سانت كاترين من الإسكندرية إلى جبل سيناء (بروفايل)
الخميس، 08 ديسمبر 2016 12:28 م
احتفل دير سانت كاترين بجنوب سيناء، بذكرى «القديسة كاترينا»، أمس الخميس، وسط حالة من الاستنفار الأمني والإقبال السياحي والوافدين من دول العالم أبرزها «اليونان، وروسيا، وقبرص»، وغيرها من رعايا كنائس الروم الأرثوذكس.
ووُلدت القديسة كاترين، من أبوين مسيحيين غنيين بالإسكندرية، في نهاية القرن الثالث الميلادي، وتحلت منذ صغرها بالحكمة والعقل الراجح والحياء، وكانت والدتها تدربها منذ صغرها على محبة السيد المسيح، وتغذّيها بسير الشهيدات اللواتي كنّ معاصرات لها أو قبلها بقليل، وقد قدّمن حياتهن محرقة للَّه وتمسّكن بالإيمان حتى النفس الأخير.
التحقت كاترين بالمدارس وتثقفت بعلوم زمانها، وكانت مثابرة على الاطلاع والتأمل في الكتاب المقدس، ولما بلغت الثامنة عشر عاما درست اللاهوت والفلسفة على أيدي أكبر العلماء المسيحيين حينذاك، فعرفت بُطلان عبادة الأوثان وروعة المسيحية ولكنها لم تكن قد تعمّدت بعد.
وفي إحدى الليالي ظهرت لها السيدة العذراء تحمل السيد المسيح وتطلب منه أن يقبل كاترين ولكنه رفض، فقامت لوقتها وتعمّدت.
وفي عام 307 ميلاديا، حضر القيصر مكسيميانوس الثاني إلى الإسكندرية، وكان مستبدًا متكبّرًا يكره المسيحيين، يجد مسرّته في تعذيبهم والفتك بهم، فأمر بتجديد الشعائر الوثنية بعد أن اهتزّت تمامًا بسبب انتشار المسيحية، وأصدر مكسيميانوس منشورًا بوجوب الذهاب إلى المعابد الوثنية وتقديم القرابين لها، وإلا تعرّض الرافضون للعذاب والموت.
وأحيا الوثنيون العبادة الوثنية، وأشعلوا روح التعصب ضد المسيحيين، وانطلقوا إلى المعابد يحملون معهم الضحايا للذبح، وإذ أراد مكسيميانوس مكافأتهم أقام لهم حفلًا كبيرًا قدم فيه للآلهة عشرين عجلًا، وأصدر أمرًا مشددًا بأن يتقدم المسيحيون بذبائحهم في هذا الحفل وإلا لحق بهم الموت.
لم تخف كاترين، بل كانت تثبت المؤمنين وتقوّيهم، وأدركت بأن الاضطهاد سيحل على المؤمنين فاتخذت قرارًا بأن تتقدم إلى مكسيميانوس مندّدة بأصنامه وأوثانه.
وفي يوم الاحتفال اخترقت الصفوف فدُهش كل الحاضرين إذ لاحظوا فتاة في الثامنة عشر من عمرها تخترق بكل جرأة وشجاعة الصفوف وتتلّمس المثول لدى الإمبراطور، الذي كان جالسًا بين رجال الدولة تقول له: «يسرّني يا سيدي الإمبراطور أن أترجّاك أن توقف منشورك لأن نتائجه خطيرة».
ذهل القيصر من جمالها وشجاعتها واستدعاها إلى قصره وأخذ يعدها بزواجه منها، ولكنها رفضت، بدأت تتحدث عن الإله الحي خالق السماء والأرض وتُهاجم العبادة الوثنية، فإذا بالإمبراطور يستدعى الفلاسفة ليجادلوها، وبدأت المناقشة بينها وبين الفلاسفة الوثنيين، ثم تحدّثت عن المسيح وشخصه وعمله الخلاصي والحياة الأبدية والنبوات التي تحقّقت بمجيئه.
وفجرت المفاجئة بإيمان الفلاسفة الذين جاءوا ليحاوروا الفتاة ويحاولوا إثناءها عند إيمانها بالمسيحية، انقلب الإمبراطور إلى وحشٍ كاسرٍ، وأصرّ على إيقاد أتون نارٍ يُلقى فيه العلماء والفلاسفة الذين خذلوه في 17 نوفمبر عام 307 م.
وتفنن الإمبراطور حينها في عذاب القديسة بالجلد وتمزيق جسدها، وأُرسلت إلى السجن فكانت تشكر الله وتسبحه على هذه النعمة أنها تأهلت أن تتألم لأجله، وظلّت في السجن اثني عشر يومًا متتالية وضمّد الرب جراحها، وذهب الوالي شمالًا إلى مصب النيل لتفتيش الحصون على حدود مصر الشمالية.
وبعدما اتبع الكثيرون إيمانها أمام ثباتها رغم العذاب، ومن بينهما زوجته وحارس السجن، أصابته نوبة جنونية فأمر بقطع رأسها بدلًا من نفيها، في 25 نوفمبر سنة 307 م.
واستشهدت القديسة كاترين في الإسكندرية، وبعد استشهادها بخمسة قرون رأى راهب في سيناء جماعة من الملائكة يحملون جثمانها الطاهر، ويطيرون به ويضعونه بحنان على قمة جبل في سيناء.
وانطلق الراهب إلى قمة الجبل فوجد الجسد الطاهر كما نظره في الرؤيا، وكان يشع منه النور، حمله الراهب إلى كنيسة موسى النبي، ونُقل الجسم المقدس بعد ذلك إلى كنيسة التجلي في الدير الذي بناه الإمبراطور جوستنيان في القرن السادس، وعُرف الدير باسم دير سانت كاترين.
ويمثل الدير قطعة من الفن التاريخي المتعدد، فهناك الفسيفساء العربية والأيقونات الروسية واليونانية واللوحات الجدارية الزيتية والنقش على الشمع وغيره، كما يحتوي الدير على مكتبة للمخطوطات يقال إنها ثاني أكبر مكتبات المخطوطات بعد الفاتيكان، ونزل للزوار وبرج أثري مميز للأجراس، ويقوم على خدمة الدير بعض أفراد من البدو.