هل تصبح الرسوم الجمركية الأمريكية فرصة لزيادة الاستثمارات الأجنبية في مصر؟

السبت، 12 أبريل 2025 07:00 م
هل تصبح الرسوم الجمركية الأمريكية فرصة لزيادة الاستثمارات الأجنبية في مصر؟
هبة جعفر

- تكليف وزراء المجموعة الاقتصادية لوضع سيناريوهات التحرك لضمان استقرار الأوضاع الاقتصادية

- خبراء لـ «صوت الأمة»: نمتلك فرصة استراتيجية غير مسبوقة لجذب الاستثمارات خاصة في قطاع الملابس الجاهزة
 
منذ تولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، وهو يتخذ القرارات المثيرة للجدل وسيلة للحكم وفرض السلطة على العالم، وجاء قرار فرض رسوم جمركية علي كل البضائع الواردة للسوق الامريكي، والتي تسببت فى مزيد من القلق خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية العالمية التى يمر بها العالم من حروب وارتفاع التضخم ولكن ترامب لم يعبأ بما يشهده العالم مؤكدا رغم صعوبة القرارات ولكنها هامة قائلاَ "اصمدوا، هذا الأمر لن يكون سهلاً، لكن النتيجة النهائية ستكون تاريخية".
 
ومع بداية تطبيق القرارات بشكل رسمي تسبب فى حدوث تخبط عالمي في حركة التجارة العالمية وفي البورصة الدولية، خصوصا أن الرسوم ستكون سبب في زيادة أسعار عدد كبير من السلع، ولها تاثير سلبي علي اسعار الطاقة والذهب في العالم، حيث خسرت شركات مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ما قيمته 5 تريليونات دولار من قيمتها السوقية عند إغلاق الجمعة الماضية بعد الإعلان مباشرة عن الرسوم، وهو انخفاض قياسي على مدى يومين.
 
وتراجعت أسعار النفط والسلع، بينما لجأ المستثمرون إلى السندات الحكومية كملاذ آمن، ومن بين الدول التي طلب منها أولا دفع رسوم جمركية بنسبة 10% أستراليا وبريطانيا وكولومبيا والأرجنتين ومصر والسعودية، ويظل السؤال الذي يحتاج لإجابة هل ستؤثر الرسوم الأمريكية الجديدة على الاقتصاد المصرى، وأكد خبراء الاقتصاد إن القرارات الأخيرة ستؤثر بشكل كبير على اقتصاد العالم أجمع وباعتبار إن مصر ليست بمعزل عن العالم فإن القرارات ستلقى بظلالها على الاقتصاد المصرى.
 
وكلفت الحكومة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وزراء المجموعة الاقتصادية بوضع سيناريوهات محددة للتحرك إزاء القرارات الأمريكية الأخيرة بشأن فرض رسوم جمركية، خلال الفترة المقبلة؛ لضمان استقرار الأوضاع الاقتصادية، وتحفيز مناخ الاستثمار، وتوطين الصناعات المختلفة، وأكد المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، أن هناك مجموعة من الإجراءات المُحددة ذات الأثر التجاري التي تستهدف دعم عدد من الصناعات وتحفيز بعض المجالات مثل المجال التكنولوجي، وسيتم التنسيق مع الوزارات المعنية بشأن هذه الإجراءات.
 
وسبق أن أكد المهندس فاضل مرزوق، رئيس المجلس التصديري للملابس الجاهزة، أن الرسوم الجمركية الحمائية الأمريكية تمثل فرصة كبيرة لنفاذ المنتج المصري إلى السوق الأمريكية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تتصدر الدول المستقبلة لمنتجات الملابس الجاهزة المصرية بما قيمته 193 مليون دولار خلال أول شهرين من 2025 مقابل 183 ملايين دولار بنفس الفترة من العام الماضي، ويعمل المجلس على خطة طموحة تهدف إلى زيادة صادرات القطاع بنسبة تتراوح بين 20% إلى 25% سنوياً خلال السنوات الخمس المقبلة، مع استهداف تحقيق صادرات بقيمة 12 مليار دولار بحلول عام 2031.
 
وأضاف أن المجلس التصديري للملابس لديه استراتيجية أوسع لتعزيز القدرة التنافسية للقطاع وجذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة من دول مثل تركيا والصين وفيتنام والهند، لافتا إلى العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية إلى قطاع الملابس الجاهزة، لأن هذه الاستثمارات ستلعب دوراً محورياً فى تحقيق الزيادة المستهدفة فى الصادرات.
 
