المذاهب الإسلامية وضرورة التقريب بينها
الأحد، 14 فبراير 2016 04:48 م
"المذاهب أضعفت الاسلام. هكذا كتب الدكتور الشكعة فى كتابه: إسلام بلا مذاهب. كتب يقول: هذه الفُرقة القاتلة ، وتلك الدماء المهراقة على مر القرون لم تفد الاسلام فى شئ، بل نخرت عظامه وأضعفت مقاومته لتيارات الغدر والاستعمار، إن هذه الخلافات من الخطورة بحيث أن كل مسلم صحيح الاسلام غيور على دينه ووطنه، لابدّ وأن يتحمل جانباً من تك المسؤولية ، سواء أكان من السلف أم من المسلمين المعاصرين.
لم يندك خنجر الفرقة فى صدر الاسلام بأيدى المسلمين، ولكن بأيدى قوم ادعوا الاسلام ليصلوا الى هذه الغاية ، ولم يدخل الاسلام يوماً الى قلوبهم ، فالمجوسية والسبئية والشعوبية، قد لعبت أدوارها بمهارة كاملة حين بذرت بذور الخلاف بين المسلمين منذ فجر الاسلام الى يومنا هذا ، وكلما مرت عليه الايام امتدت جذوره فى الأرض قوة وثباتاً، وفى أيام الفاطميين، لعب اليهود من أمثال ابن كلس ونشتكين الدرزى، دوراً فى تفتيت العقيدة الاسلامية وتمزيق وحدة المسلمين ، بل إنهم مكنوا لبعض الخونة من تولى الوزارة والتعلق بها حتى لم يجد بعضهم أية غضاضة فى أن يستعين على خصومه من المسلمين بأعداء الاسلام من الصليبيين الذى كانوا مغتصبين لديار العرب والمسلمين فى ذلك الزمان.
لا شك أن أول نتيجة مؤسفة لهذه الخلافات التى اتخذت مكانها فى عمق مرير بين صفوف المسلمين أن ضاعت الاندلس ،وأجلى عنها أجدادنا من الصناديد الفاتحين، بعد أن عشنا على ارضها ثمانية قرون أو تزيد".
ويواصل الدكتور الشكعة كلامه القيم فيقول:"ومن عجب أن الاستعمار الحديث أو بالأحرى الصليبية المعاصرة والصهيونية الماكرة التى يعتنقها كل المستعمرين. كل أولئك الأعداء، لايزالون يستفيدون من تفرق المسلمين فى مذاهبهم ، وهم من أجل ذلك يوسعون شقة الخلاف بين المسلمين من ابناء الوطن الواحد ، ففرقوا بين السنى والشيعى فى العراق ولبنان ، وبين السنى والاباضى فى تونس والجزائر، وساروا على نفس الطريقة فى بقية بلاد المسلمين ، والفرقة تؤدى دائما الى الضعف، وضعف المسلمين، يمكّن للمستعمرين أعداء الاسلام، أن يثبتوا أقدامهم فى أرض المسلمين ،وأرض المسلمين اليوم هى أغنى بلاد العالم بالمواد الخام، التى تحتاج إليها الصناعات الضخمة المعاصرة ، ولا سبيل أمام المستعمر للوصول الى هذه الثروات الضخمة إلا عن طريق تمزيق الشمل وتفريق الكلمة ، وتأليب المسلم على أخيه المسلم ، ثم تقريب بعض ضعاف النفوس من أبناء بعض الفرق الاسلامية وتشجعيهم والإغداق عليهم ، وبناء آمال لهم كذاب، وبذلك يخرجونهم عن الصف ، ويتخذون منهم معاول هدم وأدوات تدمير.
وقد تمكن الاستعمار بهذه الطريقة الجبارة من أن يحرز بعض الانتصارات المؤقتة، فكما ضاعت الاندلس فى الماضى نتيجة الفرقة والتمزق فإن فلسطين قد ضاعت منذ بضعة عشر عاماً لهذا السبب، وطرد العرب من ديارهم وديار آبائهم وأجدادهم وسلبوا أموالهم ، ومرابعهم وأراضيهم ، ونخشى إذا استمر الأمر على تلك الفرقة أن يسقط الوطن الاسلامى، بلدة إثر بلدة كأوراق الخريف فى يوم عاصف شديد.
