تجربة اليابان فى التربية والتعليم

الأحد، 26 يونيو 2016 09:09 م
تجربة اليابان فى التربية والتعليم
كمال الهلباوي يكتب

تأتيني رسائل عديدة كل يوم، بعضها مهم ويصلح للنشر والاستفادة منه ، وكثير منها غث ولا يصلح إلا للإهمال وخصوصا ما يدخل منه فى نطاق ضعف الأخلاق والسباب. الرسالة التى إخترتها للقراء هى من الأديبة الشاعرة مريم توفيق عن بعض مشاهداتها فى اليابان تقول فى تلك الرسالة المهمة.


"يعلو الضجيج ، نطوف الشوارع والجسد متعب ، نبحث فى الزحام عن إشراقة الجبين ، عن المشاعل فى العيون ، نبحث عن شلالات المروج فلا نجد إلا عذابات المذبوحين فى تفاصيل الأزقة ، العشش والقبور فيجتاحنا ألف سؤال لماذا ترتعش الحروف ؟ لماذا شراعنا مكسور ؟ فباتت مقاعد العشاق كألواح الجليد يازمان الفقر لاغيم ولا مطر ، يازمان الخداع والنفاق والتجاوز ، ليلنا خوف وثلج فمتى تنهض مصر أرض الهرم والكرم فتنهض أمة العرب ؟


سؤال طرحته عندما شددت الرحال الى اليابان فى رحلة طالما تمنيت القيام بها ، فكلما وطئت أقدامنا مدينة جديدة من مدن أوروبا ، أو شرق آسيا يجمع الكل أن النظام والنظافة سمة تتميز بها هذه الدول ، فإذا انضمت اليابان إلى تلك المنظومة إذن ماهو الجديد ؟ وللحقيقة أن الجديد هو فيض من غيث ، طوكيو العاصمة .. إبهار يصل إلى حد الإعجاز ، بداية من ناطحات السحاب مرورا بصروح صناعية عملاقة ، شجرة سماء طوكيو والتى تعتبر ثانى أعلى برج فى العالم بعد برج خليفة فى دبى ، أفضل مراكز الإلكترونيات على وجه الكرة الأرضية تجدها فى اليابان ، روعة البحيرات والمياه تتهادى صافية رقراقة ، بين شطوطها المراكب فى انتظار الضيوف يلتقطون التذكار للطبيعة الساحرة ، قطرات المطر التى تتساقط على مهل ، كأنها تطبع على الخدود القبل ، فلا يمكنك أن تملّ منها ، وإذا طالك المزيد ، ماعليك إلا أن تفرد مظلتك ، تدور ببصرك فلا يظهر إلا ابتسام وابتسام ، وجوه خطت ملامحها البشاشة النابعة من حب الحياة ، حب الوطن ، وهذا هو بيت القصيد.


الإنتماء بمفهومه الحقيقى ، منذ نعومة الأظفار يسقون الطفل حب العمل بروح الفريق فلا يكبر وقد تملكه الشعور بالأنا ، وبالتالى لا يمتلئ صدره بالحقد والضغينة ، الإرتباط بالمدرسة التى لا تألو جهدا فى تقديم المواد العلمية القائمة على الفهم وإعمال العقل ، والذى يرتبط إرتباطا وثيقا بالرياضة البدنية والصحة والنفسية ، إستثمار الوقت فى القراءة ، ومعلوم أن شعبا لا يقرأ لايفهم ، وطالما لايفهم فلن يبدع ، تضمحل أمامه الرؤى المستقبلية ، يفشل فى الإبتكار فيحبط ، ومن ثم يرتكب الحماقات ، فينساق خلف الدجل والشعوذة ، تفسير الأحلام وقراءة الطالع هربا من مواجهة النفس بالحقيقة وهى الفشل في إثبات الذات ، وقد يجد ضالته في التطرف والبعد عن صحيح الأديان التى تدعو إلى التسامح والمحبة بين الناس دون تمييز. اليابانيون دائما مايحملون بين طياتهم كتبا ، يطالعوها حتى يحين موعد صعودهم المترو أو الأوتوبيس أو القطار ، يقرأون فى الحدائق العامة ، فى الفنادق ، فى كل مكان لا تلمحهم إلا قارئين ، لايثرثرون فيما لاطائل منه ، الوقت لديهم من ذهب ، ينامون مبكرا فالعمل مقدس ، من أجل هذا يكرهون الأجازات . حياتهم الجادة التى أستثمرت من قبل عقول قادرة على البناء جعلت منهم قوة متقدمة قادرة على المنافسة ، قوة لايستهان بها على كافة الأصعدة. رأينا الأطفال مع معلميهم يجوبون الشوارع وقد وضع كل منهم كمامة على أنفه وفمه ، محملين بأكياس لجمع القمامة ، يتعلمون كيف ينظفون شوارعهم، فالشارع كالبيت مسئولية نظافته لا تقع على الحكومة وحدها بل على المواطن أيضا ، أما الأجازات المدرسية فتترك عملية تنظيف المدارس على الطلاب وأولياء الأمور. اليابانيون يتحدثون بصوت منخفض ، لايصرخون ، ملتزمون بآداب الحوار الهادئ ، لم نلمح شرطيا فى إشارة مرور ، إذا وجدوا غريبا يدور ببصرة يمينا ويسارا وبين يديه خريطة البلاد ينقب فيها عن وجهته ، سرعان مايأتيك متطوعا لكى يدلك على أقصر الطرق ، وربما رافقك كما حدث معى أكثر من مرة ، اليابانيون يسرعون الخطى نحو أعمالهم عند الثامنة صباحا بملابسهم الرسمية التى أول مايلفتك إليها نصاعتها ورونقها ، لايمكن أن تقع عيناك على ألوان متنافرة أو أحذية متربة . القطارات بدون سائقين ، تصل فى الموعد المحدد بالثانية ، ثم تكمل رحلتها بمنتهى الدقة ، القطار به فرد أمن للطوارئ فقط ، فرد الأمن الذى فاجأنا عندما ترك مقعده ليعطينا ظهره ، ثم رفع يديه للأعلى وانحنى عدة مرات ، وبالطبع أخذنا الفضول فسألنا عن معنى مافعله ، فكانت الإجابة ..إنه يشكر الوطن على لقمة العيش ، البوذية هى الديانة التى تدين بها الغالبية العظمى من الشعب اليابانى ، ثم الشنتو والتى تقترب كثيرا من البوذية ، وبرغم انها ديانات ليست سماوية إلا إنهم يعملون بمبدأ( الدين المعاملة )، فعلاقة الإنسان بربه هو المسئول عنها يحاسبه عليها دون تدخل من البشر ، وما على الإنسان إلا أن يكون إنسانا ، طيبا رحيما معطاء ، يزرع الحب أينما وجد ، يسعى فى الخير من أجل إسعاد البشرية ، فيترك للأجيال القادمة ركيزة يبنون عليها ، ألا يصبح أبدا معول هدم ، تتملكه نوازع الشر كلما شاهد نجاح الآخرين. ولا يفوتنى أن أذكر أننا لم نلحظ أبدا أى تحرش بأنثى رغم الزحام الشديد بالأسواق ، المساواة بين الرجل والمرأة عنوان اليابان ، لا أحد يتلصص على من يجلس إلى جواره بالمطعم ، بالمواصلات العامة ، فى أى مكان ، لكل إنسان حريته التى لا تؤذى مشاعر الغير. من أجل هذا رأى الرئيس السيسى عند زيارته لليابان مؤخرا ، أننا فى أمس الحاجه لنقل تجربتهم فى التعليم ، لتصبح نواة لتطوير المناهج فى مصر ، بداية من المراحل العمرية الأولى ، التعليم الذى تردت أحواله ولا يرتبط أبدا بسوق العمل ، سوء العلاقة بين الطالب وأستاذه ، بين أولياء الأمور وإدارة المدرسة مما أفرز أجيالا تحمل شهادات لكنها غير قادرة على النهوض بالمجتمع ،أما الدروس الخصوصية والغش فى الإمتحانات فهما سمة التعليم فى مصر الآن . فهل نسينا أن مصر هى التى علمت الدنيا الحضارة والفنون ، النحت والعمارة ؟ مصر التى أنجبت العباقرة العقاد ، حافظ وشوقى ومحفوظ ، بلد أنجبت أم كلثوم وعبد الوهاب والسنباطى ، مجدى يعقوب ، فاروق الباز ، هانى عازر ، محمد غنيم ، فإذا أصلحنا أحوال التعليم بات من المؤكد أننا نسير نحو التنوير كما دعا عميد الأدب العربى " طه حسين " رائد التنوير فى العالم العربى ، ومن ثم يمكننا القضاء على آفة المجتمعات الآن الإرهاب ، والمصرى قادر على التحدى وقهر الصعاب ، قادر على وضع اسم بلاده على خريطة العالم بما يليق واسم مصر".


إنتهت الرسالة العظيمة من الشاعرة والأديبة الكريمة . فهل نكتب الكلام نفسه فى العام القادم أم نتحرك الى الامام ولو خطوة صحيحة على الطريق الصحيح فى مجالات النهوض وأولها التعليم لأنه أساس كالأخلاق فى بناء الانسان. وبالله التوفيق
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق