ننشر الأسباب الكاملة للحكم بتأييد توحيد خطبة الجمعة
الإثنين، 19 سبتمبر 2016 12:52 م
حصلت "صوت الأمة" على النص الكامل للحكم القضائي الصادر اليوم، بتأييد قرار وزير الأوقاف بتوحيد خطبة الجمعة، والذي أكد أن الخطبة الموحدة من المصالح المعتبرة، وضرورة لتوحيد مصر والبلاد العربية والإسلامية، لمواجهة الفكر المنحرف عن صحيح الدين، وأن إلقاء الخطبة الموحدة إرشادية شفاهة وارتجالا أو مكتوبة مقروءة وللخطباء التجديد والإبداع فى ذات موضوع الخطبة بما لا يحيد عنها.
وأضافت في حكمها الصادر، أن الخطبة لا تكون طويلة مملة أو قصيرة مخلة وتقصيرها علامة على فقه الخطيب فلا يطيل فينسى الناس بآخر كلامه أوله، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه الراتبة، كما أكدت المحكمة أن ثمة منظومة ثلاثية بين الأزهر والمحكمة الدستورية ووزارة الأوقاف لخدمة الإسلام الوسطى المستنير، فالأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية والمحكمة الدستورية العليا المرجع فى تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية ووزارة الأوقاف السلطة الفعلية القائمة على إدارة مرفق المساجد والزوايا، وكل له مجاله المرسوم له دستوريا وقانونيا، وأن المسجد لذكر لله وإرشاد الناس ووعظهم وليس مصدرا للتحزب والاختلاف الفكري والمذهبي.
وأشارت المحكمة إلى أنه طبقا للمادة الأولى من الدستور، فإن الشعب المصرى جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها ومصر جزء من العالم الإسلامى تنتمى إلى القارة الأفريقية وتعتز بامتدادها الآسيوى وتسهم فى بناء الحضارة الإنسانية، وأن مصر تؤرخ لدور عالمى وليس إقليميا وتواجه بقوة وثبات وتضحية دعاة الإرهاب والتطرف لحماية الإنسانية جمعاء.
وقضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين صالح كشك ووائل المغاورى، نائبى رئيس مجلس الدولة، بتأييد قرار وزير الأوقاف رقم 215 لسنة 2016 بشأن القواعد المنظمة لأداء خطبة الجمعة بالمساجد والزوايا الخاضعة لإشراف وزارة الأوقاف الصادر بتاريخ 2382016 فيما تضمنته كل من المادة الأولى من تشكيل لجنة مكونة من عشرة أعضاء تضم كافة تخصصات العلوم الشرعية وبعض المتخصصين فى علم النفس وعلم الاجتماع، تكون مهمتها وضع خطة سنوية لخطب الجمع واختيار وإعداد خطبة الجمعة الموحدة، والمادة الثانية من أن يكون موضوع الخطبة استرشاديا وطريقة أداء موضوع الخطبة شفاهة وارتجالا أو مكتوبة مقروءة أمرا اختياريا للخطيب فى ضوء ما يمكنه من أداء رسالته على الوجه الأكمل المنضبط، وبما لا يخرج عن مضمون موضوع الخطبة المحدد ولا عن وقتها المحدد ما بين خمس عشرة إلى عشرين دقيقة على الأكثر، ورفضت الدعوى المقامة من 80 مواطنا بمحافظة البحيرة وألزمتهم المصروفات.
وقالت المحكمة فى حيثيات الحكم، عن الضابط الأول فى قرار وزير الأوقاف المطعون فيه المتعلق بتوحيد موضوع خطبة الجمعة، إن الواقع المصرى كشف بعد ثورتى الشعب فى 25 يناير 2011 و30 يونيه 2013، أن بعض خطباء الجمعة استخدموا المنابر لتحقيق أهداف سياسية متخذين من الدين ستارا لهم بعيدا عن واقع المجتمع وجنوحهم نحو أحاديث لا تليق بخطيب الجمعة، بل إن بعض الخطباء حولوا موضوع خطبة الجمعة إلى تحقيق أغراض حزبية وسياسية والسعى لأفكار حزبية وأخرى تحريضية وشق الصف عبر المنابر، بما يخدع البسطاء بقدسية المكان على الرغم من ان الجمعة شرعت فى الأصل لتكون جرعات إيمانية أسبوعية تعالج قضايا وهموم المجتمع وتعطي للمسلم طوق النجاة من الوقوع في المعاصي والآثام فأصبح توحيد موضوع الخطبة ضرورة لمواجهة المخاطر التى تواجه الأمة الإسلامية والعربية، كما أن توحيد موضوع الخطبة سيعزز الوحدة الوطنية وتستطيع الدولة أن ترسخ قيم المواطنة والإسلام الحقيقي والتسامح عبرالخطبة الموحدة مما يؤدى الى الاستقرار، فيصبح المسجد ذكرا لله لتقرب العبد الى ربه وليس مصدرا للتحزب والاختلاف الفكري والمذهبي.
