مصر تتحرك لتحقيق «العدالة الثقافية»..«قصور الثقافة»اطلقت صافرة البداية في التحرر..«هويدا»: ننقل خبرات المثقفين..و«النمنم»:اولويتي تحقيق العدالة الثقافية التي لا تقل أهمية عن العدالة الاجتماعية

الأربعاء، 16 مارس 2016 07:25 ص
مصر تتحرك لتحقيق «العدالة الثقافية»..«قصور الثقافة»اطلقت صافرة البداية في التحرر..«هويدا»: ننقل خبرات المثقفين..و«النمنم»:اولويتي تحقيق العدالة الثقافية التي لا تقل أهمية عن العدالة الاجتماعية
الهيئة العامة لقصور الثقافة

تتحرك مصر بخطى لافتة لتحقيق "العدالة الثقافية" فيما بات العقل الثقافي المصري مدعوا بإلحاح لطرح وتطوير مبادرات تستهدف مواجهة "حالة الحرمان والتهميش الثقافي" في بعض المناطق خاصة بالريف وتجسير الفجوة بين الرؤى النظرية والمستويات الأدائية مع عدم الانفصال واقعيا عن السياقات الاجتماعية والثقافية.

وقال وزير الثقافة حلمي النمنم في مقابلة صحفية مع جريدة الأهرام امس الأول "الاثنين" :"اولويتي الأولى هي تحقيق العدالة الثقافية التي لا تقل أهمية عن العدالة الاجتماعية والاقتصادية" فيما أعرب عن أسفه لتركز أغلب الأنشطة والخدمات الثقافية في القاهرة.
ويعني هذا التركز في نظر حلمي النمنم أن "باقي أنحاء مصر محرومة تماما من الخدمات الثقافية الحقيقية التي يجب ان تقدم لها" فيما شدد على اهمية دور الهيئة العامة لقصور الثقافة لتحقيق العدالة الثقافية وان تقوم قصور الثقافة بدورها الحقيقي.

واذا كانت الهيئة العامة لقصور الثقافة قد طرحت منذ فترة مبادرة من اجل العمل الثقافي في "القرى المحرومة" فإنه بمقدور هذه الهيئة طرح المزيد من المبادرات على هذا الصعيد في وقت تؤكد فيه طروحات جادة أهمية الأنشطة الثقافية جنبا إلى جنب مع الإعلام كأداة تحديث هامة في المجتمعات النامية ناهيك عن التغيير الايجابي للبيئة المحفزة على العنف.

وشرعت الهيئة العامة لقصور الثقافة في تنفيذ برنامج تدريبي لمواجهة ظاهرة "الحرمان الثقافي" فيما تضمن هذا البرنامج مجموعة من الورش التدريبية والأنشطة الفنية والثقافية "بالقرى المحرومة من الخدمة الثقافية" ودعم الموهوبين من ابناء هذه القرى.

وقالت هويدا عبد الرحمن رئيسة الادارة المركزية للتدريب واعداد القادة الثقافيين بالهيئة العامة لقصور الثقافة ان هذه المبادرة جاءت في اطار التواصل المستمر بين الهيئة والجماهير العريضة في المجتمع المصري من خلال مثقفيها ومبدعيها وأبنائها من العاملين بها والذين هم حجر الزاوية للعملية الثقافية للمجتمع منوهة بأن هذا التواصل يمثل انعكاسا للحراك الثافي الذي يعيشه المجتمع.

وكانت هذه المبادرة قد بدأ تنفيذها في "قرية شبشير الحصة" بمحافظة الغربية حيث شهدت هذه القرية التي كانت محرومة ثقافيا عدة ورش تدريبية وأنشطة فنية وثقافية لتنمية الحراك الثقافي.

وظاهرة الحرمان الثقافي تتجلى أيضا في بعض قرى الوجه القبلي بصعيد مصر في سياق التهميش الذي تعرض له الريف المصري عموما في مراحل سابقة فيما تتحرك المؤسسات الثقافية الرسمية لمواجهة هذه الظاهرة.

وأشار وزير الثقافة حلمي النمنم إلى أهمية أن تكون هناك دار أوبرا ومسرح لكل محافظة منوها بأنه حصل مؤخرا على موافقة مجلس الوزراء لإقامة دار اوبرا في مدينة الأقصر فيما ستفتتح قريبا دار اوبرا ببور سعيد.

واضاف النمنم :"لدينا خطة عمل متكاملة لمسارح القاهرة التي يجب ان تنتقل لتقدم عروضها في الأقاليم وهو ماسوف ننفذه قريبا كما سنستضيف ايضا فرق الأقاليم لتقدم عروضها سواء في القاهرة او خارج مصر لتحتك بالعالم الخارجي" لافتا في الوقت ذاته لأهمية التعاون مع مراكز الشباب التابعة لوزارة الشباب والأماكن والمسارح الصغيرة التابعة لوزارة التعليم "لأن مشروع العدالة الثقافية لايخص وزارة الثقافة وحدها بل هو مشروع قومي".

ويصب افتتاح متاحف مثل متحف السيرة الهلالية الذي افتتح في بلدة ابنود جنوب محافظة قنا في مربع مواجهة ظاهرة الحرمان والتهميش الثقافي فيما تقول الدكتورة عواطف عبد الرحمن الأستاذة بكلية الإعلام في جامعة القاهرة أن الظروف التاريخية والسياسية لعبت دورا سلبيا في إقصاء الصعيد وتغييبه عن أنظار واضعي السياسات وصناع القرار والمثقفين والاعلاميين والأكاديميين والباحثين.

وبمنظور نقدي ترى الدكتورة عواطف عبد الرحمن ان وسائل الاعلام في العاصمة اسهمت في تهميش الصعيد وتشويه صورته بترويج صورة مغلوطة ومختزلة ومبتسرة "ساعدت على تكريس الفجوة الثقافية والنفسية بين اهالي الصعيد وسائر ابناء الوطن" رغم المبادرات الرسمية في السنوات الأخيرة لتصحيح موقع الصعيد على خريطة التنمية والاصلاح.

ورغم مايحفل به الصعيد حاليا من تعدد الأنشطة الرسمية والمدنية ووجود صروح علمية جامعية متميزة مثل جامعة اسيوط الا ان الدراسات القليلة التي اجريت عن الصعيد- حسبما تقول الدكتورة عواطف عبد الرحمن-تشير الى استمرار تدني مستويات الحياة وتصاعد نسبة الأمية وانتشار البطالة.

واضافت قائلة :"كما كشفت الدراسات ان جامعات الصعيد بعد مرور مايزيد عن خمسة عقود على تأسيسها في اسيوط والمنيا وسوهاج وجنوب الوادي لم تضع استراتيجية علمية لاجراء البحوث الأساسية المسحية والتاريخية والوثائقية عن الواقع المجتمعي السياسي والاقتصادي والثقافي في الصعيد.

وتابعت الدكتورة عواطف عبد الرحمن في طرح حول هذه القضية :" بل لاتزال أولويات الأجندة البحثية في العلوم الاجتماعية في جامعات العاصمة هي المهيمنة على عقول ومشروعات الباحثين الاجتماعيين في جنوب مصر وإذا كانت أجندة جامعات العاصمة لاتزال اغلب اولوياتها البحثية في مجال العلم الاجتماعي تدين بالتبعية الأكاديمية للجامعات الأمريكية والأوروبية فان هذا يعني الاستمرار في اعادة انتاج الأجندة الأجنبية في مجال البحث الاجتماعي في جامعات الصعيد".

واعتبرت استاذة الإعلام الدكتورة عواطف عبد الرحمن ان ذلك "يفسر اسباب خلو الساحة العلمية من البحوث الأساسية عن التركيب الاجتماعي والبنية الثقافية والأوضاع الاقتصادية والسياسية" كما ان ذلك كله يعني ان "اهالي الريف خصوصا النساء في صعيد مصر يعانون التهميش والإفقار المضاعف اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا".

ولعل مثل هذا الطرح وغيره من الطروحات الجادة لمثقفين مصريين يوميء لأهمية اجراء بحوث ثقافية مصرية لمواجهة فاعلة لظاهرة الحرمان الثقافي بعيدا عن النقل والاقتباس والتبعية للتيارات السائدة في الغرب او عالم الشمال حيث تختلف السياقات والمعطيات ومعدلات التطور وايقاعات وسرعات التحديث ناهيك عن الخلفيات التاريخية ومنظومات القيم والأنماط السلوكية.

وفي دراسته القيمة :"التحليل الثقافي للمجتمع..نحو سياسة ثقافية جماهيرية" يؤكد المفكر المصري السيد يسين على اهمية قراءة البعد الثقافي لأي أزمة لفهم أسبابها وتفسير تداعياتها وتحديد طرق حسمها لافتا الى ضرورة ان يكون منهج التحليل الثقافي في دول العالم الثالث نابعا وممثلا للبيئة واوضاعها الثقافية والاقتصادية والسياسية.

ومع المحاولات المستمرة من جانب القوى المتحكمة في السوق العالمية لعولمة الثقافة وغيرها من مكونات المنظومة الحضارية لإعلاء شأن الثقافة الغربية وتهميش ثقافات الجنوب على حد تعبير الدكتورة عواطف عبد الرحمن فان ثمة حاجة في مصر وغيرها من الدول النامية التي تعاني من ظاهرة الحرمان والتهميش الثقافي لإدراك أهمية بناء نماذج ثقافية اصيلة تجابه ما يعرف "بآليات الاستعمار الثقافي التي تروج وتفرض أساليب حياة دخيلة وقيم غريبة على هذه المجتمعات في عالم الجنوب وتكرس التبعية الثقافية".

وواقع الحال ان مواجهة ظاهرة الحرمان الثقافي انما تخدم قضية التحرر الثقافي والاجتماعي ويمكن ان تعزز القيم الأصيلة دون ان يعني ذلك مخاصمة التحديث فيما طرح الاذاعي والشاعر الكبير فاروق شوشة مؤخرا فكرة جديدة هي : "اكشاك الثقافة" التي ينبغي ان تقام في كل قرية ونجع لتلبي الاحتياجات الثقافية لملايين المصريين موضحا ان هذه "الأكشاك" يمكن ان تكون في صورة مكتبات متنقلة وتقدم ايضا عروضا سينمائية ومسرحية وانشطة فنية موسيقية وغنائية.

وفي هذا السياق قال فاروق شوشة :"آن الأوان لكي نحلم بثقافة تمشي على الأرض, تلامس الواقع وتشتبك معه بدلا من ثقافة المزاعم والرؤى والتصورات التي تندثر عادة بالكلمات الكبيرة البراقة" معتبرا ان الواقع على مستوى الاحتياجات والامكانات يتطلب "ثقافة تمشي على قدمين ولاتحلق في الهواء" وهي "ثقافة مغروزة في طين مصر الذي يعيش فيه وعليه الملايين من ابناء الوطن في القرى والعزب والكفور والنجوع".

وعلى مستوى الخطاب الرسمي فان هناك تأكيدات على أهمية تفعيل الإمكانات المتاحة بوزارة الثقافة ولاسيما قصور الثقافة فضلا عن العمل على الارتقاء بالذوق العام مع الحاجة لتقوية الجسور التي تربط وزارة الثقافة مع المبدعين والأدباء للتحرك الجماعي لدعم الأنشطة الثقافية في النجوع والمناطق النائية فضلا عن الاهتمام بنشر الوعي بين الشباب والاستفادة من طاقاتهم الابداعية والتكاتف للوقوف في وجه الجهل والإرهاب.

وفيما تهب من حين لآخر رياح الجدل والاحتقانات الظاهرة حول أداء وزارة الثقافة وأجهزتها حاملة في ثناياها أسئلة هامة حول دور هذه الوزارة وسياساتها ويتردد من جديد السؤال الكبير حول حقيقة التغير الذي طرأ على المشهد الثقافي ومجمل السياسات الثقافية الرسمية بعد الثورة الشعبية المصرية بموجتيها 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 فان هذه الوزارة تدخل الآن مرحلة جديدة من اهم ملامحها مواجهة ظاهرة الحرمان الثقافي بأعمال آليات العدالة الثقافية.

والمواجهة الفاعلة لظاهرة الحرمان الثقافي كفيلة بالرد على انتقادات ترددت على السنة بعض المثقفين ومنابر بعض الصحف ووسائل الاعلام المصرية حول العجز عن التواصل مع الجماهير العريضة او طرح برامج ثقافية تحظى باهتمام شعبي حقيقي فضلا عن الاستمرار في ظاهرة تمركز اغلب الأنشطة الثقافية بالعاصمة وإهمال الريف.

وفي المقابل طالبت قيادات وزارة الثقافة من قبل بتوفير الدعم الكافى للوزارة بما يسمح بانجاز خطط ومشروعات التطوير وتحقيق رسالتها فى خدمة الثقافة والمواطنين فى ربوع مصر واكدوا على وجود إدارات متخصصة في قياس الرأي الثقافي مثل "الإدارة المركزية للدراسات والبحوث" بهيئة قصور الثقافة.

وبعيدا عن أى نزعة بلاغية أو إنشائية فوزارة الثقافة وهيئاتها من المفترض انها تتحمل المسؤولية الكبرى فى ترسيخ ثقافة ثورة يناير-يونيو فى كل اوجه ومجالات الحياة المصرية.

فالقضية هي تحويل او ترجمة البنية المادية لوزارة الثقافة بهيئاتها وكل ما يتبعها من كيانات بكل نفقاتها الى رصيد فاعل في الوعي المعرفي والثقافي والتنموي بحيث يصل العائد الثقافي الى مستحقيه على امتداد الوطن وحتى تتبوأ مصر مكانتها الثقافية المستحقة على مستوى المنطقة والعالم...واجب الوقت مواجهة ظاهرة الحرمان الثقافي..إنها لحظة الحقيقة وحقيقة اللحظة!.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة