" الترامبيزم " .. نهاية السحر الامريكي !

السبت، 09 أبريل 2016 04:06 م
" الترامبيزم " .. نهاية السحر الامريكي !
حسين شمردل


لم يأت الملياردير الساعي للفوز برئاسة امريكا دونالد ترامب في غير موعده ، بل جاء في الزمان والمكان الصحيحين ممتثلا لمنطق التاريخ الذي لا يتغير ابدا .
في تقديري ان امريكا " الدولة الحلم " التي صبغت العالم بنكهتها منذ نهاية الحرب الاوربية الثانية عام 1945 دخلت بصعود " الترامبيزم " مرحلة الشيخوخة التي لا معقب لها الا الموت بمعناه التاريخي ، وان كنت اتوقع ان تطول سكراته ، ولعلها لا تفقد الروح ، وتصبح " دولة عادية " الا في النصف الثاني من القرن الحالي .
ليست تنبواءت ولا اماني ، انما هي استقراء لمنطق التاريخ الذي لا يزال مصدر إلهام لمن يخلص في البحث ، ويجتهد في الفهم ، إليس التاريخ هو ظل الانسان علي الجغرافيا كما قال ديجول ، وإليست فيه مفاتيح الحكمة كما شرح ابن خلدون وافاض ؟
" 2 "
في عام 2010 اصدر الكاتب الامريكي الهندي الاصل - فريد زكريا ما اعُتبر في حينه التنبيه الاعلي صخبا لإقتراب موعد نزول الستار علي دور رئيس مجلس ادارة العالم الذي خرج من الازمة المالية عام 2008 منهكا ، وفقد 40 تريليون من الدولارات في ضربة واحدة ، كثير منها كانت من اموال العرب الاثرياء ، وحذر الكاتب - الحامل لحكمة الشرق علي ظهره - مما وصفه ب " الضعف السياسي " كسبب لانهيار مكانة امريكا في العالم .
لم يفهم الكثيرون ما عناه زكريا بالضعف السياسي ، واذكر انني تابعت وقتها احد المحلليين الامريكيين ، وهو يتساءل باستنكار: عن اي ضعف يتحدث ؟ الا يري حيوية الكونجرس والميديا ، الم ينصت الي حماس المتطوعين في الحملات الانتخابية ..اليس هذا افضل من خمول الهنود وجمود الصينيين ؟
الغريب ان المحلل اليميني المفعم بالايمان بقداسة الدور الامريكي ، و" الذي سيظل قائما الي ان يعود المسيح ، ويتسلم من واشنطن مفاتيح العالم " !! ، لم يلتفت الي ما كان يمثله فوز الرئيس اوباما - ذو الاصول الافريقية - من ضعف عبر بشكل واضح عن الخلل الجوهري الذي اصاب الثقافة الامريكية .
" 3 "
لا يستطيع اكثر المفتونين بالحلم الامريكي ان يزعم ان سكان امريكا تخلصوا من " المظاهر " واصبحوا " انسانيين حقا " بدليل الطوابير الممتدة امام متاجر " ابل " في كل مرة تطلق فيها نسخة جديدة من " الايفون " ، وبدليل المكانة التي تحظي بها السيارة الفارهة بين معظم الامريكيين ، فضلا علي مشاعر القهر التي تصيبهم في كل مرة تُفتتح فيها ناطحة سحاب تفوق الامباير ستيت ارتفاعا .
هذا الخلل ناجم في تقديري عن احساس متنام بالعدمية واللامبالاة ، وهي حالة عرفتها الامبراطورية الرومانية ، كما عرفتها الامبراطورية الاسلامية ، وفيها تتجه قطاعات فاعلة من المجتمع ، مدفوعة بمشاعر السأم وفائض الاشباع الحسي الي الاتيان بافعال حمقاء ، كتلك المرأة التي تداهمها مرارة الهجر ، وانتفاء القيمة ، فتلجأ الي علاقة فجة مع الخادم النزق ، او تنغمس في علاقة شاذة مع احدي بنات جنسها .
ويبدو ان ادراك الرئيس باراك اوباما - الذي جاء للبيت الابيض بسبب شعور الامريكيين بالملل - لتلك الحالة هو ما دفعه علي غير المتوقع الي ان يتحول الي اكثر الرؤساء دفاعا عن الشذوذ الذي اصبح يسمي المثلية ، ولا اظن ان التاريخ سوف يغفر لاوباما انه عندما قرر الذهاب لاقريقيا في الصيف الماضي ، وبدلا من ان يتصرف كأبن بار بارض اجداده عليه ان يزورها حاملا في حقيبته " هدايا التنمية " تصرف كارستقراطي متعال ومتجاوز ، وكانت نصائحه لمستقبليه الفقراء والمرضي بأن يظهروا المرونة الكافية تجاه المثليين !
" 4 "
حالة العدمية لدي الامريكيين سبق ان تنبأ بها عالم الاجتماع الامريكي هربرت ماركيوز ( 1898 – 1979 ) الذي كتب اقوي نقد للرأسمالية الامريكية في كتابه الاروع " الانسان ذو البعد الواحد " الصادر عام 1964 ، واستعرض فيه مظاهر التحول الي " الشيئية " مع الغياب التام للمعني والقيمة الروحية ، هذه الحالة يبدو انها اصبحت موجّه رئيسي للسلوك التصويتي لدي الناخب الامريكي الان ، وادي تصاعد حدتها بسبب الازمة المالية العظمي 2008 ، الي الصعود غير العقلاني لاوباما في العام نفسه .
ولأن الانهيارات تأتي متسلسلة ، فلم ينجح اوباما في اعادة الروح الي الامبراطورية الامريكية التي يحلو لكثيرين ان يصفوها بامبراطورية دبت فيها الشيخوخة ، ولم تسفر محاولاته من اجل لملمة الجراح بالانسحاب من مناطق الازمات في العراق وافغانستان ، وتسامحه التاريخي مع ايران وكوبا في ايقاف التدهور ، او ضخ جرعات منشطة في شرايين الامبراطورية ، لتأتي بوادر النهاية من خلال صعود ابرز رموز الرأسمالية الاستهلاكية في الولايات المتحدة وهو الملياردير دونالد ترامب الذي يحسد ما يمكن تسميته ب " الترامبيزم " .
" 5 "
" الترامبيزم " نموذج مثالي لثقافة البعد الواحد .. بطلها مولود لأم من اسكتلندا واب من اصول المانية ، بني مجده عن طريق السمسرة والوساطة والمقاولات .. يتحدث بعجرفة الرأسمالي المتباهي بنجاحه المالي .. يتحرك بوازع القيمة المباشرة " Cash value " ... يطبق يامتياز الشعار المفضل لاثرياء الوول ستريت " النقود تقول في لحظات ما يقوله العاشق في سنوات " .
كان يمكن ان يظل ترامب مجرد رجل اعمال " شاطر " يجيد استغلال الفرص ليكسب المال من دون ان يحرم نفسه من متع الاثرياء مثل ممارسة الجولف ، ورعاية مسابقات المصارعة الحرة ، وحفلات ملكات جمال الكون ، وكان يمكن ان تكون مساعية لخلافة اوباما مغامرة عابثة تنتهي بانفاق بعض المال مقابل المزيد من الشهرة .
غير ان القبول الاجتماعي الواسع ، والنجاح السياسي المفاجيء لاطروحات الملياردير الجامح - رغم كل تجاوزاته ضد القيم الامريكية ، وسقطاته تجاه الاقليات والنساء والجيران والحلفاء ، ورغم تهديده المؤكد لزعامة امريكا من ناحية ، وعجز العقلاء عن ايقاف زحفه السريع نحو البيت الابيض من ناحية اخري ، هو ما يدفعنا لتناول ظاهرة ترامب كاحد مظاهر اقتراب نهاية العصر الامريكي ، بل ونهاية الحقبة الاوربية بكاملها التي بدأت منذ القرن السادس عشر واستمرت حتي الان .
" 6 "
ترامب هو مجرد قمة الجبل الظاهر ، ولا شك ان الدلالات السيسولوجية لصعوده الجامح ، ومجيئه عقب تولي اول رئيس من اصول افريقية قيادة اهم امبراطورية غربية ، ما ينبغي ان يدفع الباحثين والكتّاب الي الحوار البحث المعمق فيما يحدث من تغيرات جذرية في المجتمع الامريكي سواء واصل ترامب زحفه التاريخي ام اوقفته التحالفات المضادة بطريقة او باخري .

 

تعليقات (3)
بواسطة: eman
بتاريخ: الثلاثاء، 12 أبريل 2016 11:51 ص

فعلا ترامب هو الحلقه الاخيره ف مسلسل الاسطوره الامربكيه..بس لعله مسلسل لا ينتهى بمأسى للشرق الاوسط

بواسطة: rania
بتاريخ: الثلاثاء، 12 أبريل 2016 12:20 م

رغم تحليلك للشخصيه وتوضيحك لابعادها ومدى خطورتها علي امريكا وكيانها والي ممكن يتاثر بوصوله للكرسي الا اني اخالفك فان له تاثير او حتي بقي له قاعده شعبيه وداعمين انا شايفه انه مش هيقدر يوصل لمبتغاه والحكايه هتخلص بشكل اسرع مما نتصور وهيلاري فرصتها اكبر كتير

ترامب وهتلر
بواسطة: ابو ايمن
بتاريخ: الجمعة، 15 أبريل 2016 11:45 م

زي هتلر ما كان سبب في حرب غربية انشاء الله ترامب هيخلص علي امريكا ..المقال اوضح لي مميزات فوز هذا الترمب ..يارب يفوز

اضف تعليق