عشرات الألاف من الفلسطيينيين يحيون الذكرى الأربعين لـ «يوم الأرض».. الإحتلال لا يزال يمعن في سياسته الإستيطانية.. مشروع جمعية «إل.عاد» لتهويد القدس ينسف حل الدولتين.. ودماء الشهداء تفضح التواطؤ الدولى
الأربعاء، 30 مارس 2016 02:12 م
يحيي الفلسطينيون اليوم الأربعاء، ذكرى «يوم الأرض» بفعاليات تتقلص عاما بعد عام، في ظل انحسار فعلي وعلني لمساحة الأرض المتبقية لإقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967.
وتجمع عشرات الآلاف من الفلسطيينيين في أراضي 48 والضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، ومعهم المتضامنون والأحرار في أنحاء العالم، لإحياء الذكرى السنوية الأربعين لـهذا اليوم.
تمر هذه الذكرى فيما لا يزال الإحتلال الإسرائيلي يمعن في سياسته الإستيطانية والإستيلاء على أراضي الفلسطينيين لبناء المستوطنات غير الشرعية، بعد ترحيل أصحاب الأرض عنها وسلبوها عنوة.
-يوم استثنائي
يوم الأرض هذا العام هو يوم استثنائي؛ فهو يأتي بعد قرار الإحتلال بإعلان مشاريع استيطانية كبرى تنسف ما يسمى حل الدولتين، مثل مشروع (E1)، وتصديق «المجلس القُطري للتنظيم والبناء» الإسرائيلي على مخطط جمعية «إل.عاد» الاستيطانية المعروف باسم «مجمع كيدم – عير دافيد- حوض البلدة القديمة»، المزمع إقامته على مدخل حي وادي حلوة ببلدة سلوان، مقابل المسجد الأقصى.
وهذا تهديد جديد وتهويد للمدينة المقدسة من طرف الاحتلال وحكومته المتطرفة، فما يمارس بحق الأرض الفلسطينية بالقدس والضفة الغربية هو أبشع أنواع الجرائم والإرهاب.
ولعل ما تشهده الأراضي الفلسطينية من بطش وقتل وسرقة وعدوان متواصل من قبل سلطات الإحتلال، يُبقي أحداث يوم الأرض في وجدان كل فلسطيني عاش النكبة الفلسطينية وهُجر من أرضه عنوة بفعل الإجرام الصهيوني الذي شهده ذلك اليوم، ويأتي إحياء الذكرى سنويًا للتأكيد على أنَّ الأرض هي حق تاريخي للشعب الفلسطيني مهما تعددت أساليب الإحتلال في المصادرة والهدم والتشريد والتضييق على الفلسطينيين.
-أسباب الإحتفال
تعود أحداث «يوم الأرض» إلى 30 مارس عام 1976، عندما قررت حكومة الاحتلال الإسرائيلي مصادرة 21 ألف فدان من أراضي قريتي عرابة وسخنين، وذلك لتخصيصها لإقامة المزيد من المستوطنات في إطار مخطط تهويد الجليل وتفريغه من أصحابه الفلسطينيين، ما دفع الأقلية العربية للقيام بإنتفاضة شعبية.
وترافق قرار المصادرة مع إعلان حظر للتجوال على قرى سخنين وعرابة ودير حنا وطرعان وطمرة وكابول، من الساعة الخامسة مساء يوم 29 مارس 1976، لكن السكان تجاهلوا القرار وخرجوا للاحتجاج استجابة لدعوة لجنة الدفاع عن الأراضي، وكانت هذه أول انتفاضة لفلسطينيي 1948 منذ إنشاء إسرائيل عام 1948، وقد قوبلت بتعاطف وتضامن فلسطينيي الضفة الغربية والشتات والعرب عموما انطلاقا من مبدأ التمسك بالأرض ورفض انتقالها لليهود.
وفي ذلك اليوم أعلنت منطقتا الجليل والمثلث الإضراب العام الشامل في 30 مارس احتجاجًا على سياسية المصادر. وبمجرّد الإعلان عن الإضراب وقبل سريانه، كان التعاطي الإسرائيلي عسكريًا دمويًا إذ اجتاحت قوات الاحتلال مدعومة بالدبابات والمجنزرات القرى والبلدات الفلسطينية وأخذت بإطلاق النار عشوائيًا.
فسقط الشهيد خضر ياسين، من قرية عرابة في 29 مارس، وبعد انتشار الخبر صبيحة اليوم التالي 30 مارس انطلقت الجماهير الفلسطينية في تظاهرات عارمة وسقط خمسة شهداء آخرين هم: خضر خلايلة، خديجة شواهنة، رجا أبو ربا، وثلاثتهم من سخنين، والشهيد محسن طه من كفر كنّا، والشهيد رأفت الزهيري في الطيبة، وكانت نتيجة هذه الانتفاضة استشهاد 6 فلسطينيين وإصابة واعتقال المئات، وفي المقابل تراجعت حكومة إسحاق رابين عن قرار المصادرة.
-وثيقة «كيننج»
كما كان صدور وثيقة «كيننج» في 1 مارس 1976، من قبل متطرف لواء الشمال في وزارة الداخلية الإسرائيلية يسرائيل كيننغ، والتي تستهدف إفراغ الجليل من من الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم وتهويدها، واحدة من مسببات الاتجاه نحو الانتفاضة.
ودعت وثيقة «كيننح» في طياتها إلى تقليل نسبة الفلسطينيين في منطقتي الجليل والنقب، وذلك بالاستيلاء على ما تبقى لديهم من أراض زراعية وبمحاصرتهم اقتصاديا واجتماعيا، وبتوجيه المهاجرين اليهود للاستيطان في منطقتي الجليل والنقب.
وركزت على تكثيف الاستيطان اليهودي في شمال الجليل، وإقامة حزب عربي يعتبر «أخا» لحزب العمل، ويركز على المساواة والسلام، ورفع التنسيق بين الجهات الحكومية في معالجة الأمور العربية، وإيجاد إجماع قومي يهودي داخل الأحزاب الإسرائيلية حول موضوع العرب في إسرائيل.
-جنون إسرائيل
جنون إسرائيل من هبة «يوم الأرض»، سببه أنها كانت أول تحد لها منذ اغتصاب فلسطين عام 1948، ولم يوقّف ذلك الجنون ارتباطًا باستمرار الصراع على حق لم يعد لأصحابه بعد.
ورغم مرور (40) عامًا على يوم الأرض ووثيقة التهويد «الكتغية»، لم يتبخّر فلسطينيو الـ 48 بل تجذّروا في أرضهم وأصبح عددهم نحو 1.5 مليون نسمة بعدما كانوا 150 ألف نسمة فقط عام 1948.
وبعد أربعين عامًا من تلك المناسبة المفصلية في التاريخ الفلسطيني، نستطيع القول إن يوم الأرض جذّر حقيقة أن الأرض الفلسطينية التي اعتمدتها الأدبيات الصهيونية ركنًا أساسيًا في مشروع اغتصاب فلسطين منذ مؤتمر بازل السويسرية عام 1897م، حيث دأب الكيان على ممارسة سياسة التهويد والاقتلاع عبر مصادرة الأرض وارتكاب المجازر والتهجير.
ويبقى إحياء ذكرى يوم الأرض ليس مجرد ذكرى سنوية، بل معركة متجددة وحرب متواصلة لإستعادة الحق الفلسطيني المغتصب، مهما غلت الأثمان من دماء الشهداء والجرحى وعذابات الأسرى، في ظل صمت وتواطؤ وداعم من بعض الدول الراعية لمشروع إقامة هذا الكيان في فلسطين.
-قانون العودة
قبل قيام إسرائيل كان 75% من الفلسطينيين يحصلون على رزقهم من الأرض، وبعد نزوح الفلسطينيين نتيجة نكبة 1948، بقيت الأرض تلعب دورا هاما في حياة 156 ألف من الفلسطينيين الذين بقوا في الداخل المحتل، وبقيت الأرض مصدرا هاما لانتماء الفلسطينيين العرب.
وفي عام 1950، تبنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي ما يسمى بـ«قانون العودة»، لتسهيل الهجرة اليهودية إلى إسرائيل واستيعاب اللاجئين اليهود، وفي المقابل سنت قانون «أملاك الغائبين»، والذي بموجبه تمت مصادرة الأراضي التابعة للاجئين الفلسطينيين، وكان هذا القانون يستخدم أيضا لمصادرة أراضي المواطنين العرب بعد تصنيفها في القانون على أنها «أملاك غائبين».
ورغم مرور 40 عاما على هذه الذكرى، لم يمل فلسطينيو 1948 الذين أصبح عددهم نحو 1.3 مليون نسمة، بعدما كانوا 150 ألف نسمة فقط عام 1948، من الاحتفال بيوم الأرض، الذي يجمعون على أنه أبرز أيامهم النضالية، وأنه انعطافة تاريخية في مسيرة بقائهم وانتمائهم وهويتهم منذ النكبة، تأكيدا على تشبثهم بوطنهم وأرضهم، ويعتقد الفلسطينيون أن إحياء ذكرى «يوم الأرض»، ليس مجرد سرد أحداث تاريخية، بل هو معركة جديدة في حرب متصلة لاستعادة الحقوق الفلسطينية.
ومنذ العام 1976، أصبح يوم الأرض يوما وطنيا في حياة الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها، ويشهد هذا اليوم تحركات شعبية تؤكد على وحدة الشعب الفلسطيني وحقه في أرضه، رغم شراسة الهجمة الاستعمارية الإسرائيلية التي نالت من أرض أجداده التي تحول جزء منها إلى بؤر استيطانية كثيفة.