الجيش السوري يقود معركة حلب "المصرية"

السبت، 27 فبراير 2016 03:17 م
الجيش السوري يقود معركة حلب "المصرية"
عبد الفتاح علي


وصفها البعض أنها ستالينجراد الجديدة، مثل الكاتب الروسي فلاديمير لبيخين، وقال عنها البعض أنها المعركة الحاسمة في تاريخ الصراع السوري، لأن السيطرة على إدلب ستسمح للجيش السوري بفرض رقابته على قسم كبير من الحدود مع تركيا ومن ثم قطع الطريق على تمويل المعارضة المسلحة، في حين ذهب البعض الاخر واعتبرها القول الفصل في لعبة تغيير خريطة الصراع في الشرق الأوسط .
إنها معركة حلب التي تستحق القول بأنها الأكثر دموية وعنفا في الحرب السورية، وستكون لها قيمة جيوسياسية حاسمة للغاية.
ليس من أجل عيون الحلبيين، لكن من أجل عروش ونفوذ وامبراطوريات ستهتز بسقوط حلب، عاصمة الشمال، أقدم مدن العالم، ملتقى حضارات الكون، رمانة الميزان في صراع القوى الجديد في عالم بدء يتشكل على غير هوى القطب الأوحد.
ملحوظة: مدينة حلب لم تسقط بالكامل في يد المعارضة، بل أن هناك أحياء (خاصة الكردية) تخضع لسيطرة النظام، ولم تتمكن المعارضة من بسط نفوذها على المدينة بالكامل التي بدأت كثير من أحيائها في السقوط بداية من فبراير 2012 وقت أن بدأت أصوات الرصاص تدوي في شوارعها.
قبل أقل من عامين تقريبا قام الجيش السوري بفرض حصار حول الغوطة الشرقية (ريف دمشق )، ونجح في إبعاد خطر هجمات المسلحين عن العاصمة دمشق، والآن تتكرر نفس الخطة وإن كانت بتفاصيل مختلفة في حلب، التي بإمكان من يسيطر عليها، أن يقبض على وسط سوريا.
السعودية وأخواتها أعلنوا استعدادهم للتدخل البري في سوريا (لمحاربة تنظيم الدولة)، في حين قرر رجب أردوغان التدخل المباشر في الصراع عبر القصف المدفعي العنيف للقوات الكردية الموالية للنظام السوري، وتراجعت قوى عالمية عن رفض الفكرة التركية بإقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية (ريف حلب الشمالي)، حتى تتمكن أنقرة وحلف الناتو من فرض حظر جوي بات قريبا على هذه المنطقة بما يسمح بزيادة إمدادات السلاح والرجال للتنظيمات والمليشيات المعارضة، وبما يقتل فكرة الامتداد الكردي على الحدود.
لكن الأهم من كل هذا ستسمح المنطقة العازلة (المزعومة) باستمرار تدفق النفط المهرب من العراق وسوريا عبر تركيا، ليضمن أردوجان مصادر طاقة رخيصة للغاية (10 دولارات للبرميل المهرب)، يستطيع أن يحافظ بها على معدلات النمو للاقتصاد التركي.
لكن الأكراد وتحديدا حزب الاتحاد الديمقراطي الموالي للأسد والممول من روسيا (حاليا) شن هجوما غير متوقعا، على عدة مناطق حدودية، أشعل فتيل الغضب التركي، لاقترابه من السيطرة من نسبة معقولة من المنطقة المراد عزلها، وقطع الطريق بين مدينة حلب وتركيا والمعروف بـ”ممر أعزاز”، البالغ طوله خمسة عشر كيلومتراً.
قابله هجوما آخر في الوقت نفسه شنته مجموعات حزب الله وبدر انطلاقا من بلدتي نبل- الزهراء، ضد «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة»، لتمنعها من إرسال التعزيزات إلى أعزاز، ثم تطور الأمر وتقدمت مجموعات حزب الله وبدر ناحية الطريق المعروف باسم "الكاستيلو" الذي يمد الأحياء الشرقية من حلب بإمدادات تركية وغربية وهو طريق مواز لممر أعزاز، وهو ما دفع الآلاف من سكان شرق حلب الى الهرب نحو تركيا، بعد أن فتحت لهم مجموعت حزب الله وبدر ممرا للخروج للضغط على تركيا والغرب.
الطريق نحو استعادة حلب من المعارضة المسلحة ليس مفروشا بالورود ، لكن الجيش السوري سيسرع خطواته للسيطرة على ريف حلب قبل أن يتم التوصل لصيغة (ما) لوقف إطلاق النار الذي يتم تسويفه من الجانب السوري والروسي، لأنهما الآن أقوى وأفضل على الأرض.
منى الروس في بداية تدخلهم العسكري الصريح في سوريا بعدة هزائم مفاجئة، والتي نتجت عن ضعف في قدرات المخابرات الحربية السورية، وعدم دقة المعلومات التي تصل إلى العمليات العسكرية، لكن هذا الأمر، شابه تغيير كبير، بعد أن تسلمت المخابرات العسكرية الروسية زمام الأمور وبات لها اليد العليا في توفير المعلومات والأهم، تجهيز أرض المعركة قبل أن تبدأ، وتحديد أهداف الحرب.