وأكد خالد سليمان، نائب رئيس شعبة الملابس الجاهزة في الغرف التجارية، أن مصر تمتلك فرصة استراتيجية غير مسبوقة لجذب استثمارات أجنبية في قطاع الملابس الجاهزة، خاصة فى ظل الرسوم الجمركية الأمريكية المرتفعة على المنتجات الصينية والتركية، والتى تصل إلى 34% و24% على التوالي، موضحاً أن هذه التعريفات الجمركية دفعت عددًا من المصنعين العالميين لإعادة النظر في أماكن التصنيع، والبحث عن أسواق بديلة أكثر تنافسية، مشيرًا إلى أن مصر تمتلك مزايا كبيرة في هذا الصدد، خاصة مع انخفاض الرسوم الجمركية المفروضة على منتجاتها عند دخول السوق الأمريكي، بفضل الاتفاقيات التجارية الموقعة.
 
وشدد نائب رئيس الشعبة، على أن الفرصة وحدها لا تكفي، بل تتطلب استعدادًا فعليًا على أرض الواقع، داعيًا الحكومة والقطاع الخاص إلى تدشين مراكز تدريب متخصصة لتأهيل العمالة الفنية في صناعة الملابس الجاهزة، بما يضمن جاهزية المصانع المصرية لاستقبال هذه الاستثمارات وتشغيل خطوط إنتاج جديدة بكفاءة، لافتاً إلى أن هناك بالفعل طلبات رسمية من مستثمرين أتراك وصينيين للدخول في شراكات أو تأسيس مصانع في مصر، لكن جذب هذه الاستثمارات يتطلب توفير مناخ عمل مدعوم بالكوادر المدربة وسلاسل إمداد متكاملة، إلى جانب تسهيلات إجرائية وسرعة في التراخيص.
 
الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادى وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع، قال إن الصادارات للولايات المتحدة في 2023 بلغت 1.9 مليار دولار منها نحو 1.3 مليار دولار صادرات ملابس وفقا لاتفاقية الكويز، وهي اتفاقية خاصة تسمح بدخول المنتجات المصرية للسوق الأمريكية بدون جمارك وتظل تلك الاتفاقية قائمة لينحصر تأثير الرسوم المقررة على صادرات بنحو 600 مليون دولار وفقا لتقديرات عام 2023 أي أن التأثير المباشر يقدر بنحو 60 مليون دولار.
 
وأشار جاب الله لـ «صوت الأمة»، إلى أن تقرير الرسوم على مصر وفقا لأقل نسبة وهي 10٪ يعد حافز للاستثمار في مصر، باعتبارها من الدول الاقل في تقرير الرسوم الجمركية المقررة لدخول السوق الأمريكية.
 
وقال الدكتور محمد راشد، الخبير الاقتصادى واستاذ الاقتصاد بجامعة بنى سويف، إن "الهجمة الترامبية" بشن حرب تجارية على كافة الشركاء التجاريين من دول العالم من خلال زيادة التعريفات الجمركية سيكون لها تداعيات سلبية جمة على الاقتصاد العالمي، وستؤثر سلبا على معدلات النمو الاقتصادي واضطراب سلاسل الإمداد والتوريد، بالإضافة إلى أثرها الكارثي على أسوق المال التي تلقت هذه القرارات بصدمة شديدة، وبالتالي ستتأثر كل دول العالم تقريبا بهذه الاضطرابات الناتجة عن حرب التعريفات الجمركية ومنها مصر، لافتاً إلى إن مقدار تأثر كل دولة بشكل مباشر سيختلف حسب حجم صادراتها للسوق الأمريكي، علاوة على نسبة التعريفة الجمركية المفروضة بجانب التأثر غير المباشر جراء للقطاعات التى ستنعكس عليها سلبا هذه الاضطرابات.
 
وأشار راشد لـ"صوت الأمة" إلى أن درجة تأثير الحرب التجارية على الصادرات المصرية للسوق الأمريكية محدود وإن اغلب الآثار السلبية تتركز في الخوف من نزوح المستثمرين الأجانب من أدوات الدين المحلية، ليشكل ضغط على سعر صرف الجنيه والذي أعتقد أنه سيكون مؤقتا، وأيضا هذه الاضطرابات ستؤثر سلبا على البورصة المصرية جراء انتقال العدوى إليها من الأسواق المالية الأخرى، بجانب الأثر السلبى على إيرادات قناة السويس نتيجة تراجع حجم التجارة الدولية المتوقع، لكن بالرغم من هذه التحديات فإن هناك فرص تتعلق بزيادة حجم الصادرات المصرية للسوق الأمريكية من خلال جذب الاستثمارات الأوروبية الصينية لمصر، للاستفادة من الميزة النسبية لمصر بزيادة التعريفة الجمركية 10% فقط على صادراتها للسوق الأمريكية، وهى أقل كثيرا من المفروضة على البضائع الأوروبية والصينية، مما يدعم النمو الاقتصادي في مصر ويخلق المزيد من فرص العمل وتحسين قيمة العملة المحلية في الاجلين المتوسط والطويل، كما أن تأثير زيادة التعريفات الجمركية على تراجع اسعار النفط بشكل كبير يحمل نقطة إيجابية جيدة على موازنة الدولة من حيث خفض العجز بها.
 
وفي تحليله لقرارات الرئيس الأمريكي قال الدكتور عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن ترامب يعتبر تلك الإجراءات ستؤدي إلى عودة الوظائف والمصانع إلى الولايات المتحدة، بحجه البدء في شراء المنتجات الأميركية، وإن كانت هذه الخطوه ستؤدي إلي زيادة التضخم في أمريكا الذى من المتوقع ان يصل الي 4%؜، وايضاً الي توتر التجارة العالمية وسلاسل الامدادات علي مستوي الاسواق العالمية، لافتاً في الوقت نفسه إلى مخاوف المستثمرين المتزايدة من ركود اقتصادي عالمي، وأن تؤدي الحرب التجارية المتصاعدة إلى كبح النمو الاقتصادي في أعقاب الرسوم الجمركية العالية التي أعلن عنها ترامب، لاسيما ان هناك حالة من التوترات الاقتصادية يشهدها العالم بسبب هذه القرارات.
 
وأشار السيد، إلى أن فرض الولايات المتحدة تعريفة جمركية شاملة بنسبة 10% على جميع الصادرات المصرية، سيكون له تأثير سلبي محدود، لأن إجمالي صادرات مصر لأمريكا لا يتجاوز ٥%؜ من اجمالي الصادرات المصرية، فمن المتوقع ان تواجه قطاعات رئيسية مثل والحديد والصلب والفواكه والخضروات، والتي تُشكّل جزءًا كبيرًا من صادرات مصر إلى الولايات المتحدة، انخفاضًا في قدرتها التنافسية في السوق الأمريكية بسبب ارتفاع التكاليف، وقد يؤدي هذا التطور إلى انخفاض أحجام الصادرات ويؤثر سلبًا على الميزان التجاري لمصر مع الولايات المتحدة، خاصه وان الصادرات المصرية لأمريكا خسرت ما يقرب من 180 مليون دولار عام 2018 بسبب قرارات مشابهه لترامب برفع الرسوم الجمركية آنذاك.
 
كما أشار الدكتور عبد المنعم السيد، إلى أن أسعار الذهب عالميا ومحليا من المتوقع ارتفاعها بسبب حالة التوترات الاقتصادية العالمية التي أحدثتها قرارات ترامب الجمركية، ويجب علي المصدرين المصريين ايجاد أسواق جديدة لمنتجاتهم بديلا عن الاسواق الامريكية، وإعادة دراسة التكاليف الانتاجية وتخفيضها لمواجهة ارتفاع الرسوم الجمركية المفروضة حتي لا تنكمش حصتها في السوق الامريكية، موضحاً أنه من الممكن أن تلجأ الحكومة المصرية للتفاوض حول تخفيض الرسوم الجمركية أو الإعفاء منها، خاصة انها ستؤثر علي الاتفاقيات التجارية الموقعه بين مصر وأمريكا و علي رأسها اتفاقيه الكويز.
 
وسبق ان حذّر جيمى ديمون، الرئيس التنفيذى لبنك جى بى مورجان تشيس، المستثمرين من أن الحروب التجارية قد تُهدد التحالفات الاقتصادية التى جعلت الولايات المتحدة أقوى دولة فى العالم، فيما رفع جان هاتزيوس، كبير الاقتصاديين فى جولدمان ساكس، احتمالات حدوث ركود اقتصادى فى الولايات المتحدة إلى 45%. وحتى بيل أكمان، ملياردير صناديق التحوّط وأحد أكبر مؤيدى ترامب فى وول ستريت، حذّر من أن قدرة الرئيس على إدارة المعركة التجارية ستضعف إذا استمرت الأسواق فى التدهور.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق