مصر محاولات التغييب والوصاية
الأحد، 20 نوفمبر 2016 10:19 ص
أثارت القرارات الاقتصادية التي أعلنت عنها الحكومة المصرية مؤخرا ، جملة من ردود الفعل التي تباينت وفق المنطلقات الايدلوجية لأصحابها. لعل أبرزها تلك التصريحات النارية التي اطلقها محمد البرادعي عبر موقعه الرسمي والتي كان بعضها مغلفاً بالسخرية ، كتوظيفه جملة الفنان الراحل فؤاد المهندس في إحدى مسرحياته الشهيرة ، وهو قوله : " الدستور مافيهوش زينب " ، في محاولة بائسة منه لتوصيف حكومة الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي بأنها تمارس تجاوزات أمنية بحق معارضيها وأن بعض قراراتها تعد ارتجالية وتفتقر للأساس القانوني.
تصريحات البرادعي - أعدها البعض - نتاج كونه قد كان مدفوعاً إليها من قبل أطراف خارجية ، في حين أن المراقب الجيد يدرك بأنها مجرد تصريحات تدور في فلك التعاطي السياسي للرموز السلطوية السابقة مع أي قضية تتفاعل على السطح .فمن ينتقل من مربع السلطة إلى خارجها وتحديداً للمعارضة لابد أن يعلق على أي متغير يلامس جوهر الدولة التي كان ذات يوم أحد صانعي القرار بها.
وهذا الفعل أعده البعض بأنه يصب في اتجاه موازي مع قرار رئيس الحكومة السابق أحمد شفيق في العودة لمصر ، فقرار العودة الذي فسره البعض بأن الرجل ربما يقدم نفسه كمخلص مستقبلي للشعب المصري من محنته الاقتصادية ؛ هو في الواقع بعيد عن الحقيقة . فالرجل بالأساس هو إبن المؤسسة العسكرية التي أتى منها الرئيس المصري الحالي ؛ ولذا فمن المحتمل أن يكون قرار عودته يأتي في إطار الإستعداد المبكرة لانتخابات 2018.
حقيقة إن تأمل الحالة المصرية في الفترة الماضية وانعكاسات اداءاتها الحكومية على المتلقي ، ثم ردود الفعل تلك الغير مفسرة والتي كان آخرها الدعوة للنزول في 11/11 ، يشي بالكثير.إذ يبدو أن هناك اطراف ما تعمل جادة في محاولة منها لجعل مصر صورة مكرورة وممزقة من العراق أو سوريا في صورتها الراهنة.
فالعاقل يعي بأن الوضع الاقتصادي الحالي وأغلب التداعيات السلبية هي أمر غير مناط بالفترة التي تولى فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي السلطة في مصر ، وإنما هي نتاج سبعة عقود من أخطاء تراكمية ارتكبتها الحكومات التي تعاقبت على حكم مصر. نعم ، هناك أخطاء وقصور في أداءات بعض الحقائب الوزارية في الحكومة الحالية ، لكنها ليست بذلك الحجم الكارثي الذي يصوره البعض.
كما أن مصر قد عانت خلال الفترات الماضية من نتائج جملة من الحروب التي خاضتها نيابة عن جيرانها العرب وقد كلفها ذلك الشئ الكثير ، سواء في تعثر عجلة التنمية أو في تفاقم الدين العام ؛ بالإضافة لمئات الشهداء الذين قدمتهم عن طيب خاطر نصرة للأمة العربية وقضاياها.
ولذا فهي عندما تلجأ في بعض الأحايين - كما جرى من فترة ليست بالبعيدة - لتبني قرارات دولية قد لاتتفق مع رؤى بعض جيرانها العرب ، فإن مرد ذلك ليس انسلاخها عن عروبتها ورغبة منها في الخروج عن الإجماع العربي ، وإنما هي لعبة السياسة التي تجعل من بعض الدول تتجه لاتخاذ موقف سياسي معين يحقق مصالحها الإستراتيجية ، كما أنه في ذات الوقت لايمس القرارات المصيرية العربية المشتركة.
ولذا فمن يطالب بمعاقبة مصر حكومة وشعباً ، أو يعمد لمهاجمتها والانتقاص من رموزها ، فإنه في تقديري ينطلق إما من غباء سياسي ؛ أو له أجندته المشبوهة .فالعاقل يعي ، بأن الوضع العربي في شقه الأمني والحالة العربية بكافة تشكيلاتها سواء أكانت سياسية أو اقتصادية لن يكون مقدراً لها الاستقرار وربما البقاء بوضعها الراهن إن سقطت مصر في مستنقع الفوضى لاسمح الله.
فمصر عبر التاريخ الحديث قد كانت هي واجهة العالم العربي ، ورائدة التحديث فيه ، وناصرة قضاياه ، ومن يلوذ به العرب إذ أدلهمّت الخطوب . ويكفينا فيها أن نبي الأمة الهادي المحمدي قد خصها بكريم حديثه ؛ حين قال : (( " إذ فتح الله عليكم مصر بعدي ، فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً ، فذلك الجند خير أجناد الأرض " ، قال أبو بكر : ولم ذلك يارسول الله ؟ قال : " إنهم في رباط إلى يوم القيامة . )) .
فَحَريُّ بالحكومات العربية عموما، والخليجية خاصة بأن تسارع لدعم الاقتصاد المصري ، وأن تقدم كافة أشكال الدعم المالي واللوجستي ، والضمانات التي تجعل من مصر ذلك الكيان العربي الشامخ والقوي ضد أي متغير على المدى البعيد.
[email protected]