روسيا تنتهج سياسة إعادة تمركز قوتها الدولية انطلاقاً من الخليج
الخميس، 14 يوليو 2016 11:47 ص
تشير تطورات الأحداث السياسية التي يموج بها العالم في الآونة الحالية إلى شيوع حالة من حالات إعادة تقييم نفوذ القوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط والشرق الأدنى، على نحو باتت معه كل دولة أو قوى تحسب حساباتها الخاصة لإعادة تمركزها ضمن هيكل المنظومة العالمية الجديدة.
وفي هذا الإطار فقد أظهرت أحداث السنوات الأخيرة أن الشرق الأوسط يحتل مكانا مركزيا في توجهات السياسة الخارجية الروسية الجديدة، ويسود اعتقاد أن الكرملين يسعى إلى ملء الفراغ الذي أحدثته إستراتيجية واشنطن في خفض التركيز على قضايا المنطقة والتوجه نحو جنوب شرق آسيا "لمواجهة الصين"، إضافة إلى ما بدا من فتور نسبى في العلاقات بين بلدان مجلس التعاون الخليجي وواشنطن، وبروز مشروعات "الشرق الأوسط الكبير" منتصف العقد الماضي.
وأفلحت موسكو في استغلال ظروف المنطقة منذ بداية "الربيع العربي"، وتحوله إلى مشهد دموي في أكثر من بلد، وبروز تنظيم "داعش" الإرهابي، وصولا إلى توقيع الاتفاق النووي مع إيران العام الماضي للترويج لسياساتها.
ومنذ خريف عام 2015 باتت المنطقة ساحة لاختبار مدى قدرة روسيا على العودة إلى الساحة الدولية كلاعب دولي لا يقل شأنا عن الولايات المتحدة. وبدت العمليات العسكرية الروسية في سوريا كمحاولة لإظهار القوة الروسية ضد السياسة الأمريكية في المنطقة.
كذلك فقد بدأت موسكو منذ سنوات في نسج علاقات متشعبة مع بلدان الخليج العربي. ويواصل الطرفان اتصالاتهما على أرفع المستويات رغم ما بينهما من اختلافات إزاء عدد من قضايا المنطقة، وخاصة الأزمة السورية وتحالف روسيا مع إيران.
وفي هذا السياق فقد استضافت موسكو في نهاية مايو الماضي الاجتماع الوزاري المشترك الرابع بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي في إطار الحوار الإستراتيجي المتواصل بين الطرفين منذ عام 2011. واتفق الجانبان على ضرورة محاربة الإرهاب، وعلى دور الأمم المتحدة في حل أزمات المنطقة، وضرورة بناء علاقات تعتمد على الاحترام المتبادل بين بلدان الخليج وإيران.
وترى السياسة الروسية أن الحوار مع العواصم الخليجية يضع المقدمات لانتقال المنطقة من الأزمات المستمرة إلى الاستقرار والتنمية وضمان الأمن الراسخ في منطقة الخليج العربي.
دوائر التعاون الروسي الخليجي
وعلى مستوى العلاقات الروسية مع دول مجلس التعاون الخليجي، ثمة ثلاثة مجالات رئيسية قد تتحرك فيها هذه العلاقات، وهي قطاع الصناعة النفطية، ومشاريع الطاقة النووية المقترحة حديثا، وبرامج التسلح العسكري.
فعلى صعيد الصناعة النفطية، هناك الآن تعاون روسي مع بعض دول المنطقة، حيث تستثمر شركات روسية في هذه الصناعة منذ بضع سنوات.
أما على صعيد مشاريع الطاقة النووية، فمن الواضح أن العلاقات الخليجية الروسية شهدت تقاربا كبيرا في السنوات الأخيرة في هذا المجال ومن مؤشراته التوقيع على اتفاق الطاقة النووية بين روسيا والسعودية صيف عام 2015، وقبله الاتفاق الروسي مع دولة الإمارات عام 2013 في مجال الطاقة النووية السلمية.
ويتفق الطرفان على قضية مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط في ظل الترابط بين الجماعات الإرهابية في المنطقة العربية ومنطقة القوقاز.
أما قضية التعاون العسكري بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي، فربما كان البعد الأهم الذي يمكن التوقف عنده هو إمكانية تزويد موسكو لهذه الدول بقدرات صاروخية ذات مغزى، خاصة في ظل إحجام الولايات المتحدة، تقليديا عن تزويد هذه الدول بقدرات صاروخية ملموسة علاوة على ما يتوقعه خبراء عسكريون من أن الدول الخليجية ستكون معنية في مراحل لاحقة بتوطين تكنولوجيا الصواريخ، والاستعانة بالخبرات الروسية لتأسيس صناعة صاروخية محلية.
الاقتصاد هو القاطرة
لا تقل الجوانب الاقتصادية أهمية عن الأهداف السياسية، فموسكو ترغب في زيادة حصتها في أسواق السلاح الإقليمية وقطاعات الوقود النووي والنفط والغاز، وتأمل شركات تصنيع الأسلحة الروسية في أن العملية العسكرية في سوريا قد أظهرت بالفعل المزايا التكتيكية والفنية لأسلحتها، ما يعزز مكانة الأسلحة الروسية ويجلب عملاء لها، خصوصا في مجلس التعاون الخليجي.
كما تحاول روسيا إنقاذ اقتصادها عبر جذب الاستثمارات من دول الخليج العربي. وكذلك الحفاظ على أسعار الطاقة المرتفعة عبر التنسيق مع الموردين الرئيسيين للنفط والغاز في الخليج.
علاوة على الحوافز الجيوسياسية والاقتصادية، فإن موسكو تراهن على أن سياساتها الحالية سوف تساهم في تأمين الاستقرار الداخلي، وخاصة في خاصرتها الجنوبية الضعيفة في القوقاز، ومنع تدهور الأوضاع في الجمهوريات التي تقطنها غالبية مسلمة ضمن الاتحاد الروسي، مثل الشيشان وداغستان وتتارستان، خاصة بعد مبايعة مجموعات متطرفة في هذه المناطق تنظيم داعش الإرهابي.
وقد أثبتت الخبرة التاريخية أن الجانبين الخليجي والروسي قد نجحا في منع القطيعة بينهما عبر التطبيق الناجح لأسلوب الفصل بين الملفات من أجل الحفاظ على حوار رفيع يضمن إمكانية التحول إلى علاقات إستراتيجية في بعض المجالات، وهو ما يبرر استمرار الزيارات عالية المستوى المتبادلة بين الطرفين، وتطور التعاون في مجالات الطاقة والدفاع والاقتصاد.
كما أن العواصم الخليجية تعتبر تطوير العلاقات مع موسكو جزءا من إستراتيجيتها لتنويع سياستها الخارجية، معتبرة أن ذلك يعد أمر تفرضه اعتبارات المصلحة الوطنية الخليجية.