وأضافت المحكمة، أنه ليس من حق الخطيب وهو المؤتمن أن يوجه الناس على ما يشتهي او يصبو اليه، ويملي عليهم قناعاته الشخصية فى المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فتشتد الخطورة من فوق منابر الجمعة بما يوهم عامة الناس أن هذا هو الحق المبين مما يؤدى الى الاحتقان الشعبي فى البلدان الإسلامية والعربية، لذا فإن توحيد موضوع الخطبة يؤدى الى توحيد المجتمع المصرى والعربى والإسلامى تجاه الأزمات التى تهدد استقراره، وعلى ولى الأمر أن يوجه نظر المسلمين الى طبيعة تلك الأزمات والمشكلات وكيفية علاجها فى إطار المصالح المعتبرة فهو ليس تحكميا بل لصالح الأمة الإسلامية لمواجهة الأفكارالمنحرفة مما لا مناص معه من جعل خطبة الجمعة والمنابر مكانا لإرشاد الناس ووعظهم وتوجيههم توجيهًا رشيدًا عن طريق توحيد الخطبة توحيدا موضوعيا وليس شكليا توحيدا للوعظ وللوعي الديني ليأتي الوعظ والإرشاد موحدا لكل أنحاء البلاد لتشارك الأمة العربية والإسلامية هذا التوحيد لمواجهة الفكر الإرهابى المنحرف عن صحيح الدين.
وذكرت المحكمة، أنه على ضوء التجارب المريرة التى عاشها الوطن من جراء استخدام المساجد خاصة الزوايا فى استغلال البسطاء والفقر والجهل لجذب المؤيدين بين التيارات الدينية المختلفة مما نجم عنه بث روح الفتنة والفرقة بين أبناء الوطن الواحد التى أدت الى التنابز اللفظى والعنف المادى مما تسبب فى ضياع كثير من أرواح المواطنين وتخريب الممتلكات نتيجة لتطرف الفكر المتشدد، واستخدام منابر المساجد والزوايا لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية أو للدعاية الانتخابية، وهو ما يتعارض مع قدسية المسجد والإضرار بالمصالح العليا للبلاد، فاحترام حرمة المساجد – والزوايا فى حكمها - أمر واجب، ولا يصح أن تكون بيوت الله محلا للزج بها فى الخلافات التى تنشب بين التيارات الدينية المتصارعة على أمور لا ترقى الى جلال المساجد ورسالتها المضيئة بما يؤدى الى انقسام الأمة التى قال عنها القرآن الكريم "كنتم خير أمة أخرجت للناس"، أو بث روح البغضاء بين أبناء الوطن الواحد، فالمسجد له من السمو والقدسية لتجميع المسلمين لا تفريقهم ولم شمل الأمة بشعب الإيمان والفضائل لأداء حقوق الله واستلهام الرشد واستمداد العون منه جل شأنه، "وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا"، بما يجعله منزها عن كل دعوات التشدد أو الاستغلال السياسى باسم الدين، خاصة وأن المنبر هو طريق المؤمن الى القبلة فيخلع نعليه وكل رداء دنيوى خارج المسجد ليقف خاشعا متضرعا يبتغى وجه الله الكريم، الأمر الذى يستلزم معه توحيد موضوع الخطبة لمواجهة تلك المخاطر التى تهدد الأمة المصرية والإسلامية والعربية.
وأشارت المحكمة، إلى أن المشرع الدستورى من ناحية أولى نص على أن الاسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع وجعل من الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم، ومن ناحية ثانية أورد فى وثيقة الدستور أن المرجع فى تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية هو ما تضمنه مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا فى ذلك الشأن – ولاريب أن وثيقة إعلان الدستور تأخذ حكم طبيعة النصوص الدستورية ذاتها وقوتها، بحسبانها تكون مع الأحكام التى ينتظمها كلا غير منقسم أو نسيجا دستوريا واحدا على نحو ما سلف – ومن ناحية ثالثة عهد المشرع العادى إلى وزارة الأوقاف – باعتبارها جزءا من السلطة التنفيذية وهى الوزارة التى تمثل الجانب المادى الملموس فى الحقل الدينى الإسلامى لمرفق المساجد والزوايا التابعة لها - مهمة إدارة المساجد والزوايا والإشراف عليها بعد تسليمها وضمها إليها والتزام الخطباء بالخطة الدعوية لها، وذلك ضمانًا لقيام هذه المساجد برسالتها فى نشر الدعوة الإسلامية على خير وجه، وهذا الإشراف على جميع المساجد والزوايا، يمثل احتراما لقدسية المنبر وتطهيرا لأفكار الدعاة، وصونا لجوهر الدعوة.
واستطردت المحكمة، أنه تسود المنظومة المتكاملة بين الأطراف الثلاثة الأزهر الشريف والمحكمة الدستورية العليا ووزارة الأوقاف السلطة، فكل فى مجاله المرسوم له دستوريا وقانونيا فى خدمة الإسلام الوسطى المستنير.
وأوضحت المحكمة، أن ما نص عليه الدستور في مادته الثانية من أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، إنما يتمخض عن قيد يجب على كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية أن تتحراه وتنزل عليه في تشريعاتها او قراراتها اللائحية فلا يجوز لنص تشريعي، أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يكون الاجتهاد فيها ممتنعا، لأنها تمثل من الشريعة الإسلامية مبادؤها الكلية، وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلًا أو تبديلا. ومن غير المتصور بالتالي أن يتغير مفهومها تبعًا لتغير الزمان والمكان، إذ هي عصية على التعديل، ولا يجوز الخروج عليها، أو الالتواء بها عن معناها. ذلك أن المادة الثانية من الدستور تقدم على هذه القواعد أحكام الشريعة الإسلامية في أصولها ومبادئها الكلية، إذ هي إطارها العام، وركائزها الأصيلة التي تفرض متطلباتها دومًا بما يحول دون إقرار أية قاعدة قانونية على خلافها وإلا اعتبر ذلك تشهيا وإنكارًا لما علم من الدين بالضرورة ولا كذلك الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معا، ذلك أن دائرة الاجتهاد تنحصر فيها، ولا تمتد لسواها، وهي بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان، لضمان مرونتها وحيويتها، ولمواجهة النوازل على اختلافها، تنظيما لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعًا، ولا يعطل بالتالي حركتهم في الحياة، على أن يكون الاجتهاد دومًا واقعا في إطار الأصول الكلية للشريعة بما لا يجاوزها ملتزما ضوابطها الثابتة، متحريا مناهج الاستدلال على الأحكام العملية، والقواعد الضابطة لفروعها، كافلا صون المقاصد العامة للشريعة بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
وأكدت المحكمة، أن الشريعة الإسلامية شريعة مرنة تتناسب مع كل زمان ومكان وفى مواجهة كل عصر، فإعمال حكم العقل فيما لا نص فيه يعد تطويرا لقواعد عملية تكون في مضمونها أرفق بالعباد وأحفل بشئونهم، وأكفل لمصالحهم الحقيقية التي تشرع الأحكام لتحقيقها وبما يلائمها، مرده أن شريعة الله جوهرها الحق والعدل، والتقيد بها خير من فساد عريض، وانغلاقها على نفسها ليس مقبولا ولا مطلوبا، ذلك أنها لا تمنح أقوال أحد من الفقهاء في شأن من شئونها، قدسية تحول دون مراجعتها وإعادة النظر فيها، بل وإبدالها بغيرها. فلا قداسة فى الاسلام، فالآراء الاجتهادية في المسائل المختلف عليها ليس لها في ذاتها قوة متعدية لغير القائلين بها، ولا يجوز بالتالي اعتبارها شرعا ثابتا متقررًا لا يجوز أن ينقض، وإلا كان ذلك نهيا عن التأمل والتبصر في دين الله تعالى، وإنكارا لحقيقة أن الخطأ محتمل في كل اجتهاد. بل إن من الصحابة من تردد في الفتيا تهيبا. ومن ثم صح القول بأن اجتهاد أحد من الفقهاء ليس أحق بالإتباع من اجتهاد غيره، وربما كان أضعف الآراء سندا، أكثرها ملاءمة للأوضاع المتغيرة، ولو كان مخالفا لآراء استقر عليها العمل حينا من الدهر، وتلك هي الشريعة الإسلامية في أصولها ومنابتها، متطورة بالضرورة، نابذة للجمود، لا يتقيد الاجتهاد فيها - وفيما لا نص عليه - بغير ضوابطها الكلية، وبما لا يعطل مقاصدها التي ينافيها أن يتقيد ولي الأمر في شأن الأحكام الفرعية والعملية المستجيبة بطبيعتها للتطور، لآراء بذاتها لا يريم عنها، أو أن يقعد باجتهاده عند لحظة زمنية معينة تكون المصالح المعتبرة شرعا قد جاوزتها.
وأشارت المحكمة، إلى أنه لولي الأمر أن يُشَرع بما يرد الأمر المتنازع عليه إلى الله ورسوله، مستلهما في ذلك أن المصالح المعتبرة وتلك التي تكون مناسبة لمقاصد الشريعة متلاقية معها، وهي بعد مصالح لا تتناهى جزئياتها، أو تنحصر تطبيقاتها، ولكنها تتحدد - مضمونا ونطاقا - على ضوء أوضاعها المتغيرة. يؤيد ذلك أن الصحابة والتابعين، والأئمة المجتهدين، كثيرًا ما قرروا أحكاما متوخين بها مطلق مصالح العباد، طلبا لنفعهم أو دفعا لضرر عنهم أو رفعا لحرجهم، باعتبار أن مصالحهم هذه تتطور على ضوء أوضاع مجتمعاتهم، وليس ثمة دليل شرعي على اعتبارها أو إلغائها وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق خاصة المتصلة بممارسة الشعائر الدينية أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها وتكون تخوما لها لا يجوز اقتحام آفاقها أو تخطيها سواء بنقضها أو انتقاصها من أطرافها ذلك أن إهدار الحقوق التي كفلها الدستور أو تهميشها، عدوان على مجالاتها الحيوية التي لا تتنفس إلا من خلالها ولا يجوز بالتالي أن يكون تنظيم هذه الحقوق مناقضا لفحواها، بل يتعين أن يكون منصفا ومبررًا ومحافظا على المجتمع مما يهدد امنه واستقراره.
وأضافت المحكمة، أن التحديات المعاصرة كشفت عن التشدد والتطرف والإرهاب نتيجة الانحراف عن مفاهيم الدين الصحيح والخلل الذى أصاب مسار الفكرالدينى، مما يتعين معه على الدول الإسلامية والعربية ومصر فى قلبها النابض محاربة الفكر المتطرف لدعاة التشدد والغلو الذين يستخدمون الشباب وقودا لفكرهم المنحرف ونتيجة التقصير تجاه هؤلاء الشباب مما يجعلهم أداة نافذة بيد الانحراف الفكرى ويسهل استقطابهم على الرغم من أن الأمم تحيا بالقيم الدينية وتبلغ مراتب الحضارة والتقدم والإسلام دين الوسطية والاعتدال فى جميع مناحى الحياة، الأمر الذى يستلزم تصحيح المسار وتطوير الخطاب الدعوى المعتدل عن طريق إعداد الدعاة وصقل تكوينهم وتوسيع مداركهم لبيان حقائق الإسلام السمحة ودحض الأباطيل والحث على مكارم الأخلاق فى ضوء ماجاء به الإسلام من حفظ الضرورات الخمس: الدين والنفس والعقل والعرض والمال ليعيش المسلم في هذه الدنيا آمنا مطمئنا يعمل لدنياه وآخرته ويعيش المجتمع المسلم أمة واحدة متماسكة كالبنيان يشد بعضه بعضًا وهو ما يؤكد ان نظام الدين لا يقوم الا بنظام الدنيا فان لم تراع الضرورات الخمس فسوف ينعدم الامن فى المجتمع ويصاب النظام الاجتماعى بالخلل والانهيار الامر الذى يستلزم كذلك مواكبة روح العصر من تقنيات وسائل الاتصال لتصل الى عقل وقلب المتلقى وتوظيفها فى خدمة الدعوة بالوسائل السليمة ومناهجها للتذكير بالخير وما يرقرق القلب بتلطف دون مخاشنة او تعنيف اعمالا لقوله تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ".
وأوضحت المحكمة، أن الدولة ادراكا منها لرسالتها فى دعم التوجيه الدينى فى البلاد على وجه محكم، وتأكيدا لمسئولياتها فى التعليم والارشاد وحماية للشباب من الفكر المتطرف الذى يستغله دعاة التشدد وما يتطلبه ذلك من وضع مبادئ عامة بتوحيد موضوع الخطبة لجميع المساجد والزوايا فى المدن والقرى تستهدف نقاء المادة العلمية وسلامة الوجهة التى يعمل بها الخطباء، بما يحفظ للتوجيه الدينى أثره، ويبقى للمساجد الثقة فى رسالتها، وقد لوحظ أن عددا كبيرًا من المساجد كان يسيطر عليها الارتجال ويترك شأنها للظروف ولا يوجد بها من يحمل مسئولية التعليم والإرشاد من المتخصصين فى علوم الدين، ولما كان بقاء هذه الحال قد ينقص من قيمة التوجيه الدينى ويضعف الثقة برسالة المساجد، ويفسح الطريق لشتى البدع والخرافات التى تمس كيان الوطن واستقراره، خصوصًا وأن ما يقال فوق منابر المساجد إنما يقال باسم الله، لذلك فإن الأمر يقتضى وضع نظام لتوحيد موضوع الخطبة على منابر المساجد بحيث يكفل تحقيق الأغراض العليا من التعليم الدينى العام وتوجيه النشئ وحمايتهم من كل تفكير دخيل او جهيل ومن ثم فالقصد منهحماية النشء ممن اسلم نفسه للتشدد منجرفا او عجز عن مقاومة التطرف فجاراه فصار فى مجراه، لما يلقن به بمفاهيم مغلوطة عن صحيح الدين الاسلامى الوسطى، مما يمس كيان الوطن واستقراه ،خاصة ان وثيقة الدستور المصرى وضعت من بين غايات اصداره حماية الوطن من كل ما يهدده او يهدد وحدته الوطنية، وهو ما يتفق مع المقاصد الشرعية والمصالح المرعية فى صحيح مفهوم مبادئ الشريعة الاسلامية.
وذكرت المحكمة، أن الأزمة المصيرية لشعوب العالم الإسلامى والعربى بسبب دعاة التشدد باسم الدين وقتلة الانسانية وما يصاحبه من عنف وارهاب من الجماعات المتطرفة التى تستبيح الدماء والاموال لتفسد فى الارض، يقتضى توحيد موضوع الخطبة خاصة وان هاجس عدوى الارهاب والتشدد لم يعد قاصرا على تلك الدول بل انتقل الى دول اخرى حتى المتقدم منها والمستقر، ذلك ان الارهاب لا دين له ولا وطن، مما يكون معه للنشاط الدعوى لوزارة الاوقاف فى مصر تعاونا مع مثيلاتها بالبلاد العربية والاسلامية دورا جوهريا عالميا ليس فى مصر فحسب بل فى كافة اقطار العالم اجمع، لذا كان دورها مضاعفا ومسئوليتها كبرى ازاء المواجهة الفكرية لما يحدث من ارهاب نتيجة استقطاب الجهلاء باحكام الدين، واذ كانت مصر قد استوت على قمة العالمين العربى والاسلامى، ليس فقط بكثافة سكانها وموقعها المتميز ،وانما بحضارة تليدة وموروث ثقافة جعلت منها فى ثورات العرب وحروبهم وبانتصاراتهم، الدولة القائدة، وفى ميدان السلام والتعاون العربى بين دول العالم الدولة الرائدة، فان تعبير شعبها المعطاء – وقضاؤها جزء من هذا الشعب - عن مكنونه فى مسألة مصيرية تتعلق بالمخاطر التى تحاك للامة العربية والاسلامية والارهاب الموجه لمصر والبلاد العربية والاسلامية بات امرا لازما ليتشارك مع الموقف الرسمى للدولة فى نبذ كل عدوان او تهديد به، ينال مصر او احد الشعوب العربية، وهو موقف مسبوق من مصر العربية فى قريب المشكلات العربية وبعيدها، غاية الامر ولزومه ان التزاما قانونيا على وزارة الاوقاف بتوحيد موضوع الخطبة لمعالجة الفكر المنحرف، نتيجة استغلال الدين فى غير مقاصده والمفاهيم المغلوطة لاعداء الدين، انحرافا عما فيه من سماحة وقيم ويسر ووسطية تكفل له الخلود، ومصر بذلك تؤرخ لدور عالمى وليس اقليميا لانها تواجه بقوة وثبات وتضحية دعاة الارهاب والتطرف لحماية الانسانية جمعاء. وقيامها بذلك الدور اعمالا للمادة الاولى من الدستور المصرى الذى نص على ان الشعب المصرى جزء من الامة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها ومصر جزء من العالم الاسلامى تنتمى الى القارة الافريقية وتعتز بامتدادها الاسيوى وتسهم فى بناء الحضارة الانسانية واذ تضمن قرار وزير الاوقاف المطعون فيه توحيد موضوع خطبة الجمعة القائم على اعدادها اللجنة العشرية التى تضم كافة تخصصات العلوم الشرعية وبعض المتخصصين فى علم النفس وعلم الاجتماع من المصالح المعتبرة التى تعالج قضايا واقع المجتمع المعاصر وتحقق المصالح العليا للوطن بما يحفظ للامة العربية والاسلامية وجودها وهويتها وحمايتها من الفكر المتطرف الذى يناهض فكرة وجود الدولة وبما يشكل استراتيجية منهجية شاملة لنشر الفكر الاسلامى الصحيح المستنير فى مختلف جوانبه الايمانية والاخلاقية والانسانية والواقعية فالخطبة في الإسلام جعلت لتكون معالجة لواقع المجتمع في زمانه وتناقش هموم الشعوب، وتتركز في التوعية ونشر الفكر ومعالجة آفات المجتمع مما يكون معه قرار وزير الاوقاف الطعين فى شطره الاول مطابقا لحكم القانون.
وقالت المحكمة عن الضابط الثانى بقرار وزير الأوقاف المطعون فيه المتعلق بطريقة اداء موضوع الخطبة الموحدة بان يكون موضوع الخطبة استرشاديا وطريقة اداء الخطبة شفاهة وارتجالا او مكتوبة مقروءة امرا اختياريا للخطيب فى ضوء مايمكنه من اداء رسالته على الوجه الاكمل المنضبط وبما لا يخرج عن مضمون موضوع الخطبة المحدد. فان هذا الامر من شأنه ان يترك لكل خطيب قدر من ابراز ملكاته ومواهبه فى ايصال موضوع الخطبة الموحدة لجمهور المصلين بالاداء الذى يمكنه من الوصول على عقولهم وقلوبهم فطريقة ادائها ليست الزامية على وجه معين على الخطيب بل ارشادية فمن شاء القاها شفاهة وارتجالا ومن شاء القاها مكتوبة مقروءة وفى الحالتين يلتزم بموضوع الخطبة الموحدة ذلك ان الارتجال الواعي لا يستطيعه كل خطيب ويظل لبعض اصحاب الموهبة من الخطباء القدرة على الإدراك والتجديد والإبداع والتأصيل فى ذات موضوع الخطبة بما لا يحيد عنها، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه فى هذا الشطر الثانى قائما على السبب المبرر له ومحققا لمصلحة معتبرة.
وقالت المحكمة عن الضابط الثالث بقرار وزير الاوقاف المطعون فيه من وضع قيد زمنى لموضوع الخطبة وبما لا يخرج عن وقتها المحدد ما بين خمس عشرة الى عشرين دقيقة على الاكثر، فانه يجب الا تكون الخطبة طويلة مملة او قصيرة مخلة حيث تسبق انوارهم اقوالهم فتنجذب القلوب وتؤهلها للسماع المطلوب فكل كلام يبرز وعليه كسوة من نور القلب الذى خرج منه، ولا مرية فى أن تقصير خطبة الجمعة علامة على فقه الخطيب، حيث يستطيع جمع المعاني الكثيرة في كلمات يسيرة، ولا يطيل فينسى الناس بآخر كلامه أوله، وقد هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه الراتبة، بل هو أمرُه، وهو أكمل هدي، كما كانت مواعظه قليلة ؛ ليُحفظ عنه يا يعظ به الناس، فخطبة الجمعة قصيرة، والمواعظ قليلة قَالَ أَبُو وَائِلٍ: خَطَبَنَا عَمَّارٌ – أي: ابن ياسر - فَأَوْجَزَ، وَأَبْلَغَ، فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ – أي: أطلتَ -، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا ). 869.( والتخفيف فيها مطلوب شرعًا، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير، والكبير، والضعيف…" متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت رسول الله في موعظة أشد غضبًا منه يومئذ؛ ثم قال: "إن منكم منفرين، فأيكم صلى بالناس فليتجوز، فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة"و في تقصير الخطبة فائدتين: الاولى ألا يحصل الملل للمستمعين ؛ لأن الخطبة إذا طالت - سيما إن كان الخطيب يلقيها إلقاءً عابرًا لا يحرك القلوب، ولا يبعث الهمم -: فإن الناس يملُّون، ويتعبون.ومنهم الكبير والمريض والثانية أن ذلك أوعى للسامع، أي: أحفظ للسامع ؛ لأنها إذا طالت: أضاع آخرها أولها، وإذا قصرت: أمكن وعيها، وحفظها، فترك المصلين راغبين خير من تركهم زاهدين، وبهذه المثابة يكون قرار وزير الاوقاف فى الشطر الثالث منه قائما على سببه الصحيح المبرر له محققا مصلحة معتبرة.
واستطردت المحكمة أن الاطالة او الاطناب فى وقت الخطبة يفقد التركيز عند المصلين وينفرهم من طول زمنها، فجاء فى حديث جَابِرِ بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قال:«كنت أُصَلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا» وفي رواية:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَا يُطِيلُ الْمَوْعِظَةَ يوم الْجُمُعَةِ إنما هُنَّ كَلِمَاتٌ يَسِيرَاتٌ». رواه مسلم 866 ونُقل عن الشافعي في القديم: أن أقل الخطبة كأقصر سورة في القرآن، وذكر الماوردي: إنْ حَمِد الله تعالى وصلى على نبيه ووعظ أجزأه، ونُقِل عن ابن العربي أن أقلَّها: حمد الله والصلاة والسلام على نبيه صلى الله عليه وسلم وتحذير وتبشير وقرآن " يراجع الحاوي الكبير: 4432 " وقال البغوي رحمه الله تعالى:«وأقل ما يقع عليه اسم الخطبة أن يحمد الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويوصي بتقوى الله. هذه الثلاث فرض في الخطبتين جميعًا، ويجب أن يقرأ في الأولى آية من القرآن، ويدعو للمؤمنين في الثانية، فلو ترك واحدًا من هذه الخمس لا تصح جمعته عند الشافعي رحمه الله " شرح السنة 3644" وعامة الفقهاء على استحباب ما جاءت به الأحاديث من إقصار الخطبة وعدم إطالتها " انظر: بدائع الصنائع: 2631، شرح الخرشي على مختصر خليل: 822 والأوسط لابن المنذر: 604، والكافي لابن قدامة: 2221، والمغني: 782. حتى قال القرافي رحمه الله تعالى:«واتفق الجميع على استحسان قصر الخطبة» انظرالذخيرة 3452 وساق الشوكاني جملة من الأحاديث في ذلك ثم قال:«وأحاديث الباب فيها مشروعية إقصار الخطبة ولا خلاف في ذلك " نيل الاوطار 3452 وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:«وأما قصر الخطبة فسنة مسنونة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك ويفعله» انظر الاستذكار 3632 وقال أيضًا:«وأهل العلم يكرهون من المواعظ ما ينسي بعضه بعضًا لطوله، ويستحبون من ذلك ما وقف عليه السامع الموعوظ فاعتبره بعد حفظه له وذلك لا يكون إلا مع القلة» انظر الاستذكار 3642.
واختتمت المحكمة انه على هدى مما تقدم، ووفقا لما تقدم بيانه، يكون قرار وزير الاوقاف المطعون فيه بجميع ضوابطه الثلاثة محققا لمصلحة معتبرة متفقاَ وحكم الدستور والقانون.