«ميركل» أمل أوباما الأخير للحفاظ على إرثه السياسي
الخميس، 17 نوفمبر 2016 02:05 م![«ميركل» أمل أوباما الأخير للحفاظ على إرثه السياسي «ميركل» أمل أوباما الأخير للحفاظ على إرثه السياسي](https://img.soutalomma.com/Large/416979.jpg)
تهنئة باردة تقدمت بها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، بعد فوزه في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، كانت تحمل في طياتها ما هو أبعد بكثير من مجرد التهنئة، حيث حملت رسالة تعكس رغبة ألمانية مشروطة بالتعاون بين بلادها والولايات المتحدة في المرحلة المقبلة، وهو الأمر الذي يعكس تغيرًا محتملاً في طبيعة الدور الذي قد تقوم به ألمانيا في المرحلة المقبلة، وتحولها من التبعية الأمريكية نحو القيادة.
"كلاً من ألمانيا والولايات المتحدة يتشاركان في قيم الديمقراطية والحرية واحترام القانون وكرامة البشر بغض النظر عن الأصل أو لون البشرة أو الدين أو الجنس أو التوجهات الجنسية أو الرؤى السياسية"... هكذا قالت "ميركل" في تهنئتها لـ"ترامب". وأضافت "إننا نتمنى التعاون الوثيق مع الرئيس الأمريكي الجديد ولكن على أساس هذه القيم".
قلق وثقة
كلمات المستشارة الألمانية تعكس قدرًا كبيرًا من القلق في ظل خروج باراك أوباما عن المشهد الدولي، خاصة وأن العلاقة الشخصية التي جمعت بينهما اتسمت بمتانتها، حيث أن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته كان يثق تمامًا في "ميركل"، وكان يتعامل معها باعتبارها الحليف الأقرب له في أوروبا، وهو الأمر الذي يفسر حرصه على وداعها قبل الخروج من البيت الأبيض، خلال الزيارة التي تبدأ اليوم الخميس إلى برلين وتستمر ليومين، في إطار جولة "أوباما" الأوروبية الأخيرة قبل الرحيل.
ولكن ربما يدور التساؤل حول الهدف من زيارة الرئيس الأمريكي لميركل في هذا التوقيت، هل يقتصر على طمأنتها تجاه نوايا الرئيس الأمريكي الجديد أم أنه يرغب في تسليمها راية القيادة لتتحمل وحدها مسؤولية الدفاع عن القيم الليبرالية ومجابهة الدور الروسي الذي يراه العديد من القادة الغربيين بمثابة تهديد مباشر لهم.
وحدها ضد التيار
"ميركل" كانت لاعبًا رئيسيًا في الساحة الدولية منذ توليها السلطة في بلادها في عام 2005، ولكنها ربما تكون على موعد مع مرحلة تبدو الأصعب لها، في ضوء سياسة أمريكية جديدة تقوم على التقارب مع روسيا والانعزال عن الحلفاء، وحقبة بريطانية جديدة يعصف بها قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، لتجد السيدة الألمانية نفسها وحيدة في مجابهة تحديات عديدة، تتمثل في صعود اليمينيين المتطرفين في أوروبا، بالتزامن مع تصاعد الدور الروسي، في الوقت الذي قد يشهد فيه حلف شمال الأطلسي "ناتو" خفوتًا كبيرًا في ضوء سياسات "ترامب" الجديدة.
يقول الكاتب ريتشارد فوكس أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سبق وأن عرض على المستشارة الألمانية تعليمها قواعد لعبة الجولف، بينما لم تكن جادة معه في ذلك، إلا أنه على ما يبدو أصبح من الضروري أن ينقل لها خبرته في القيادة لأنها الوحيدة التي يمكنه أن يأتمنها على إرثه السياسي، والذي أصبح مهددًا بخروجه من البيت الأبيض، وقدوم مرشح شعبوي إلى سدة السلطة لا يؤمن بالأفكار التي اعتنقها "أوباما" وقام على تعزيزها طيلة السنوات الماضية.
وأضاف الكاتب، في مقال نشرته مجلة "دويتشه فيلة" الألمانية، أن "أوباما" يحتاج أشخاصًا يمكنه الوثوق بهم ليحملوا إرثه السياسي بعد خروجه من البيت الأبيض، لكي يضمن بقاء أفكاره بعد خروجه من الرئاسة في الولايات المتحدة في يناير القادم، إلا أنه لا يمكن له الوثوق بخليفته، وهو الأمر الذي يدفعه إلى إلقاء ثقله السياسي وراء "ميركل"، ولكن ربما يصبح الكابوس الذي يطارد "أوباما" في المرحلة المقبلة؛ هو إمكانية الإطاحة بها في الانتخابات المقبلة المقررة في شهر سبتمبر من العام القادم في ظل حالة الجدل التي تدور حول سياسات اللاجئين التي تتبناها.
دلالة رمزية
ان جدول "أوباما" في ألمانيا لا يقتصر على لقاءه مع "ميركل"، ولكنه سوف يعقد اجتماعًا مع عدد من قادة الدول الرئيسية في أوروبا، من بينهم زعماء بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، في إشارة رمزية تحمل المكانة الكبيرة لألمانيا ومستشارتها لدى الرئيس الأمريكي، ومدى اعتماده عليها في المستقبل في قيادة العالم الغربي نحو الحفاظ على المبادئ التي حارب من أجلها خلال فترة رئاسته.
ويقول نائب مدير مركز الإصلاح الأوروبي في لندن سيمون تيلفورد، أن هناك ضغوطًا كبيرة على ألمانيا لتقوم بدور أكبر في مسألة الأمن الأوروبي، وهي المسألة التي تتسم بقدر كبير من الحساسية، وهو الأمر الذي دفع الرئيس الأمريكي إلى اللقاء بزعماء القارة على الأراضي الألمانية خلال زيارته الحالية.
ضغوط ومخاوف
ولكن تبقى الضغوط كبيرة للغاية على "ميركل"، خاصة وأن تيارات اليمين المتطرف في أوروبا تشهد صعودًا كبيرًا ربما غير مسبوق، في ظل مخاوف الشعوب الأوروبية من جراء التهديدات المرتبطة بالإرهاب والتطرف وزيادة أعداد اللاجئين، وهو الأمر الذي يهدد "ميركل" نفسها، والتي سبق وأن أدلت بتصريحات عقب فوز "ترامب" في الولايات المتحدة أعربت خلالها عن تخوفها من جراء التدخل الروسي في الانتخابات الألمانية.
يقول تيلفورد "صعود اليمينيين في المجر وبولندا وصولاً إلى فرنسا وكذلك في ألمانيا نفسها يمثل عبئًا إضافيًا على "ميركل" في المرحلة المقبلة؛ ففوز "ترامب" في الانتخابات الأمريكية يعني أن المُرشحة مارين لوبان يمكن أن تفوز في فرنسا، وهو ما يعني اقتراب خطر الشعبويين من ألمانيا بصورة كبيرة".
وتبقى المعضلة الرئيسية التي تواجه "ميركل" إذا ما أرادت توقيف تقدم اليمينيين في فرنسا، هي إتخاذ إجراءات من شأنها الحد من سياسات التقشف، وهو ما يعني أنها تقدم فرصة لغريمها السياسي، ووزير ماليتها فولفغانغ شويبله، والذي يمثل الاتجاه اليميني داخل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والذي تنتمي إليه المستشارة الألمانية.