ومن أسف أن الاستعمار والصهيونية، استطاعا أن يجدا أعواناً فى بعض البلاد الاسلامية من ابناء المسلمين أنفسهم، ففى الهند والباكستان، كان ينادى ميزرا غلام القاديانى علناً وفى مقالاته بمهادنة الانجليز ، وتعطيل الجهاد من اجل بقاء الاستعمار فى أرض يعيش فيها أكثر من مائة وثلاثين مليون مسلم ، وفى سورية فى الماضى، استطاع الاستعمار الفرنسى أن يستخدم بعض أبناء المسلمين من العلويين ، وأن يستعين بهم فى خلق فتنة بعد الاستقلال مباشرة، وفى العراق كان الانجليز يخلقون الوقيعة بين السنة والشيعة، من أبناء الوطن الواحد، حتى ينشغل المواطنون بخلافاتهم ويظل المستعمرون مغتصبين للبلاد ، وفى الجزائر وتونس حاول الاستعمار الاستعانة بالاباضية ولكنه فشل، غير أنه بكل أسف استطاع الاستعمار الصهيونى أن يجتذب بعض الغافلين من الدروز، وضمهم الى جيشه وهيأ لهم محاربة إخوتهم فى العروبة والاسلام".
وهكذا يرصد الدكتور الشكعة الايجابيات والسلبيات، فينجو بذلك من ظلم الآخرين أو التعصب الضيق لمذهب أو مذاهب ويعلى بذلك مصلحة الامة فيقول :"ومن عجب أن هذا الاستعمار، لا يفرق بين الجماعة الاسلامية بالإغراء بالمال والآمال وحدهما ، بل إنه يزوَّر بعض الوثائق التى تتعلق ببعض الفرق الاسلامية المعاصرة، كالدرزية فى سوريا ولبنان ، والعلويين فى سوريا، ويحاول بهذه الوسائل أن يباعد بين أصحاب المذهبين المذكورين وبين الاسلام، اليد السمح الذى منه تفرعت هذه الفروع ، وكثيرا ما صدَّق بعض المخدوعين من الأطراف المعنية هذه المحاولات المسمومة، فأصبحوا يتصورون أن السنيين هم حَمَلة الأذى والعذاب.
وقد يكون للعلويين – مثلا – بعض الحق فى تصورهم هذا بالنسبة الى الماضى ، فلقد أوقع بهم الدونمة الاتراك الكثير من الاضطهاد والأذى ،ولما كان الاتراك سنيين، فقد تصور هؤلاء الأخوة العلويين أن الأذى بالنسبة إليهم كامن فى كل سنى يتقرب منهم أو يختلط بهم، والحق أن ما حل بهم من أذى فى الماضى، كان نتيجة لضيق الأفق التركى، ولم يكن بسبب المذهب السنى الذى كان يعتنقه الاتراك.
وانصافا للحق نقول: إن التركى المسلم ما كان ليوقع الظلم والأذى بإخوة له فى الاسلام، ولكن الذين لعبوا هذا الدور الخسيس جماعة من الاتراك الحاقدين على الاسلام، تظاهروا باعتناقه واندسوا بين الحكام ، وأسلس أولوا الأمر لهم قيادة الأمور، فعمدوا الى تنفيذ مؤامراتهم الدنيئة ، وهى تفتيت الجماعة الاسلامية وتمزيق عرى الروابط بين شعوب دولة الاخلافة . كان هؤلاء الحاقدون – ومازالوا – من اليهود الذين تظاهروا بالاسلام، وهم المعروفون بجماعة " الدونمة" ، وبالحيلة والمكر والخديعة والدس والدهاء والخيانة واستعمال الوسائل البعيدة عن الشرف، تمكنوا من الوصول الى أهدافهم، فى إضعاف الخلافة الاسلامية بادئ ذى بدء، وتصويرها تصويراً مشوهاً أمام الدول، ثم أنهوا مؤامرتهم الطويلة، حين أغمدوا خنجرا مسموما فى قلب الخلافة، فقضوا عليها وتسلموا بعد ذلك زمام الحكم فى الدولة الاسلامية العزيزة.
ومن عجب أن بعض ساسة تركيا الحديثة قد ساهم فى طرد عرب فلسطين من ديارهم، وتقديم الأرض العربية الطاهرة لقمة سائغة وهدية ثمينة للصهيونيين من شذاذ الآفاق, ومازالت كلمات وزير خارجية تركيا السبق رشدى أراس، تؤذى مسامع العرب والمسلمين حينما قال: إنه لا يستطيع أن يخفى عطفه على اليهود لأن اجداده منهم. والذى يقول مثل هذا الكلام ليس بمسلم عن عقيدة، وإنما إسلامه مزيف ، اسلام المتآمرين على الاسلام الحاقدين، عليه الهادمين لصرحه المدمرين لشامخ بنيانه".
ثم يواصل أستاذنا الكريم الدكتور الشكعة حديثه فيقول: "فإذا كان بعض العلويين والدروز لايزالون يربطون بين ظلم الاتراك لهم وبين المذهب السنى، فإن ذلك يعدو الحقيقة التاريخية فى كثير من جوانبها ، ذلك أن الظالمين من الاتراك، كانوا مدفوعين بغايات استعمارية حيناً وصهيونية حيناً آخر، وكان هدفهم المؤكد تشتيت صفوف المسلمين من أبناء المذاهب المختلفة بالرغم من الخلافة.
ومن ناحية أخرى نستطيع أن نقول : إن ظلم الاستعمار التركى لم يقع على العلويين والشيعة دون السنيين، فلقد لقى السنيون منه أفظع الوان العذاب والقتل والتشريد، فكم نصبت المشانق لابطال الاستقلال فى ساحة المرجة بدمشق ، وكم آلاف من العراقيين تنقلت رؤوسهم بين السيف والمشنقة، وكم من نساء محصنات أريد الاعتداء على عفافهن، لأنهن زوجات أو أخوات الشهداء من الزعماء العراقيين ، فكانت المرأة العراقية تفر منهم بعرضها، وتلقى بنفسها فى عرض نهر دجلة، حتى ابتلعت مياهه كثيراً من المحصنات العراقيات شهيدات للعرض والوطن.
فالاستعمار التركى السنى شكلا، البعيد عن الاسلام موضوعاً لم يفرق فى أذاه بين علوى ودرزى وشيعى وسنى، ولذلك ينبغى للعقلاء من العلويين أن يضعوا هذه الحقيقة نصب أعينهم، ولا ينظروا بريبة الى أخوانهم السنيين.
ولكن هناك كلمة حق، ينبغى أن تقال عن الشعب التركى ، ففرق كبير بين الشعب التركى الذى يحب المسلمين فى كل شبر من الارض يعيشون فيه، وبين بعض حكام الاتراك فى بعض فترات التاريخ السالف واللاحق، فمهما مال الحكام الاتراك عن الجادة وحاربوا الاسلام وتآمروا عليه حيناً ، أو تخلوا عنه وأعطوه ظهورهم حيناً آخر ، فإن الشعب التركى نفسه لايزال على عقيدته المسلمة الصافية ، ولايزال الاتراك من أبناء الشعب يؤمنون إيماناً فعليَّا بالحديث الشريف:" مثل المؤمنين فى توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
أقول بعد الاطلاع والقراءة الدقيقة لكتاب " اسلام بلا مذاهب" وبعد قراءة حال الأمة : ما أجمل العقل والحكمة والشفافية والوضوح والانصاف. ويبقى السؤال قائما، هل نتعظ بهذا التاريخ ، ونرتدع عن إثارة الفتنة بين السنة والشيعة أو بين المذاهب كلها، وأن نسعى لتوحيد الأمة، وأن ننسى كل الفتن وخصوصا بين المسلمين والاقباط فى مصر. وأن نحترم الأمة الواحدة وأن نحترم المواطنة. ، فكما قال سيدنا على رضى الله عنه وأرضاه " الناس صنفان ، إما أخ لك فى العقيدة أو نظير لك فى الخلق". وأتعجب أن يقف بعض العلماء وأنصاف العلماء الى جانب الفتنة – دعما للسياسة أو كراهية لبعض المسلمين.والله الموفق