عبد الفتاح علي يكتب.. مشاهدات على بحور الوحل الذي نغوص فيه

السبت، 24 أكتوبر 2015 04:54 م
عبد الفتاح علي يكتب.. مشاهدات على بحور الوحل الذي نغوص فيه


المساواة في العدل ظلم يا سيادة الرئيس
لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار عملية العزوف الواسع النطاق عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية في مرحلتها الأولى ، بأنها استفتاء على وجود أو شرعية أو حتى شعبية الرئيس عبد الفتاح السيسي، لولا ظهوره الغريب والمريب والكمين قبيل الانتخابات لحث الجماهير على المشاركة في خطاب أحسن فقط فيه عندما قرأه نصا دون زيادة أو نقصان، أو خروج أو ارتجال.
لكن حتى مع تقدمه صفوف المتقاعسين والمسئولين عن هذه النتيجة العاكسة لواقع جديد، فإن الأمر لم يخل من مشاهدات في جملتها شديدة الخطورة، وإن صاحبها حماقات خرجت من ألسنة مسئولين كبار، كالوا للشعب المصري إهانات أقل ما توصف بأنها تعكس انحدارا ثقافيا وسياسيا، بقدر الدنو الاخلاقي منقطع النظير الذي يغرقون فيه حتى آذانهم.
المشاهدة الأولى أن الانتخابات التي نحن نعيش في أجوائها قد شهدت قبيل بدايتها الرسمية أكبر عملية تدخل أمني وسياسي لم يسبق له مثيل في تاريخ العملية السياسية والانتخابية في مصر، حتى في أسوأ عهودها على الإطلاق عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
فقد قامت شخصيات أمنية تتبع أجهزة سيادية بالاتصال بعدد واسع من الشخصيات السياسية، تأمرها بالقيام بأفعال وتحالفات وانقلابات سياسية، كلها تصب في اتجاه واحد، ولمصلحة مرشحين بعينهم ولقائمة محددة، بات اسمها الشعبي قائمة "السيسي".
المشاهدة الثانية أن عمليات حث وتشجيع المواطنين على النزول لم تبدأ إلا بعد أن رسخت في أذهان الغالبية الكاسحة فكرة العزوف، وبعد أن ترسخها، خرج الرئيس فجأة يدعو الناس للمشاركة، وكان من الطبيعي أن يستجيب للرئيس البقية الباقية من المواطنين الذين لا زالوا مؤمنين به وبقدرته وبشخصه وبنقاء سمعته، وهم في غالبيتهم جمهور الإعلامي توفيق عكاشة ومنافسه الإعلامي أحمد موسى.
هذه المجموعات التي خرجت تلبي نداء السيسي، تحمل من الطيبة والصدق ما لو وزع على أهل الأرض لكفتهم، دون أن يطلبوا المقابل، ودون حتى أن يعرفوا السبب، فهم في اعتقادهم جنود إنقاذ مصر، وهم أبطال تحيا مصر، حتى لو كانت مصر التي نزلوا لإنقاذها، من عدو وهمي، مختلفة عن مصر التي تحاصرهم بالجوع والفقر وغلاء الأسعار، وفحش رجال الأعمال المدللين والمقربين.
المشاهدة الثالثة، أن البعض بدأ فور الانتهاء من عمليات فرز الأصوات يصرخ وينادي بأن الكنيسة لعبت دورا كبيرا في ترجيح فوز القائمة التي تحمل شعبيا اسم الرئيس، ومنحت عددا كبيرا للغاية من أنصار المصريين الأحرار فرصا هائلة (لم يكن يتوقعونها) لدخول الإعادة، ومن ثم الاقتراب أكثر وأكثر من الفوز بالمقاعد التي يتم الإعادة عليها.
هؤلاء لهم أسانيدهم، وهي عملية ربط بسيطة بين الانتخابات البرلمانية الماضية التي لم نسلم بعد مما علق في قلوبنا وعقولنا من أوزارها، وتلك التي نغوص في وحلها الان، حيث ربطوا بين الكتل التي خرجت بأوامر من الكنائس في الاستحقاقين البرلمانيين، والتي لم تختلف كثيرا بينهما، لكن ما جعلها في المرة الاولى لا تكاد تذكر، وفي المرة الثانية فعالة ومرجحة، هي نسبة المشاركة العامة، التي ما أن ترتفع لا تبقي أثرا لها، لكن ما أن تنسحب وتنقص، تظهر القوة الافتراضية للكتلة، فتتحول إلى قوة تقيم وتقعد، وتميت وتحيي، وتنجح وتسقط، وهذا ما جرى.
ويتمادى أصحاب هذا الرأي في اثبات وجهة نظرهم، عندما عكسوا التعداد الحقيقي للاخوة المسحيين في محافظات المرحلة الأولى، على أرقام أصوات المرشحين في الدوائر التي بها شعب قبطي متدين ينصاع لارشادات الراعي التي حملها إليهم كوسيط من أساقفة كبار في الكاتدرائية بالعباسية.
يبدو أن أصحاب هذا الرأي لهم استنتاجات تبدو منطقية، ومرتبة الى حد كبير، لكن ينقصهم أدلة وبراهين، ليس فقط عن تلك الأوامر الكنسية التي نسمع عنها ليل نهار ولم تثبت حتى الان، بل أيضا عن أعداد الإخوة المسيحيين في الدوائر والمراكز الإنتخابية، كي يتمكن الباحثين في دراسة صحة هذا الاستنتاج من عدمه.
لكن ومع ذلك يبقى هذا الرأي هو الوحيد الذي يجد له صدى، وهو الرأي الوحيد الذي يفسر تقدم مرشحين مجهولين، وأقباط، في دوائر أدمنوا السقوط فيها، وهو الرأي الوحيد الذي سيكون المدخل لفتن طائفية قادمة.
المشاهدة الرابعة، لو ان الدولة فعلت واجبها منذ البداية، وقامت بحث الناخبين قبل الانتخابات بفترة واضحة ومحددة وخاضعة للمنطق العلمي، كما حدث وفعلت في الاستحقاقين الاول والثاني لخارطة الطريق، لكنت الكتلة الكنسية قد ذابت وسط الإقبال الكثيف، ولم تعد لقائمة الرئيس نفس الحظوظ، ولا لمرشحي المصريين الأحرار نفس الفرص لاقتناص المقاعد التي كانت بعيدة عن شنب الممول والداعم الذي سيفرض بعد حين أجندته، ويجلس على موائد التفاوض يفرض شروطه ويحصد ثمار ما أنفق مما نهب وكوش.
المشاهدة الخامسة حتى لو صدقت نظرية المؤامرة التي سيلعب عليها الكثيرين في جولة الإعادة، وسيشعل نارها الراغبين في الفوز على أطلال وأنقاض الوحدة الوطنية من مرشحين وأنصار، فإن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن المال قد لعب في هذه الانتخابات دورا حاسما في أغلب المقاعد الفردية التي اقتنصت الفوز في الجولة الأولى، على عكس كل التوقعات.
ليس هذا فحسب، فإن قوة المال، عوض النقص في المشاركة العامة، حتى في الدوائر التي كان يعتقد مرشحوا المصريين الأحرار أن أنصار الكنيسة كفلاء فوزه فيها، لكن بريق المال أحدث توازنا سرعان ما طبب كفته، فذبلت الكتلة الكنسية مع المشاركة المظللة بالبنكنوت.
المشاهدة السادسة أن من أشار إلى الرئيس بالخروج على الجماهير، وحثهم على المشاركة، قد نال من هيبة الرجل، ودفعه دفعا نحو لون سياسي بات مكروها، في قطاع واسع، وجعله أسير تجار السياسة، ومخطوفا في اتجاه حاول جاهدا طيلة الفترة الماضية أن يكون مثالا للعادل الظالم، الذي يمنح الجميع الحق في التواجد والحق في المشاركة، دون أن يدرك، أنه ساوى بين معدم وملياردير، وأقام العدل بين ميت وحي، وبقى على الحياد بين ذئب ونعجة.
العدل ليس مساواة في سباق بين كسيح وصحيح، ولا في اختبار بين جاهل ولئيم، العدل أن تأخذ من الملياردير وتعطي المعدم، أن تحمي النعجة من أنياب الذئب، أن تعلم الجاهل لا أن تجعله مسخرة في يد اللئيم، أن تداوي المريض لا أن تجعله بائعا في سوق الأعضاء البشرية، أن تطعم المسكين، لا أن تجعله ذليلا ينتظر بقايا تسقط من موائد التافهين والمنافقين والمتسلقين والمبنطحين.. والمخبرين.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة