"لورانس ما بعد العرب": تجسيد جديد لشخصية بريطانية محيرة
الأحد، 15 مايو 2016 05:09 ص
اهتمام لورانس بالشرق الأوسط انبثق عن شغفه بالتاريخ والآثار وفي الحرب العالمية الأولى عمل مع المخابرات البريطانية خلال القتال ضد الأتراك
الصورة التي تشكلت في أذهان معظم الناس عن الكاتب "تي إي لورانس" هي شخصيته التي ظهرت في فيلم "لورانس العرب" للمخرج ديفيد لين.
لكن ذلك كان قبل أكثر من نصف قرن، ويرى الكاتب المسرحي البريطاني هوارد برينتون أن هناك أمور يمكن إلقاء الضوء عليها عن لورانس تجعله مرتبطا بعالمنا اليوم.
يقول برينتون إن شخصية لورانس كانت تجمع بين الفنان والرجل العملي والشخص الذي يعشق الشهرة، لكنه كان يعاني نوعا من الاضطراب الداخلي.
ويؤكد برينتون، الذي اكتسب شهرته كأحد أكثر كتاب المسرح البريطاني تناولا للقضايا السياسية في أعماله، إن مسرحيته الجديدة التي بدأت تُعرض في مسرح "هامستيد" بعنوان "لورانس ما بعد العرب" ليست ذات طابع سياسي.
وقال: "إنني في منتصف السبعينات من العمر وأكتب منذ 50 عاما. وبوصفك كاتبا في هذا العمر فإنك تفكر في الأمور الأولى والأخيرة. لقد أذهلتني شخصية لورانس وانقسام الولاءات الذي شعر به كضابط مخابرات في الجيش البريطاني يدعم أيضا الاستقلال العربي. لقد مزقه ذلك (نفسيا)."
وأضاف: "في عام 1916، لعب (لورانس) دورا في الثورة العربية ضد الأتراك، وإذا نظرت إلى ذلك الآن فإنه يجب عليك أن تفكر كيف أن الطريقة التي قسمت بها القوى الكبرى، وبشكل أساسي بريطانيا وفرنسا، الجزيرة العربية قد شكلت العالم حتى اليوم."
ولهذا السبب فإن الجمهور ربما سيشعر بالدهشة بأن الكثير من أحداث المسرحية الجديدة لا تجري تحت سماء الصحراء لكن داخل المنزل الرائع للكاتب الأيرلندي جورج برنارد شو وزوجته شارلوت باين-تاونسند والواقع في مقاطعة "هارتفوردشير" بانجلترا.
جيرالدين جيمس تلعب دور زوجة برنارد شو في "لورانس ما بعد العرب"
كان لورانس في فترة من الفترات يزور منزل برنارد شو باستمرار. ورغم أن معظم المعلقين يعتقدون أن لورانس كان مثلي الجنس، فإن علاقة معقدة جمعت بينه وبين باين-تاونسند (الدور الذي تؤديه جيرالدين جيمس)، وهي العلاقة التي تقع في قلب هذه المسرحية في نواح عديدة.
ولد لورانس مثل باين-تاونسند لأسرة تنتمي لطبقة من الأنغلو الأيرلنديين. وانبثق اهتمامه بالعرب من واقع شغفه بالتاريخ والآثار.
أراد لورانس أن تحقق الجزيرة العربية استقلالها، لكنه سعى إلى تحقيق الشهرة لنفسه. وأرّخ لورانس في كتابه "أعمدة الحكمة السبعة" (الذي نشر للمرة الأولى عام 1922) للثورة العربية. ولم يقلل هذا الكتاب من أهمية ما اعتبره لورانس دوره الحاسم، وقد ساعد الكتاب في شهرته.
الفيلم الذي أنتج عام 1962 وهو من بطولة "بيتر أوتول" قد صنع نجومية أوتول، وعزز أيضا هذا الفيلم من أسطورة لورانس. وقبل ذلك بعامين، كتب تيرنس راتيغان مسرحية "روس" التي ركزت أيضا على لورانس وكانت من بطولة أليك غينيس.
وأعيد إنتاج هذه المسرحية مرة أخرى في "مسرح مهرجان تشيشستر" في الشهر التالي وأدى الدور الرئيسي فيها جوزيف فاينس.
وفي المسرحية التي بدأ عرضها على مسرح "هامستيد" يؤدي دور لورانس الممثل جاك لاسكي، الذي اشتهر بدوره في مسلسل "انديفور". ويقول لاسكي إنه شاهد فقط لقطات من أداء أوتول في الفيلم الشهير، وأنه حاول أن ينأى بنفسه عن الفكرة التي تبناها الممثلون الآخرون والسيناريوهات الأخرى عن لورانس وأفعاله.
ويضيف لاسكي: "يجب أن يكون (الأداء في هذه المسرحية) هو تفسيرنا نحن لشخصيته، وإلا فإنها لن تنجح. كل التفاصيل الموجودة في سيناريو هاوارد مدعومة بالقراءة عن لورانس وقراءة ما كتبه لورانس نفسه."
وتابع: "لا زلت أقرأ (كتاب) أعمدة الحكمة السبعة شيئا فشيئا. إنها رواية طويلة وجذابة عن هذه الفترة، وكُتبت بطريقة رائعة."
واعتبر أن "هناك الكثير جدا من التناقضات. لقد أراد لورانس أن يكون في دائرة الضوء، لكنه أراد أيضا أن يظل غير معروف. من الواضح أنه شعر بالذنب لأنه اعتقد أنه خدع العرب في الحرب، وأنه وعد بأمور لم تكن لندن لتسمح بها مطلقا. لقد شعر بأن يجب عليه أن يكفر عن ذلك."
وقال: "إنه غاضب من بلده، لكنه ربما يشعر أيضا بالاستياء مما فعله وما لم يفعله على المستوى الشخصي. هناك الكثير يجب على الممثل تناوله (في شخصية لورانس)."
أحد الجوانب التي نوقشت بشكل أكثر حرية في العقود الأخيرة هي الميول الجنسية للورانس. ويقول لاسكي إن ذلك ليس هو محور تركيز المسرحية، لكنه أمر ينبغي عليه التفكير فيه.
وأضاف: "في الجزيرة العربية وجد (لورانس) قدرا أكبر بكثير من الارتياح إزاء روح المودة التي أبداها الرجال وهو نفسه استمتع بذلك. ويكتب (لورانس) عن هذه المودة في الأعمدة السبعة. يعتقد بعض الناس أنه كان مخنثا بشكل أساسي، لكن المسرحية لا تعلق على هذا الأمر حقا."
وأردف قائلا: "لكنه من الواضح أنه اكتشف حرية جديدة في الجزيرة العربية وأنا متأكد أن ذلك كان جزءا من حبه الحقيقي لهذا المكان. بالنسبة له كانت جزيرة العرب مكانا يمكنه الاختباء فيه. وهناك الكثير من الأمور في المسرحية تتعلق بالشهرة والمشاكل التي قد تسببها. وهذه واحدة من الأمور التي يتردد صداها في حياتنا اليوم."
ويقول كاتب المسرحية برينتون إن من المهم أن يعرف الناس أن لورانس كان لديه مزاج فني.
وأضاف: "لكنه كان محاربا أيضا. كانت هناك فترة اضطر فيها (لورانس) للقتل دون تردد. والكتابة عن الأمور المحطمة والأشخاص المحطمين هو أمر يمكن أن يكون مفيدا."
الكاتب المسرحي هوارد برينتون (يسار) يقول إن لورانس كان "رجلا مثيرا للاهتمام بصورة اسثتنائية"
وتابع: "بالرغم من أنني لا أعرف مسرحية راتيغان، فقد شاهدت فيلم لين الذي يسخر منه الناس أحيانا. في واقع الأمر فإن المسرحية جيدة من ناحية هذا المزج الغريب بين القوة ونقاط الضعف."
وأوضح: "أعتقد أن تي إي لورانس كان لديه (في شخصيته) جانب ساذج وبريء سمح له بفعل أمور غير عادية. نابليون بونابرت كانت لديه نفس السمة."
ويقول برينتون إنه سيكون من الحماقة افتراض أن آمال لورانس إزاء العالم العربي كانت، إذا تحققت، ستجلب السلام الدائم للمنطقة.
وتساءل: "من يمكنه القول كيف كان من الممكن أن يتغير التاريخ؟ لكن وجهة نظره الرئيسية كانت بسيطة جدا: وهي أنه إذا فرضت القوى الأوروبية الكبرى بعد الحرب حدودا جديدة تتجاوز حدود القبيلة والولاءات، فإنها كانت تسعى بذلك للمشاكل."
انتهت حياة لورانس في منتصف العمر بعيدا عن الجزيرة العربية، إذ أنه توفي عام 1935 في دورسيت في حادث دراجة نارية. ومنذ ذلك الحين، اعتبره البعض كاتبا كبيرا، بينما يرى آخرون أنه في أفضل الأحيان يمثل علامة هامشية على الأيام الأخيرة من الإمبراطورية.
يقول برينتون إن إعجابه بشخصية لورانس زاد بعد أن كتب المسرحية عنه. ويضيف: "هناك أشخاص يمقتونه بشدة، ولا يعترفون تماما بشهرته، التي يرونها مبالغا فيها."
وأردف: "لكنني أعتقد أنه كان رجلا مثيرا للاهتمام بشكل استثنائي مزقته معضلة الإمبراطورية البريطانية، وبالنسبة لي فإن هذا الأمر جعل منه شخصية تستحق الكتابة عنها".