«قمة كيجالى»تؤسس لمرحلة جديدة من السلام والتنمية المستدامة بأفريقيا

الخميس، 14 يوليو 2016 07:55 ص
«قمة كيجالى»تؤسس لمرحلة جديدة من السلام والتنمية المستدامة بأفريقيا



تشكل قمة الاتحاد الأفريقى الـ27، والتى تستضيفها العاصمة الرواندية كيجالى بمشاركة زعماء ورؤساء حكومات الدول الأعضاء بالاتحاد الأفريقى يومى 17 و18 يوليو الجارى، نقطة تحول فى مسيرة القارة السمراء نحو تعزيز التنمية الشاملة والاندماج الاقتصادى والتجارى وتسوية المنازعات سلميا ودعم حقوق الإنسان والمرأة.

وتجسد المشاركة المصرية رفيعة المستوى فى قمة كيجالى أولوية البعد الأفريقي في السياسية الخارجية المصرية وحرصها على الانفتاح والتواصل مع جميع الدول الأفريقية لتعزيز آليات التكامل الاقتصادي بين دول القارة فى ضوء الظروف الدقيقة التي تمر بها القارة، والتى تتطلب تنسيق وتضافر الجهود لمواجهة التحديات المشتركة، وعلى رأسها الإرهاب والفقر وتعزيز حقوق الإنسان والمرأة.
وبدأ الإعداد لقمة كيجالى يوم الأحد الماضى باجتماعات الدورة العادية الـ32 للجنة الممثلين الدائمين، بينما بدأت أمس الأربعاء إجتماعات الدورة العادية الـ29 للمجلس التنفيذي لوزراء خارجية الاتحاد الأفريقى، والتى تستمر لمدة ثلاثة أيام بمشاركة سامح شكري وزير الخارجية ممثلا لمصر.

ويتضمن جدول أعمال القمة عددا من القضايا المهمة، من بينها إعلان 2016 عاما لحقوق الإنسان بأفريقيا، وأوضاع المرأة الأفريقية، علاوة على تقرير مجلس السلم والأمن فى أفريقيا، ومناقشة القضايا المدرجة على جدول أعمال مجلس السلم والأمن، وعمليات حفظ السلام والتكامل القارى، وتقرير المفوضية حول الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، ومنطقة التجارة الحرة، وإصلاح مجلس الأمن، وانتخابات رئيس ونائب رئيس المفوضية، وميزانية الاتحاد، وسبل تنفيذ "أجندة 2063"، التى وافقت عليها حكومات الدول الأفريقية باعتبارها رؤية القارة لتحقيق التنمية الشاملة وتحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين فى الفرص والحقوق وإطلاق جواز السفر المشترك.

وساهمت مصر بفاعلية فى تعزيز العمل المشترك والاندماج التجارى بين دول القارة عقب ثورة 30 يونيو 2013، حيث احتضنت شرم الشيخ فى يونيو 2015 مراسم التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة للتكتلات الاقتصادية الثلاث: الكوميسا، والسادك، والمجموعة الاقتصادية لدول شرق أفريقيا (إياك)، التى أطلقت أكبر تكتل تجارى فى أفريقيا ليكون بمثابة اللبنة الأساسية لتحقيق أمال الشعوب الأفريقية فى إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية.

وتعتبر منطقة التجارة الكبرى، التى أطلقتها التكتلات الأفريقية الثلاث، الأكبر على مستوى القارة الأفريقية، حيث تضم 26 دولة من بينها مصر، ويمثل الناتج المحلى الإجمالى لها حوالى 60% من إجمالى الناتج المحلى للقارة الأفريقية (حوالى 1.2 تريليون دولار)، وتضم أكثر من 56% من سكان القارة.

ونشأت فكرة انشاء منطقة التجارة الحرة لتكتلات الكوميسا وسادك وإياك عام 2008 لمواجهة التحديات التجارية الناجمة عن التكتلات الاقتصادية الكبرى وتعزيز التبادل التجارى على المستوى الاقليمى وحل المشكلات الناجمة عن تعدد عضويات الدول الأفريقية فى التجمعات الاقتصادية المختلفة وهو ما يؤدى الى تضارب المصالح بين تلك الدول .

وتركز اتفاقية التجارة الحرة للتكتلات الثلاث على عدة محاور تتمثل فى تطوير آليات التجارة الإقليمية من خلال عدد من المحددات من أهمها إنشاء منطقة تجارة حرة تجمع بين تلك الدول، وتشجيع آليات تيسير التجارة بين الدول من خلال تقليص الوقت الخاص بتجارة الترانزيت وتكاليف العمليات التجارية وإنشاء ممرات تجارية بين الدول، وتنفيذ برامج مشتركة خاصة بالبنية التحتية، والوصول فى النهاية إلى تكامل الأسواق والتنمية الصناعية.

ومن ناحية أخرى، حرص الرئيس عبد الفتاح السيسى، خلال مشاركته فى العديد من الفاعليات الاقتصادية والسياسية الأفريقية في العامين الماضيين، على التأكيد على أن تحقيق التنمية والذى يعتبر التحدى الرئيسى الذى تجابهه دول القارة الأفريقية يستدعى تطوير آليات العمل الأفريقى المشترك والأخذ بنموذج التكامل والاندماج الإقليمى، خاصة فى ضوء الارتباط الوثيق بين متطلبات التنمية الاقتصادية فى أفريقيا والحاجة إلى تنفيذ مشروعات إقليمية عملاقة فى مجالات عدة بما فى ذلك البنية التحتية، فضلا عن تعزيز تنافسية الأسواق الوطنية بما يزيد من قدرتها على جذب الاستثمارات والنفاذ إلى الأسواق الدولية، أخذا فى الاعتبار التحديات المتزايدة التى يواجهها الاقتصاد العالمى.

وتضمنت رؤية مصر تجاه قضية التنمية الشاملة فى القارة الأفريقية التأكيد على أهمية تنمية القدرات البشرية فى العمل المشترك وإيلاء الاهتمام الكافى بالشباب الأفريقى، الذى يشكل ركيزة مستقبل القارة، وتعزيز الاستثمار فيه بزيادة الاهتمام بالتعليم وتطويره على نحو يتيح للشباب اكتساب المهارات اللازمة للانخراط بكفاءة فى سوق العمل، ورفع معدلات الإنتاجية والنمو، نالتركيز على التحول إلى مجتمعات المعرفة بتطوير مجالات البحث والابتكار.

ورغم الأزمات المتلاحقة التى عصفت بالاقتصاد العالمى خلال السنوات الماضية تضمنت قائمة الدول ذات الاقتصاديات الأسرع نموا فى الفترة الأخيرة 10 دول أفريقية على الأقل، كما ارتفع حجم الاستثمار الأجنبى المباشر فى الدول الأفريقية بأكثر من خمسة أضعاف خلال الأعوام العشرة الأخيرة، وهى كلها مؤشرات تؤكد غنى أفريقيا بالموارد البشرية والطبيعية اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن حجم تجارة مصر مع الدول الأفريقية بلغ حوالى 5 مليارات دولار، ووصل حجم الاستثمارات المصرية بالدول الأفريقية إلى حوالى 8 مليارات دولار، بينما بلغ حجم التجارة الأفريقية البينية 12% فقط من حجم تجارة القارة مع العالم وهو ما لا يتناسب مع مقومات وإمكانات التكامل الاقتصادى بين الدول الأفريقية.

ومن ناحية أخرى، حرص الرئيس عبد الفتاح السيسى، خلال العامين الماضيين، على التأكيد على أهمية الدور الذي يلعبه القطاع الخاص كقاطرة رئيسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر وأفريقيا، فضلا عن مساهمته في توفير فرص عمل لائقة، وتعزيز حركة التبادل التجارى، ودمج أفريقيا في الاقتصاد العالمي، مشددا على إلتزام مصر بالانفتاح على الدول الأفريقية وتعزيز روح التعاون والعمل المشترك من أجل البناء والتنمية، والعمل على فتح المجال أمام القطاع الخاص المصرى للعمل فى أفريقيا.

وفى السياق ذاته، رسم منتدى التجارة والاستثمار بأفريقيا، الذى عقد بشرم الشيخ فى فبراير الماضى بمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى وعدد كبير من زعماء ورؤساء حكومات الدول الأفريقية ورؤساء مؤسسات الأعمال الأفريقية والدولية - خريطة طريق للتعاون التجارى، ودعم القطاع الخاص بالدول الأفريقية واستثمار الفرص والإمكانيات المتاحة التي تزخر بها القارة.

وشدد المشاركون فى المنتدى على أن القارة الأفريقية تزخر بالعديد من المقومات الاقتصادية، وهو ما يستدعي تطوير آليات العمل الإفريقي المشترك، والأخذ بنموذج التكامل والاندماج الإقليمي من أجل وضع خطة عمل لمواجهة التحديات التي تعرقل مسار التنمية، مؤكدين على ضرورة تضافر الجهود لوضع أفريقيا على خريطة الاستثمار العالمية.

وفى محاولة لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين مصر ودول أفريقيا خلال الفترة القادمة أعلنت وزارة التجارة والصناعة المصرية عن خطة تحرك شاملة تشمل تنظيم بعثات ترويجية رفيعة المستوى، وبحث إنشاء معارض دائمة للمنتجات المصرية في عدد من الدول الأفريقية، وبحث إنشاء منطقة صناعية مشتركة مع عدد من الدول الأفريقية، والعمل على بحث فرص الاستثمار في عدد من القطاعات الحيوية وأهمها قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة، وبحث إنشاء خطوط ملاحية مباشرة بين الموانئ المصرية ونظيرتها الأفريقية وإنشاء مراكز لوجستية لتكون محور ارتكاز لنقل السلع بين مصر والدول الأفريقية.

وسعت مصر أيضا إلى مواصلة دورها النشط فى تطوير القدرات المؤسسية والبشرية للدول الأفريقية، لاسيما الكوادر الشابة، وذلك من خلال آليات وطنية عدة منها الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، التى أنشئت عام 2014 استكمالا للدور الذى اضطلع به الصندوق المصرى للتعاون الفنى مع أفريقيا فى بناء القدرات الأفريقية.

وفى السياق ذاته، أبدت مصر اهتماما خاصا بقضية الديون الأفريقية من خلال مطالبة الدول المانحة باسقاط جزء من ديونها المستحقة على دول القارة، وزيادة مساهمة مؤسسات التمويل الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين فى دعم مشروعات التنمية المستدامة وجهود مكافحة الفقر وتمكين المرأة بالدول الأفريقية.

وفى محاولة لتعزيز الاندماج السياسى بأفريقيا تواصل الدول الأفريقية جهودها لتحقيق ذلك الهدف من خلال إطلاق جواز السفر المشترك خلال قمة كيجالى، والذى سيتيح لمواطنى أفريقيا الدخول إلى 54 دولة أفريقية بدون تأشيرة مسبقة بحلول عام 2018. وقال الاتحاد الأفريقى، فى بيان أصدره مؤخرا، إن جواز السفر الإلكترونى المشترك يعد أحد الركائز بأجندة 2063، التى تستهدف تدعيم التجارة البينية، والاندماج الاقتصادى، وحرية التنقل بالقارة.. ووافقت 13 دولة أفريقية حتى الآن على دخول مواطنى الدول الأفريقية إلى أراضيها بنظام التأشيرة فور الوصول.

وتؤكد المؤشرات أن قمة كيجالى سوف تؤسس لمرحلة جديدة من السلام والتنمية المستدامة والتكامل بأفريقيا فى ضوء المساهمة المصرية الفعالة فى بناء وتعزيز القدرات الاقتصادية والتجارية ودعم آليات تسوية المنازعات سلميا بالقارة الأفريقية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق