حرائق.. حرائق.. حرائق!
الإثنين، 16 مايو 2016 06:24 م
لا مبالغة صادمة إن قلنا أننا فى حالة حريق واحتراق منذ الشرارة الأرلى لحريق يناير الأم والأب والجد. لا أظن أيضا أن كثيرين ممن يعتبرون يناير هو ثورة بكل مقاييس الرغبة فى الاصلاح، العدالة والحرية، باتوا يصدقون أن حريقا من أى نوع، فى أى شهر هو حريق لطيف، عليل، جميل، يأتى فقط على جذور الفساد فيمضغها ويحيلها رمادا، ويقتلع أسس الطغاة ويلقى بهم فى جهنم! ربما كانت المكابرة فى الاعتراف بأن ينايرهو بالفعل أبو وأم وخال وعم الحرائق، ما نشب منها وما لم ينشب، وما سينشب عاجلا وآجلا،هو خيبة الأمل المصاب بها شرفاء كثيرون، سخطوا، وغضبوا، وطمحوا إلى جديد وتجديد، فإذا بهم يتحسرون على النتائج، وعلى أنه جرى استخدامهم فى عملية حرق شاملة، مخططة، بأيدى أمريكية قطرية تركية، انهار فى أعقابها الأمان، وتوحشت الأسعا وعلا السعار العام، وحلت البطالة كالمصيبة فى كل بيت، ليس فقط للأبناء بل ضربت البطالة الأب الذى كان يوفر الحدود الدنيا التى يحتاجها شاب عائش مجرج، فى بيت أبيه إلى أن تفرج!
اليوم لا تفرج، بل تحرق، بل تحترق، منا فينا، تطوعا للعدوان وخيانة للوطن.
حريق الرويعى، وحريق النقابات،الصحفيين وقبلها المحامين، والأطباء والصيادلة والمعاشات، وحريق النخيل بالواحات وحريق مديرية أمن الجيزة، وحريق خمسين فدانا من القمح، وما قد يشتعل حتى ظهور هذا المقال فى موعده السبت، كلها جميعها، مؤشرات على أن هناك فتنة، والمفتونون، عارفون أنها فتنة، وأنهم ضالعون فى إشعال النيران، ومدركون أن الحرائق التى لم تبلغ بعد ملابسهم ستشتعل فى بيوتهم وتلتهم أطفالهم وأحفادهم ونساءهم.
حين أحضر اجتماعا عاما، أوجلسة خاصة لأصدقاء، أو جلسة على مقهى، أو أشهد حوارا بين صديقين، أو حتى مكالمة تليفونية، أحب ان أرصد الوجوه وملامحها. وأرى الشئ ذاته معى أنا أيضا. تبين لى، أن اهم وأخطر ثلاثة أعضاء فى الجسم الانسانى الحى المفتون حاليا المسمى بالمواطن المصرى هم اللسان، والعيون والقبضة. لن أقول اليد، بل أقول القبضة، لأن الحوار صار فى قبضة، لا انفراجة. يبدأ الحوار، اقول هذا وأتصوره نقلا من مشاهدات حية، فى اجتماع الاهرام لكبار الصحفيين الأخير، ونقلا عما جرى فى اعتصام النوشتاء من الصحفيين التابعين للاشتراكيين الثوريين والابريليين، أقول أن الحوار يبدأ بأحدهما يقدح شررا من عينيه، وتتوتر كفه، ويتجهم وجهه، ويسحب بالعميق من جوفه أعلى طبقة صوت، وعلى الجملة يصير، امامك أنت محدثه أو محاوره، كرة لهب متدحرجة، أو لفة سلك مكهرب تكهربك، وتنقل عدواها إليك. عندئذ ليس أمامك سوى أمرين: الأول أن تتحول مثله الى هيئة المخبول المجنون الموتور التور المكهرب، أو تتمسك بثباتك الانفعالى، وتتحفظ على لسانك وتكبح قبضتك، لأنك إن فعلت انقلب الموقف الى نهايتين أو احداهما: أقرب قسم شرطة أو مستشفى!
كلنا فى حال من التوفز والتحفز، لمجرد اثبات ان احدنا هو الصح والآخر هو الغلط. كلانا اتخذنا هيئة النطح فى ادارة الحوار، لم تعد تصدر منا اصوات معبرة باللغة الوقورة الملطفة الباحثة عن حل، بل صار خوار وخواء. هل لدينا موضوع أوقضية يثور حولها هذا البركان الهادر باللعنات والحمم؟
نعم لدينا بالطبع قضية الوطن. المكان والزمان والبشر والدولة. ما الهدف؟!
الهدف الحفاظ عليه ورفعته وتقدمه وتطويره. لماذا نختلف؟ نختلف لأن فينا مواطنين، نحن نراهم مواطنين، ودستور الوطن يعتبرهم مواطنين، لا يعترفون بالوطن، ويرونه مجرد حفنة من تراب عفن!!
يرى الارهابيون والعملاء معا، الابريليون وبتوع الدفاع عن حقوق الانسان الارهابى الاخوانى الامريكى الاسرائيلى، المصرى لا لا، أن مصر.. مصر.. مصر.. شوية تراب عفن!
الآ قطعت ألسنتكم يا نسل الحرام!
مادامت قلة ونحن اكثرية، فلماذا الحيرة والتعب والقلق فى مواجهتها؟
السرطان ورم صغير، ينمو بخبثه، ويتوغل ويلتهم الجسد الكبير، ولا يتوقف الإ بالكيماوى او الاشعاعى بعد الاستئصال. الإخوان ورم خبيث نشيط شرس. السلفيون ورم خبيث كامن، ينشط فى الهوجه العامة ويقب، كالطفح الجلدى. يلبد فى المفاصل من جسد مصر والدولة، حتى إذا لمح ضعفا شارك فى الانقضاض، ولو راى قوة انحسر وانكمش وتشرنق مبتسما مدعيا المهادنة. الابريليون والاناركيون، الاشتراكيون الثوريون يعنى، هم ايضا ورم شرس خبيث، موصول الغذاء بأم لقيح السرطانات فى العالم الحديث، المخابرات الأمريكية!
ليس حريق الرويعى المدمر هو آخر الحرائق، لأن مستصغر النار موجود فى قلوبنا وعقولنا وأطراف أصابعنا. أصابعنا عيدان كبريت، وقلوبنا جمرة، وعقولنا خزان بنزين، ولا هوادة فى التنازع، والمنازعة، بل اصرار عجيب، يستحى منه الشيطان حتى، على الاحتراق الذاتى وعلى حرق الغير!
الآ فلنغور جميعا.. لكن لا تحرقوا الوطن.. لا تحرقوا مصر. من يرد الموت فليذهب وحده إلى قبره.
دعوا الحياة تعيش.. دعوا مصر تعيش.. لأولادكم وأحفادكم تعيش وتحيا.