التدخل الروسي في سوريا جاء في البداية لحماية المنطقة الساحلية التي اتخذت فيها قاعدتين عسكريتين ستغير ميزان القوى في البحر المتوسط، وبعد فترة بدى أن تجهيز أرض المعركة يتطلب قطع خطوط الإمدادات الخارجية للمعارضة المسلحة، وهو ما يتم الآن، ليكون نقطة انطلاق نحو السيطرة الكاملة على كافة المدن الكبرى، بداية من العاصمة دمشق، حتى استعادة حلب ، وبالطبع تأمين مدن حمص وحماة واللاذقية بنسبة 100%.
أما التدخل التركي والسعودي ومن والاهما، سيهدف في بدايته الحفاظ على مكتشبات المعارضة المسلحة، ووقف التقدم السوري والروسي ومن والاهما، ومن ثم نقل الحرب إلى المدن التي احتفظ بها النظام آمنة من صواريخ وضربات المعارضة المسلحة، لكن هذا لن يتأتى إلا بعد استعادة طرق الامدادات التي تسقط منهم واحدة تلو الأخرى، ثم زيادتها في مرحلة لاحقة.
الأتراك على سبيل الخصوص قرروا تبديل بضعة تكتيكات للمعركة، مثل الضغط بأعداد اللاجئين المهولة المتجهة نحو الأراضي الاوربية (لابتزاز أوربا)، فقد قررت احتجاز تلك الأعداد داخل الأراضي السورية، ومن ثم تجنيد الشباب والرجال، للعودة إلى جبهات القتال، بعد تدريبهم، وتجهيزهم نفسيا وعسكريا، وماديا أيضا.
فقد قدمت أنقرة مشروعا للناتو يقضي بصرف رواتب للمتطوعين لقتال الأسد، فضلا عن منح منازل آمنة لأسر المتطوعين في المنطقة العازلة المراد تنفيذها، فيضمنوا عددا كبيرا من المجندين، ويضمنوا أيضا تواجدا مختلف الأعراق في المناطق الكردية، المتاخمة للحدود التركية يصعب فيما بعد تحويلها لدولة كردية.
وهو أمر يفكر السعوديين في تنفيذه على الحدود اللبنانية والأردنية، لكن الرياض لم تعد تملك نفوذها القديم في لبنان، ولم تعد الاردن، تابعا أعمى لآل سعود، فضلا عن أن عائدات النفط المتراجعة جعلت قدرات الرياض على التأثير في محيطها تتهاوى، لكنها تأمل في إقناع جيرانها في الخليج مشاركتها تمويل مشروع منطلقات تجنيد اللاجئين، وهو المشروع الذي ينتظر أن يلاقي هجوما شرسا من جماعات حقوق الانسان في العالم، لأنه لا إنساني بكل ما تحمله الكلمة من معان.
ويبدو أن السوريين والروس قد قرأوا أفكار السعودية مبكرا، فشنوا هجوما كبيرا في الجنوب (ريف درعا القريب من الأردين وريف القنيطرة القريب من لبنان)، ليقضي على أي فرصة لتهديد دمشق، ويوؤد أحلام الشاب المغامر الذي يحلم بملك أبيه..
وقبل أن تكتمل مسرحية التلويح بالتدخل العسكري الخليجي في سوريا، فان جمهور المسرحية سينصرف باكرا، بعد أن يدرك سريعا، أن سقوط حلب في يد الجيش السوري سيحسم المعركة ليس فقط لصالح الأسد، بل لصالح قوى سياسية مهمشة الآن في السعودية (ولي العهد) ومتراجعة الآن في تركيا (المعارضة).
معركة حلب واستعادتها من المعارضة المسلحة التي لها ألف أب وألف أم، ستمنح مصر مكاسب في غاية الأهمية:
أولا: أن سيطرة الجيش العربي السوري على حلب، سيعني أن الرهان على الجيش العربي المصري كان اختيارا شعبيا صائبا، قد يكون قد شابهه رواسب في ثورة يناير بسبب ضعف وترهل المجلس العسكري وقتها، واندفاع شباب لوثه أطماع تجار الدين، لكنه تدارك الأمر في 30 يونيو، وأن خيار الإخوان في الرهان على العربان في دول الخليج كان كارثيا.
ثانيا: اانتصار النظام السوري بالحليف الروسي بشكل خاص، يعني أن النظام المصري قادرا على الاعتماد على حليف حقيقي وقوي، بات مؤثرا في المعادلة الدولية، وسينمو الدور المصري كما ينموا دائما في ظل ثنائية القطبية الدولية.
ثالثا: عودة سوريا بنظامها مهما كان وصفه (دموي أو ديكتاتوري أو فاشي) سيعني استقرار الأمن القومي المصري الذي تعد دمشق واحدة من أهم مرتكزاته، والتي من دونها تنهار مصر إقليميا قبل انهيارها داخليا.
رابعا: النظام المصري سيصبح خط الرجعة الوحيد لدول الخليج، ونقطة الالتقاء المتبقية في شرق أوسط سيكون قد أخذ تان خطواته نحو الاتزان بعد هروب مصر من كمين التقسيم، والتبعية الأمريكية.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق