«التمائم والأوشام».. سلاح الكونغوليين للدفاع عن أنفسهم (تقرير)

الأحد، 13 نوفمبر 2016 08:33 ص
«التمائم والأوشام».. سلاح الكونغوليين للدفاع عن أنفسهم (تقرير)

أهوال المجازر التي استهدفت لأكثر من عقدين سكان محافظة شمال كيفو شرقي الكونغو الديمقراطية، من قبل المجموعات المسلحة، أفقدتهم الثقة في جيش يعتبرونه عاجزا عن حمايتهم.

غياب الثقة في القوات المسلحة لبلادهم دفعهم نحو الإنخراط في مجموعات الدفاع الذاتي المحلية، والتي تعتمد طقوسا خاصة للغاية، تمنح هؤلاء السكان قناعة بأنها قادرة على حمايتهم من جميع أنواع الاعتداءات.

ممارسات تبدو غريبة لغير سكان المنطقة، حيث يعمد البعض إلى إحداث جروح في بعض أنحاء جسده، فيما يرسم البعض الآخر «وشما» أو يرتدي «تمائم» تمنحهم القدرة على التصدّي لأي طارئ، بحسب شهادات عدد منهم لوكالة الأناضول.

طقوس تختلف من مجموعة لأخرى، غير أنها تتقاطع جميعها في القناعة الراسخة التي تورثها لحامليها بأن لا رصاصة يمكنها اختراق أجسامهم، ولا مدية قادرة على بلوغها.

ورغم الجهود المبذولة من قبل السلطات المحلية للمنطقة في سبيل التوعية بـ«عدم جدوى تلك الممارسات الشعبية في توفير الحماية»، إلا أن عملية إقناع السكان بدت صعبة بل شبه مستحيلة.

الأمر لم يقتصر على وضع التمائم ورسم الأوشام على الأجساد فقط، وإنما تعدّاها لأكثر من ذلك، ففي الشهر الماضي، اقتحمت مجموعة دفاع ذاتي، كان أفرادها مدججين بالسكاكين وبالأوثان، مدينة «بيني» قادمين من مدينة «بوتمبو» بشمال كيفو، وقالوا إنهم جاءوا لقتال المتمرّدين الأوغنديين التابعين لـ «تحالف القوى الديمقراطية».

«ديدييه»، شاب كونغولي من «بيني» جاء لاستقبال مجموعة «المحرّرين» كما يسمّيها، قال: «فشل الجيش في القضاء على هؤلاء المتمرّدين يكشف لنا إما عجزا أو تواطؤا من طرفه معهم».

وأضاف أنه قرّر الانضمام للمجموعة، في خطوة نسج على منوالها عدد كبير من سكان المدينة، من جميع الأعمار والطبقات الاجتماعية، ممن استهوتهم الطقوس الخاصة لمجموعات الدفاع الذاتي في المنطقة، وللانخراط يتعيّن على الشخص أن يتوجّه، بداية، إلى «الدوكتا» في إشارة مختصرة لـ«الطبيب» أو المعالج التقليدي.

غير أن مهمّة هذا «الطبيب»، يتابع ديدييه، تختلف جذريا عن النشاط التقليدي لبقية الأطباء، فهو يقوم بعملية الوشم باستخدام شفرة الحلاقة، حيث يحدث جرحا في الصدر أو في اليد أو على الجبين، قبل أن يملأه بمسحوق يضم مزيجا من الأعشاب المحروقة.

أحد هؤلاء الأطباء، قال: «السحرية ذات القدرات الخارقة.. أسترشد بأسلافي الذين يأتون إليّ ليلا ليخبروني بنوعية الأعشاب، لأبحث عنها صباحا في الأدغال القريبة».

المعالج التقليدي لم يغفل التحذير من أنّه في حال عدم احترام بعض القواعد، فإن الوشم قد لا يعطي صاحبه نتائجه المنتظرة منه، بمعنى أن من يقوم بذلك عليه أن يكون أمينا، لا يسرق ولا يغتصب ولا يستهلك لحم الخنزير، كما أنه لا ينبغي أن يتناول أنواعا معيّنة من الخضراوات، قواعد شدّد على أن عدم احترامها من شأنه أن يجعل من مرتكبها هدفا مباشرا لرصاص العدوّ.

دوفون كاكيمبا، أحد أنصار مجموعة «مقاومة الماي- ماي»، قال، إن المسحوق الذي يوضع في الجرح هو ما يحمي من جميع أنواع الهجمات، غير أنه ينبغي أن تعتقد في ذلك وتؤمن به، وأضاف: «حين يحدث المعالج ذلك الجرح في جسدك، فستشعر بأنك لا تهاب شيئا، وينتابك إحساس بالقوّة والثقة بالنفس».

ولمواجهة ممارسات بدأت تتوسّع لتتخذ شكل الظاهرة، تحاول السلطات المحلية، من خلال حملات توعوية واسعة، إقناع السكان بعدم جدوى تلك الممارسات «غير المنطقية»، وبأنّ الجيش وحده من يمكنه حمايتهم من العدوّ.

وفي هذا الإطار، تأتي الزيارة التي قام بها محافظ شمال كيفو، جوليان بالوكو كاهونغيا، في 15 أكتوبر الماضي، إلى كلّ من «بيني» و«بوتمبو»، حيث سعى المحافظ إلى إقناع السكان بأن تلك الطقوس لن تحسّن من الوضع الأمني في المنطقة، وإنما ستدفع، بعكس ذلك، نحو فوضى أكثر خطورة، وحذّر من أن «ظاهرة الوشم وغيرها من الممارسات من شأنها أن تشكّل خطرا على المجتمع بأكمله».

وعلاوة على ما تقدّم، سعت السلطات المحلية إلى بثّ رسائل التوعية عبر مختلف الإذاعات بالمنطقة، أو من خلال عقد اجتماعات شعبية في الشوارع.

ومنذ 1994، تاريخ الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا، بدأ اللاجئون «الهوتو» بالتدفّق على المناطق الشرقية للكونغو الديمقراطية، ومنذ ذلك الحين، تواتر ظهور مجموعات الدفاع الذاتي ذات الطابع العرقي، بحسب منظمة «اتحاد شباب السلام» المحلية (غير حكومية)، والتي تحدّثت عن وجود ما لا يقل عن 100 مجموعة من هذا النوع في شمال كيفو.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق