«العرضحالجي».. كاتم أسرار البسطاء

الأحد، 20 نوفمبر 2016 10:41 ص
«العرضحالجي».. كاتم أسرار البسطاء
شيرين شلتوت

هدوء، حكمة، حسن استماع، جميعها صفات اتسم بها الرجل الخمسيني الذي جلس على بعد أمتار قليلة من المصالح الحكومية في محافظة الإسماعيلية، مستمعًا لشكوى أشخاص لم ير وجوههم من قبل، مرتديًا نظارته التي تساعده على الكتابة بأسلوب دقيق لا يشوبه شائبة، أملًا في حل الخلافات بين المواطن والأحوال المدنية، هكذا يجلس «عم محمد»، الذي يعمل بمهنة تُدعى «عرضحالجي».

«أقدم عرضحالجي في الإسماعيلية»، هكذا يصف الأهالي «عم محمد»، فمن يريد إصدار بطاقات، أو شهادات ميلاد، أو تعديل أوراق بطاقات الرقم القومي، يلجأ لهذا الرجل الذي اشتهر بطيبة قلبه وهدوءه التام، فهو أكثر الأشخاص دراية بطبيعة مهنته التي تُلقب بـ «مهنة وجع القلب»، نظرًا لما تتطلبه هذه المهنة من صفات لا يتسم بها الكثير من الأشخاص في مصر.

«يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين فليكتب كاتب بالعدل»، بهذه الأية القرآنية استشهد «عم محمد» بأهمية مهنته، التي تجعله فخورًا بنفسه طوال الوقت، واصفًا إياها بـ«المقدسة»، لما تكتسبه من أمانة ومصداقية ومسؤولية في توصيل الرسالة بين الدائن و المدين، فحتى الآن لا زالت المهنة تحمل الرسالة نفسها، فمبجرد التحدث إلى «العرضحالجي» يُصبح مطلعًا على أدق التفاصيل في حياة المواطن.


«بقالي شغال فيها اكتر من 20 سنة، الناس بتشوفها بسيطة لكن ميعرفوش خطورتها وأهميتها»، هكذا تحدث محمد حسن الدسوقي، قائلًا إنه قبل امتهان «مهنة العرضحالجي» كان يعمل مهندسًا بجامعة قناة السويس، فرغم معاناته من إعاقة منذ الصغر إلا أن إصابة بسيطة أثناء تأدية عمله في الجامعة تسببت في إحالته للجنة الخماسية، التي سرعان ما تسببت في إحالته إلى المعاش وجعلته يتقاضى 65% من راتبه الأساسي، ما أثر على مستواه الاجتماعي، الأمر الذي جعله يفكر في عمل تاني يضيف إليه دخل إضافي، فوقع الاختيار على مهنة «العرضحالجي»، الذي كان يعمل بها شقيقه الأكبر، فقرر قبل أي شئ دراسة القانون والعقود والتوكيلات لتأدية عمله بأمانة.

ويقول «عم محمد» إن مهنة العرضحالجي ليست فهلوة، لكن لهذه المهنة شروط، فقل امتهانها تجري مديرية الأمن تحريات عن المتقدم لها، وتعطيه رخصة لمزاولة المهنة، كما يتم إجراء اختبارات القراءة والكتابة قبل الحصول على لقب «كاتب عمومي»، كما يشترط للعرضحالجي أن يكون حسن السمعة، يسدد رسوم سنوية بسيطة، ولا يبيع أي مطبوعات حكومية للمترددين عليه، مثل الدمغة ومسوغات التعيين وإقرارات الذمة المالية واستمارات الرقم القومي.

ويضيف «عم محمد»، أن ظهور الانترنت والكمبيوتر تسبب في انقراض واختفاء مهنة العرضحالجي، حتى أصبح من يمتهنها على مستوى المحافظة 4 أشخاص فقط؛ لاعتماد الجهات الرسمية على نماذج مطبوعة على أجهزة الكومبيوتر، كما أن المحامين أصبحوا في منافسة شرسة مع العرضحالجي، فباتوا يستغلون المواطنين في إنهاء إجراءات بعض الأوراق بأتعاب باهظة الثمن.

وعن أغرب الشكاوى التي وردت إليه، يحكي «عم محمد»، إن شاب جاء إليه يحمل والدته العجوز، يبدو عليها آثار الضرب، بعد اعتداء نجلها عليها كي تتنازل له عن أرضها، مستكملا «هذه المهن ترصد مؤهلات وبيئات جغرافية وثقافات ومعاناة و أوجاع وقصص حياة مواطنين ليس من الإسماعيلية فقط وإنما من عدة محافظات، يأتون ليحكوا للعرضحالجي الذي يعد بمثابة «كاتم أسرار البسطاء»، يفتحون قلبهم إليه ويحكون مشاكلهم بكل ثقة ليدلهم على الطريق الصحيح ما بين باحثين عن حقوقهم و باحثين عن فرص عمل أو طلب علاج على نفقة الدولة أو مسكن أو طلب مساعدة مالية».

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق