الشعر وما بين الكلمات

الثلاثاء، 19 أبريل 2016 06:25 م
 الشعر وما بين الكلمات
كمال الهلباوي يكتب


قرأت كتاب الشعر المعنون : بين الكلمات، للكاتبة الشاعرة الأديبة مريم توفيق . حتى الناشر إسمه جميل : مكتبة جزيرة الورد . دعتنى الشاعرة المجيدة مع مجموعة من الشعراء والأدباء والفنانين والنقاد وغيرهم ، لحفل مناقشة الكتاب مساء يوم السبت 16/4/2016 فى نادى الأدباء بالزمالك . سعدت بالدعوة لأن الشعر الصادق يفرض نفسه ، ويوضح المشاعر والأحاسيس الصادقة. فكما يقولون، من قصد البحر استقل السواقيا. والأستاذة الشاعرة مريم توفيق، شعرها بحر يغوص فى اصدافة الغواصون ، ويستخرجون منه الكنوز العظيمة . تعليقى على الكتاب والكاتبة سأوضحه فى الحفل ، وأستكمل نشره فى الأسبوع القادم.

وأكتفى هنا بالتأكيد على ما قاله الفنان القدير الأستاذ سمير فهمى عن ديوان : بين الكلمات للشاعرة والأديبة الأستاذة مريم.


يقول الرجل: قدمت الشاعرة المبدعة "مريم توفيق" ديوانها الشعرى الجديد (بين الكلمات)الذى يحتوى على (تسع وأربعين) قصيدة، تدور جائلة باحثة بين أبيات ونبضات أحاسيسها، التى بثتها فى سطور ملتهبة وكلمات نارية ، ضمنتها كل قصائد الديوان تبحث من خلالها حائرة على أمل منشود يحيرها ويضج صائحا ثائرا : أين الأمل ؟.


هل هو سراب بعيد تراه العين فتسرع إليه لاهثة ، فتكتشف أنه سراب إذا حاولت الأكفّ أن تقبض عليه تفاجأ به بخارا سرمديا تلاشى فى فضاء لا حدود له ، فنجد فى أولى قصائدها والتى اخترتها لتحليلها ( أمس حارق ) أن الشاعرة "مريم توفيق" فى الجزء الأول من تلك القصيدة الملأى بمشاعر العشق الدفاق تناجى حبها المنشود قائلة : كم أهديتك العمر قربانا .. البدر فى عينيك أرسمه ليهدينى الحب ، ولكنها تكتشف أن هذا الحب الذى تنشده ومن أجله قدمت العمر قربانا ماهو إلا سراب خادع وسقطة مأساوية كتلك التى يسقط فيها البطل التراجيدى فى المآسى الإغريقية ببراءة شديدة ، دون أن يدرك أنه ارتكب خطأ فقد معه براءته ، فتمضى شاعرتنا تنزع سيفا استقر بين جنباتها حوّل فرحها بحب ملأ حياتها بالدفء المنشود ، الى بيع رخيص لهذا الحب شأنه شأن الكثير من محبين يبيعون هواهم رخيصا عند أول مفترق طرق ، وفى مجابهة أعاصير وأمواج تعصف بالقلوب الرقيقة العاشقة الولهانة .


نجد شاعرتنا تصرخ ساخطة : حالك كحال العذارى إذا رقصت أمواج البحر سبحت بالأغنيات ترق للظلال الوارف وعذب الكلم ، تهفو للغرام ورشفات القبل لم أكن أعرف أننى فى المقل خبأتك بالخطأ ، خاننى المنطق ثم تستطرد شاعرتنا فى سخطها ونقمتها على أمل هو السراب الخادع الخائن بعينه فتقول :


أشعلت فى دمائى اليأس ، فاستبحت الشعر والنثر
حزمت أفراحى أمتعة الدهشة واتشحت كل حروفى بسواد حداد وعند غروب الشمس أتبدد بين غيوم زائفة وسماء معكوسة أشد رحالى برباط أنين.


تقول شاعرتنا "مريم توفيق" بإبداع شعرى متدفق واضح وجلى
كنت لى دوما سفينة قادنى شوق صواريها لأبحر ..
أحمل الجرح شراعا نزفه ريح البداية
أنت يا من أبدع القنص ولم تحتج لسهم لإتقان الرماية
صار عمرى مثل أشلاء ممزقة غريقة
تخنق الزفرات فى صدرى وتمتص رحيقه


إبداع لفظى ومكنونات أحاسيس متجددة صاغتها الشاعرة الملهمة " مريم توفيق " غيرت بهما معان ودلالات تعبران عن معاناة الشاعر الحديث الذى يعانى ويعانى وصولا لحاضر معقد ، محاولا أن يكتشف عوالم جديدة يستنبط من أعماقها معاناة إبداع الخيال الذى يرفع قناع الغموض عن واقع حسّى خالى من كل انفعال أو إيحاء شعرى .


وفى نهاية القصيدة الرائعة ( أمس حارق )، تصل شاعرتنا إلى الحقيقة التى أماطت اللثام عن فقدان البراءة التى كانت أحد مقومات الفعل المأساوى للبطل التراجيدى فى الإغريقيات القديمة ، وتكتشف وقوعها فى خدعة كبرى اسمها حب كانت تظنه بريئا ، ولكن براءته هى براءة الذئب من دم بن يعقوب .. وتختم ابداعها بسطور وكلمات شعرية رقيقة الأحاسيس قائلة :


هذا أنا أسائل عنك الليالى فى ظمإ لمجداف يلثم قلب النهر
صمتى يسكن صمتى بوحى يسكن بوحى
والبحر الأبيض زبد يذكرنى وحبيبى موجات من غضب ساخر
وبريق الأشواق يحاصرنى ويشاطرنى حرفى عشقى شطآنى
لم يكن البحر كلاما من ملح بل كان حروفا من شهد الأيام الأيام
هذا أنا والبحر نتبارى والعمر النشوان نتعانق فى فجر الأزمان
هذا أنا والبحر سفر ورحيل .. وبقايا اشجان) .
هكذا كانت رؤية الفنان القدير سمير فهمى لديوان بين الكلمات.


أما الشاعرة الأصيلة مريم توفيق، فقد كتبت كلمات ، سعدت بقراءتها تقول فيها عن ديوان : بين الكلمات.


" حينما أستعرض سنوات حياتى يقفز شريط الذكريات بحلوه ومرّه ، أستعيد حلما كامنا ترسخ بوجدانى منذ نعومة أظفارى ، فكم عشقت الموسيقى، وأحببت الشعر وقراءة القصص ، وكغيرى من البنات أحلم بفستان العرس وليلة زفاف رائعة ، أعيش قصة حب كما حكاوى الأساطير ، ثم أعمل جاهدة أن تبقى متوهجة بالعطاء والتفانى، فأحصد كل ماشتاقت إليه عينى ، لكن الظروف أعاقت كل ذلك ، فوجدتى بين الأرقام والحسابات ، وكل المواد التى اكرهها حينما التحقت بكلية التجارة ، ومن بعدها زواجى السريع وسفرى لإحدى دول الخليج، وأخذتى الحياة بعيدا عن أحلامى، فكم وددت أن أكون شاعرة ، وبات الوقت جله مقسم ما بين العمل وإدارة شئون بيتى وأطفالى ، وكانت للغربة عن الأهل والوطن أثمان باهظة، قضت فى الكثير من الأحيان على سلام نفسى ، لكنها جعلتنى أتوق مجددا للكتابة لأترجم الأحاسيس شعرا ونثرا ، أفضى للورق بما اعترانى من حرمان، فلا عشت حياة الرومانسية ولا تفرغت للأدب ، وباتت الحياة معاناة من أجل مستقبل أفضل كحال كل الأسر ، وما إن تزوج الأولاد حتى هرعت للمنتديات الأدبية أحاول اللحاق بما فاتنى فالأمل لا يموت بداخلى ، ولم يكن الطريق أيضا ممهدا .


قلت لنفسى : دون الشوك لن أجنى الورد ، سوف أبدأ الدرب من أوله طالما إرادتى من فولاذ ، سوف أحقق بأثر رجعى كل ما تصبو إليه روحى بإذن الله ، أعشق الفصحى لكنى كتبت بالعامية ، ونشرت العديد من المقالات والحوارات صحفية ، وظلت بداخلى تجربتى الخاصة التى تمنيت أن أحولها لعمل أدبى وكان هذا العمل هو: ( بين الكلمات ) والذى بدأته بقصيدة بعنوان " أمس حارق " استعرض فيها كل ما تجرعت من آلام وأحزان ، خداع الزمن عندما لم يأت بالحلم ، صبر فاق كل احتمالى كى أحافظ على القارب فيصل إلى شط الأمان ، واعتقد أن تجربتى هى أيضا تجربة العديد من نساء الشرق اللاتى تتفقن معى أن الرجل الشرقى لايجاهر بالحب لإمرأته فتعيش بعذاب وضجر ، لاتشكو حياء ، وإن تجرأت فلا تتعدى شكواها الكلام ، الرجل تأخذه دوامات الحياة فيصير كل شىء بينهما واجب آلى، دون لمسة حانية أو كلمة دافئة ، وظللت أتشبث بالأمل والحلم المفقود حين سطرت قصيدة بعنوان " العمر الثانى " وتشبثت بكل مااشتاقت إليه نفسى وكأنى أستعيد العمر فى العشرين من جديد ، ولم لا بالشعر والنثر كل شىء ممكن ، أناجى البحر ، أحلق مع القمر ، جمال الشروق ولحظة الغروب أشكرك ياالله على كل النعم ، أحيا فى الكوخ مع الحبيب دون صخب ، نزرع القمح ، نرتوى من ماء الورد ، وتحت دوحة الصفصاف نتبادل عذب الكلم ، النوارس عشقنا والجندول يتهادى بنا. ما أجمل الخيال حينما يمنحنا حب البقاء ، ماأجمل الكلمات شريطة أن تقال بالصدق ، من السجن نطلق الكروان للحرية فيجوب كل الأنحاء كى يحصل على الوليف فيصنعان عشهما من الهناء والفرح ، نقول : يامصر وفيك من الحب عمق وسحر سرى فى الحنايا وسر دفين ، وزهر وعطر ونجم أضاء الليالى ، وإيقاع فرح يهز القلوب ، وطهر وبدر يسافر فى زورق من حنين ، إذن ليس هناك أبدا مستحيل ، سأبدأ من جديد ، أعود لقلمى ثم أشعل قناديلى وأترك أسماعى لموسيقى الليل مع كوكب الشرق ، ورائعة أطلال " إبراهيم ناجى " شاعر مدينتى الرائعة المنصورة أسطر ما تجود به نفسى فى قصيدة " العمر الثانى " بعدما اتخذت قرارا ألا أعيش فى صومعة الآهات والبكاء .


أتذكر كل لحظة ما فات ، سأنقذ ما تبقى من العمر وأمنح الحب للنهر والطير والشجر وكل البشر . أستعيد حلم سرى فى الحنايا بالأبيات كى أترك للعاشقين كلمات وكلمات ، سأهرع إلى الأصدقاء كى أهديهم هذا الديوان ثم أقول لمعلمى : كنت دوما يد بيضاء تمتد بالحنان ، وسفينة قادنى شوق صواريها لأبحر رغم السحب والأنواء ، وخلاصة القول أننا دون الحب سوف نحيا غرباء". إنتهى كلام الشاعرة العظيمة مريم توفيق . وأنا أقول نعم إن خلاصة القول أننا دون الحب سنحيا غرباء.


وفى مقدمة هذا الحب، حب الله الخالق والرسل أجمعين بل والإنسانية التى أتمنى لها الخير. وأواصل الرأى والتقويم ، رأى الكمالين فى الأسبوع القادم، نظرا للمساحة المتاحة . أقصد رأى د. كمال زاخر ، وكاتب هذا المقال. والله الموفق

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق