تدافع الشرق والغرب الليبي على قتال «داعش» في سرت
الخميس، 28 أبريل 2016 01:22 م
رغم ظهور تنظيم «داعش» في ليبيا قبل أكثر من عام، إلا أن التدافع على قتاله لم يكن كما هو عليه الحال الآن من قبل القوات التابعة لـ"مجلس النواب" المنعقد في مدينة طبرق شرقًا، وتلك التابعة لـ"المؤتمر الوطني العام" في العاصمة طرابلس غربًا.
دافع من طرفين متناحرين رأى مراقبون وخبراء سياسيون ليبيون، في أحاديث مع الأناضول، أن هدفه هو الفوز بالدعم اللوجيستي الذي وعد الغرب بتقديمه للأطراف التي ستتولى قتال "داعش"، لافتين إلى أن قتال هذا التنظيم الإرهابي بات "ورقة سياسية" يستخدمها الجميع لإثبات وجوده.
وكان تنظيم "داعش" ظهر في ليبيا العام الماضي، ويعتبر مراقبون أن الفيديو الذي بثته التنظيم لعملية إعدام 21 مسيحيًا مصريًا في مدينة سرت، شمال وسط البلاد، على البحر المتوسط، في 13 فبراير من العام ذاته، كان بمثابه إعلان رسمي من التنظيم عن ظهوره في هذا البلد العربي، رغم وجود عمليات نوعية منسوبة له قبل هذه العملية.
وسيطر التنظيم على سرت منذ مايو الماضي؛ بعد انسحاب "الكتيبة 166"، التابعة لقوات "فجر ليبيا"، والتي كانت مكلفة من قبل "المؤتمر الوطني" بتأمين المدينة.
ورغم مرور أكثر من عام على ظهور "داعش"، لم تتخذ القوات الليبية سواء تلك التابعة لـ"مجلس النواب"، أو االتابعة لـ"المؤتمر الوطني" خطوات جادة على الأرض لقتال التنظيم، قبل أن يتبدل الحال خلال الأسبوع الجاري.
إذ أعلنت "القيادة العامة للقوات المسلحة"، المنبثقة عن "مجلس النواب"، أمس الأربعاء، اكتمال استعداداتها لخوض معركة تحرير سرت من قبضة تنظيم "داعش".
وأكد خليفة العبيدي، مدير مكتب الإعلام بالقيادة العامة، في بيان حصلت الأناضول على نسخة منه، أن "القوات المسلحة الليبية أصبحت في جاهزيتها الكاملة لمعركة تحرير مدينة سرت، وتخليص أهالي المدينة من تنظيم داعش الإرهابي".
وقال: "القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن خليفة حفتر، وضع وأشرف وتتبع سير خطة هذه المعركة".
ولفت العبيدي إلى أن "القوات المسلحة في انتظار أوامر القائد العام للقوات المسلحة لتتحرك باتجاه المدينة (سرت)، وقوات الجيش ستكون بالمرصاد لهذه الجماعات التي سقطت عروشها في بنغازي، وستسقط قريبًا جدا في سرت"، حسب البيان.
على الطرف الآخر، أعلن عدد من كتائب ثوار مدينة مصراته، التابعة لقيادة أركان الجيش الليبي، المنبثقة عن "المؤتمر الوطني"، في بيانات منفصلة، خلال اليومين الماضيين، استعدادها للتوجه إلى سرت لتحريرها من قبضة تنظيم "داعش".
وقال مسؤول عسكري من القوات التابعة لـ"المؤتمر الوطني"، للأناضول، إن ثوار مدينة مصراته، أحد مكونات قوات "فجر ليبيا"، وكتائب أخرى من غرب البلاد، بدأت بالفعل معركة تحرير سرت من قبضة "داعش"؛ حيث وجهت تلك الكتائب ضربات جوية للتنظيم في سرت قبل يومين.
المسؤول العسكري الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أضاف: "تلك الغارات تمت بواسطة الطيران الحربي الذي أقلع من الكلية الجوية بمدينة مصراته، واستهدف بعضها بوابة الستين (أحد بوابات سرت من جهتها الغربية)، والتي تشهد تمركزًا كبيرًا لعناصر داعش".
وتداركًا لما يجري أصدر المجلس الرئاسي لـ"حكومة الوفاق الوطني"، الليبية المنبثقة عن جولات الحوار السياسي الليبي في مدينة الصخيرات المغربية، في ديسمبركانون أول 2015، بيانًا في الساعات الأولي من صباح اليوم الخميس، طالب خلاله من سماهم بـ"القوى العسكرية الليبية" بانتظار تعليماته "بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي"، وفقًا لما نص عليه اتفاق الصخيرات، الذي اعتمده "مجلس النواب" في 25 ينايركانون ثان 2016 بـ"تعيين قيادة مشتركة للعمليات العسكرية في مدينة سرت، وتوحيد الجهود تحت قيادة المجلس الرئاسي".
وفي الوقت الذي ثمن فيه المجلس عبر بيانه الذي تلقت الأناضول نسخه منه، ما وصفه بـ"التدافع" لمحاربة تنظيم "داعش"، اعتبر كل من يخالف تعليماته "منتهكًا للقوانين العسكرية، ومعرقلًا للجهود المبذولة لتوحيد الصف لمحاربة الإرهاب".
كما أعرب المجلس الرئاسي الليبي عن قلقه من أن تتحول معركة تحرير سرت إلى "مواجهة بين هذه القوى العسكرية، وقد تجر البلاد إلى حرب أهلية يكون المستفيد الأول منها تنظيم داعش"، في إشارة إلي أن الأطراف التي أعلنت عن حرب سرت متناحرة، وسبق أن خاطت معارك ضد بعضها.
كما هدد المجلس الرئاسي "وفقا للتخويل الممنوح له من اتفاق الصخيرات" بالعمل "على كبح جماح أي طرف يحاول المتاجرة بقضايا الوطن العادلة، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب؛ لتحقيق مصالح ومكاسب شخصية أنية ضيقة"، علي حد تعبير البيان.
مراقبون وخبراء رأوا في أحاديث مع الأناضول أن تدافع قوات الشرق والغرب الليبي نحو الإعلان عن قتال "داعش" هو تسابق بينهما لكسب الدعم اللوجيستي الغربي.
وحول ذلك، قال أحمد عبد السلام قاسم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة طرابلس، إن "ما تشهده حرب تحرير مدينة سرت من قبضة داعش هذه الفترة من قبل طرفين عسكريين مناهضين لبعضهما هو محاولة لكسب الدعم الدولي، الذي وعد به المجتمع الدولي في سبيل محاربة التنظيم".
وكان الاتحاد الأوروبي ودول غربية أعلنوا، خلال الفترة الماضية، عبر بيانات وتصريحات متكررة، استعدادهم لدعم ليبيا بكل الإمكانات في حربها ضد تنظيم "داعش" الذي يسيطر علي أجزاء منها، مشترطين أن يتم ذلك بطلب من "حكومة الوفاق" وبقيادتها.
قاسم أضاف أن "القوى العسكرية التي أعلنت أنها ستحرر سرت، والمتمثلة في جيش البرلمان المنعقد شرق البلاد، والقوي المناهضة لها من الثوار التابعين للمؤتمر الوطني في غرب البلاد، هما الاثنان يسعيان للاستفادة من الدعم اللوجستي الذي سيقدمه الغرب في المعركة ضد داعش في المدينة".
ورأى أنه "في حالة حصل أحد تلك الأطراف على ذلك الدعم سيكون القوة العسكرية الأكبر في ليبيا".
من جانبه، شكّك محمد اللافي جويده، نائب رئيس تحرير جريدة "اليوم" الليبية (خاصة) في جدية تلك الإعلانات من قبل المجموعات العسكرية المختلفة في شرق وغرب ليبيا لتحرير سرت من قبضة "داعش".
وقال إن "تلك الإعلانات لن تتعدي كونها إعلان فقط لن ينفذ علي أرض الواقع، وما هي إلا محاولة لكسب التأييد المحلي والدولي لتلك الأطراف".
وأضاف: "كل الكيانات العسكرية في ليبيا تريد أن تقول للعالم إنها وحدها من يحارب الإرهاب والتطرف"، معتبرًا أن "مدينة سرت اليوم أصبحت ورقة سياسية كاسبة سيساوم بها أي طرف لإثبات وجوده".
ودلل جويده علي صحة كلامه بقوله "سرت محتلة من قبل تنظيم داعش منذ أكثر من عام.. لماذا إذن لم يحاول أحد تحريرها إلا خلال هذه الفترة الحرجة؟ والجواب هو أن طوال العام الماضي كان الدخول في معركة ضد داعش في سرت لم يكن سيجلب أية مكاسب سياسية أو لوجستية لأحد من تلك المكونات العسكرية التي أعلنت اليوم أنها ستحارب التنظيم".
وتابع الصحفي الليبي: "قوات الفريق خليفة حفتر التابعة للبرلمان لازالت تخوض معارك ضد تنظيم أنصار الشريعة وداعش في بنغازي منذ عام ونصف، أما قوات الثوار التابعين للمؤتمر في غرب البلاد خرجوا منذ فترة قصيرة من معارك طاحنه استمرت عام كامل ضد كتائب مدينة الزنتان وورشفانه؛ أي أن القوتين منهكتان، وقد فقدتا جزءا كبيرًا من قوتهما خلال تلك المعارك".
وتساءل مستنكرًا "كيف ستدخل القوتان في معركة ضد داعش في سرت وهو بقوته الحالية؟".
وفي مقابل كل ذلك، أعلن تنظيم "داعش" في مدينة سرت حالة النفير تحسبًا لأية هجمات قد تُشن ضده خلال الفترة القادمة، حسب ما تحدث سكان في المدينة لوسائل إعلام ليبية محلية.
سكان مدينة سرت لفتوا إلى أن سيارات تابعة لما يعرف بـ"ديوان الحسبة"، التابع للتنظيم، جابت شوارع المدينة، وعلى متنها عناصر من التنظيم يطلقون نداءات للجهاد ومواجهة ما أسموهم بـ"الكفرة".
وأفاد السكان بأن التنظيم يبث خلال هذه الأيام عبر الراديو المحلي المسيطر علية أناشيد حماسية لتحفيز عناصره لخوض أية معارك محتملة، كما قام بحشد مقاتليه غرب سرت في منطقتي وادي جارف، والظهير.
وخلال المرحلة الانتقالية التي تلت إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي في ليبيا عام 2011، حدث انقسام سياسي في ليبيا تمثل في وجود حكومتين وبرلمانيين وجيشين يعملون في البلاد في آن واحد، إذ كانت تعمل في طرابلس "حكومة الإنقاذ الوطني" و"المؤتمر الوطني العام" (بمثابة برلمان) ولهما جيش انبثق عنهما، بينما كان يعمل في الشرق "الحكومة المؤقتة" في مدينة البيضاء و"مجلس النواب" في مدينة طبرق، ولهما جيش آخر انبثق عنها.
قبل أن تتفق الأطراف المتصارعة في ديسمبركانون أول 2015، وعبر حوار انعقد برعاية أممية في مدينة الصخيرات المغربية، على توحيد السلطة التنفيذية في حكومة واحدة هي "حكومة الوفاق الوطني"، والتشريعية في برلمان واحد، هو "مجلس النواب" في طبرق، إضافة إلى توحيد الجيش، وإنشاء "مجلس أعلى للدولة" يتشكل من أعضاء "المؤتمر الوطني العام" في طرابلس، وتتمثل مهامه في إبداء الرأي لحكومة الوفاق الوطني في مشروعات القوانين والقرارات قبل إحالتها إلى مجلس النواب.