والذي يتم اقتراضه حتى وصل ما تم اقتراضه لهذا البند فقط إلى 900 مليار جنيه، تُقدر خدمتهم فقط بـ 150 مليار جنيه.

لقد حققت السنوات الماضية مكاسب حقيقية، إلا أنها أيضا ولدت تحديات، ونعمل جاهدين على تخفيف تداعيات القرارات الاقتصادية من على كاهل الفئات محدودة الدخل.

وأعتقد أن السعر الحالي لصرف الدولار لن يستمر كثيرا لأنه ليس السعر الحقيقي، إلا أن ذلك سيأخذ وقتا، لذا، فقد وجهت الحكومة بالعمل على توفير السلع الغذائية الأساسية بأسعار مناسبة في الأسواق والحفاظ على مخزون استراتيجي منها لستة أشهر على الأقل لاحتواء تبعات غلاء الأسعار على الفئات الأكثر احتياجا، كما أؤكد أن سعر رغيف العيش لم ولن يُمس، فالدولة حريصة على استمرار وثبات أسعار الخدمات التي تقدمها رغم الزيادة التي تتحملها الدولة في تكلفة هذه الخدمات.

وأوجه في هذا السياق كل التحية والتقدير للشعب المصري، الذي أثبت أنه شعبا عظيما، وقف إلى جانب بلاده وحافظ عليها من كل سوء ومكر الطامعين الذين ينفقون أموالا لهدم الدولة بدلا من مساعدتها في تخفيف معاناة الناس.

وفي الختام أدعوكم جميعا لأن نستلهم صفاتَ النبي العظيم، نبي الرحمة المهداة، فيما تحلى به من حكمةٍ وصبٍر على المكارة، وفيما امتلأ به قلبُه من شجاعةٍ نابعةٍ من الثقةِ المطمئنةِ في الله سبحانه وتعالى، وفي رحمته وعطفه على الضعيف وحزمِه وشدتِه أمام الطاغي المفسد في الأرض.

أشكركم، وكل عام وأنتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق