أمجد برهم وزير التعليم الفلسطيني لـ«صوت الأمة»: تعرضنا لإبادة تعليمية في غزة.. وإسرائيل تهدد مستقبل جيل كامل
السبت، 15 مارس 2025 12:09 م
محمود علي
85% من الجامعات و95% من المدارس بالقطاع تضررت بشكل كامل.. و800 معلم و15 ألف طالب استشهدوا
نشكر مصر على جهودها في دعم التعليم في فلسطين.. والقاهرة أعادة الأمل للطلبة الفلسطينيين
نشكر مصر على جهودها في دعم التعليم في فلسطين.. والقاهرة أعادة الأمل للطلبة الفلسطينيين
يواجه قطاع التعليم في فلسطين واحدة من أكبر الأزمات في تاريخه، حيث بات الطلبة والمعلمون في مواجهة مباشرة مع آلة الحرب التي لم تكتفِ باستهداف المباني والبنية التحتية، بل امتدت لتطال العقول والآمال والطموحات. فخلال العدوان الإسرائيلي الذي استمر لـ 15 شهراً على قطاع غزة والتصعيد في الضفة الغربية، تحولت المدارس والجامعات إلى أهداف عسكرية، مما أدى إلى تدمير واسع النطاق للمؤسسات التعليمية وحرمان مئات الآلاف من الطلبة من حقهم الأساسي في التعلم.
لم يكن التأثير مقتصرًا على البنية التحتية فقط، بل امتد ليشمل خسائر بشرية مؤلمة، إذ استشهد المئات من المعلمين وآلاف الطلبة، فضلًا عن المعاناة النفسية العميقة التي خلفتها هذه الاعتداءات. ومع ذلك، لا تزال وزارة التربية والتعليم الفلسطينية تقود حراكًا فاعلًا لإنقاذ العملية التعليمية، عبر استراتيجيات تضمن استمرارية التعليم بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك التعليم الافتراضي، وفتح مراكز تعليمية لتعويض الطلبة، وإعادة هيكلة العام الدراسي لضمان عدم ضياع سنوات دراسية كاملة.
في هذا الحوار، يسلط الدكتور أمجد برهم، وزير التربية والتعليم الفلسطيني، الضوء على واقع التعليم في فلسطين بعد العدوان، والتحديات التي تواجه القطاع التعليمي، والاستراتيجيات المتبعة للنهوض به رغم الدمار، كما يناقش الجهود المبذولة لضمان حق الطلبة في التعليم، سواء في غزة أو الضفة أو القدس، في ظل محاولات الاحتلال لطمس الهوية الوطنية الفلسطينية عبر استهداف المدارس والمناهج.
وإلى نص الحوار..
بداية كيف تقيّمون حجم الأضرار التي لحقت بالمدارس والجامعات في قطاع غزة والضفة الغربية نتيجة القصف والاستهداف الإسرائيلي؟
الضرر الذي لحق بالمدارس والجامعات في فلسطين، وخاصة في قطاع غزة، هو ضرر كارثي يرتقي إلى مستوى "الإبادة التعليمية". على مستوى المدارس، تعرضت 95% منها لأضرار تتراوح بين التدمير الجزئي والكلي، بينما بلغت نسبة الدمار في الجامعات 85%، بما في ذلك المباني والمرافق.
والخسائر البشرية كانت مؤلمة للغاية؛ فقد استشهد أكثر من 800 معلم ومعلمة، وما يزيد عن 15 ألف طالب وطالبة من مختلف المراحل الدراسية. بالإضافة إلى ذلك، هناك أضرار نفسية جسيمة لحقت بالطلبة والمعلمين على حد سواء، فضلًا عن الفاقد التعليمي الضخم نتيجة حرمان حوالي 630 ألف طالب مدرسي و88 ألف طالب جامعي من حقهم في التعليم منذ بداية العدوان. كما تم حرمان 39 ألف طالب توجيهي من التقدم لامتحانات الثانوية العامة.
وماذا عن الضفة؟
في الضفة الغربية، حيث يواجه التعليم تحديات مختلفة لكنها لا تقل خطورة، حيث تعيق أكثر من 980 حاجزًا عسكريًا وصول الطلبة والمعلمين إلى مدارسهم. والهجمات الشرسة على المخيمات في جنين وطولكرم أدت إلى تعطيل العملية التعليمية بشكل كبير، حيث تم حرمان 26 ألف طالب من التعليم الوجاهي منذ بداية الفصل الدراسي الثاني. كما تواجه مدارس وكالة الغوث استهدافًا ممنهجًا، خاصة في القدس، إلى جانب الاعتداءات المستمرة على المدارس في مناطق الأغوار ومسافر يطا وجنوب نابلس والريف الشرقي من بيت لحم.
كيف تؤثر هذه الاستهدافات المتكررة للمؤسسات التعليمية على مستقبل الطلاب الفلسطينيين وجودة التعليم بشكل عام؟
استهداف المؤسسات التعليمية يهدد مستقبل جيل كامل من الطلاب الفلسطينيين، ويؤثر بشكل مباشر على جودة التعليم. فقد أدى العدوان إلى انقطاع طويل عن الدراسة، مما خلق فجوات تعليمية كبيرة وصعوبات في التحصيل الأكاديمي. كما أن الآثار النفسية على الطلبة، سواء بسبب فقدان ذويهم أو تعرضهم لصدمات الحرب، تؤثر بشكل كبير على قدرتهم على التركيز والاستيعاب. ومع ذلك، نحن في وزارة التربية والتعليم ملتزمون بتوفير كل السبل الممكنة لضمان استمرار التعليم، وإعادة بناء النظام التعليمي ليظل صامدًا في وجه هذا العدوان.
برأيكم، إلى أي مدى تسعى إسرائيل إلى طمس الهوية الفلسطينية من خلال استهداف المدارس والمناهج التعليمية؟
الاحتلال الإسرائيلي يسعى بشكل واضح إلى طمس الهوية الفلسطينية عبر استهداف المدارس والمناهج التعليمية. هذا يتمثل في محاولاته لفرض مناهج تتماشى مع رؤيته، ومنع تدريس مواد تتعلق بالتاريخ الفلسطيني والنضال الوطني. واستهداف المدارس في القدس والضفة الغربية، وخاصة مدارس الأونروا، هو جزء من هذا المخطط. لكننا في وزارة التربية والتعليم نعمل جاهدين للحفاظ على المناهج الوطنية، وتعزيز الوعي الوطني لدى طلبنا لمواجهة هذه المخططات.
استهدفت إسرائيل مدارس الأونروا بشكل ممنهج، مما حرم الآلاف من الطلاب من حقهم في التعليم. كيف تتعاملون مع هذه الأزمة؟
الهجوم الممنهج على مدارس الأونروا هو استهداف مباشر لحق التعليم المكفول دوليًا. نحن نعمل بالتنسيق مع المؤسسات الدولية والأممية للضغط على الاحتلال لوقف هذه الاعتداءات. كما أننا نوفر بدائل تعليمية عبر المدارس الإلكترونية والمراكز التعليمية التي تستوعب الطلبة الذين فقدوا مدارسهم، لضمان استمرار تعليمهم رغم كل الظروف الصعبة.
ما هو واقع التعليم في الأراضي الفلسطينية المحتلة حاليًا بعد توقف العدوان الإسرائيلي على غزة، واستمرار التصعيد في الضفة الغربية؟
بعد توقف العدوان، كان التحدي الأكبر هو استئناف العملية التعليمية دون ضياع عامين دراسيين على الطلبة. قمنا بفتح مدارس إلكترونية بطواقم تعليمية متكاملة، إلى جانب إنشاء مراكز تعليمية وجاهية لتعويض الطلبة عما فاتهم. تم تقسيم العام الدراسي إلى عامين لتعويض الفاقد التعليمي، وقد تمكنا، بحمد الله، من إنهاء العام الدراسي 2023/2024 بنجاح، حيث تخرج أكثر من 308 آلاف طالب وطالبة منتصف فبراير 2025. كما أطلقنا العام الدراسي الجديد مع الإبقاء على المدارس الافتراضية والتوسع في المراكز التعليمية. التعليم الجامعي استمر رغم التحديات، وتم استضافة 20 ألف طالب جامعي افتراضيًا في جامعات الضفة كطلبة زائرين خلال المرحلة الأولى من العدوان.
ما أبرز التحديات التي تواجه القطاع التعليمي الفلسطيني في هذه المرحلة الحرجة، وما خطط الوزارة لمواجهتها؟
أبرز التحديات تتمثل في إعادة بناء المدارس والجامعات، تعويض الفاقد التعليمي، ومعالجة الآثار النفسية للطلبة والمعلمين. نعمل على توفير الدعم النفسي والتعليمي، وإعادة الإعمار، إلى جانب تعزيز التعليم الإلكتروني كوسيلة مساندة.
في ظل الاستهداف المباشر للمؤسسات التعليمية، ما هي رؤية الوزارة لإعادة بناء القطاع التعليمي والنهوض به مجددًا؟
رؤيتنا قائمة على إعادة الإعمار بشكل يضمن بيئة تعليمية آمنة ومستدامة. سنواصل تطوير التعليم الإلكتروني، وتعزيز الشراكات الدولية لدعم التعليم في فلسطين. كما أن مرحلة رياض الأطفال ستكون جزءًا من تدخلاتنا المقبلة لضمان تعليم متكامل منذ المراحل الأولى.
ما هي رسالتكم لطلبة المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية الذين حُرموا من حقهم في التعليم بسبب العدوان الإسرائيلي؟
رسالتي لهم أن التعليم هو سلاحنا في مواجهة الاحتلال. رغم كل الدمار، سنعيد بناء مدارسنا وجامعاتنا، وسنواصل تعليمكم بكل السبل الممكنة. أنتم مستقبل فلسطين، وأملها في التحرر والبناء.
كيف تقيّمون جهود مصر في دعم الطلبة الفلسطينيين وتذليل العقبات أمامهم، خاصة للدارسين في الجامعات المصرية؟
مصر كانت، ولا تزال، داعمًا أساسيًا للتعليم الفلسطيني، ولذلك نتقدم بالشكر والامتنان للشقيقة مصر على كل جهودها ودعمها للعملية التعليمية بشكل عام خاصة للطلبة الغزيين الذين وجدوا أنفسهم خارج وطنهم. وقفت مصر إلى جانبنا، وسهلت إجراءات الدراسة للطلبة الفلسطينيين في جامعاتها، ووفرت لهم كل ما يحتاجونه. هذا الموقف الإنساني والأخوي أعاد الأمل لآلاف الطلبة الذين فقدوا مدارسهم وجامعاتهم بسبب العدوان. فمعا بدأنا ومعا نواصل السعي وعلى هذه الروح التكاملية نعتمد في مواصلة مساعينا وجهودنا.
ولو تحدثنا عن الخطط القائمة لتعزيز التعاون التعليمي مع مصر، خاصة في مجال التعليم قبل الجامعي؟ وما أبرز مجالات هذا التعاون؟
مصر لديها تجربة رائدة في مجال التعليم، ونسعى للاستفادة منها في تطوير التعليم الفلسطيني، ونعمل في هذا الإطار خلال زياراتنا السابقة والقادمة إلى القاهرة لتعزيز التعاون في عدد من المجالات، بما في ذلك تطوير المناهج، والتبادل الأكاديمي، والتدريب المشترك للمعلمين، وتذليل كافة العقبات أمام الطلبة والطالبات الفلسطينيين.
كيف ترون نجاح تجربة التعليم الإلكتروني كبديل في ظل التصعيد الإسرائيلي المستمر، وهل يمكن أن يكون حلًا مستدامًا للمستقبل؟
التعليم الإلكتروني كان ضرورة خلال العدوان، وأثبت أنه يمكن أن يكون جزءًا من منظومتنا التعليمية في المستقبل. نحن نعمل على تطويره ليكون مكملًا للتعليم الوجاهي، وليس بديلاً عنه.
ما الدور الذي يجب أن يلعبه الأكاديميون والمدرسون في توعية الطلاب والمجتمع بما يحدث على الأرض في غزة والضفة؟ وكيف تعمل الوزارة على ترسيخ وعي الطلبة بمخاطر التهجير القسري؟
الأكاديميون والمدرسون لهم دور كبير في توعية الأجيال الصاعدة بالقضية الفلسطينية. نحن نحرص على تعزيز المناهج التي ترسخ الهوية الوطنية، ونعمل على إطلاق حملات تثقيفية وبرامج تعليمية لتعزيز وعي الطلبة بتاريخهم وحقوقهم، وخاصة مخاطر التهجير القسري. التعليم ليس فقط وسيلة لنقل المعرفة، بل هو أيضًا أداة مقاومة وصمود.
ما هي الإجراءات التي اتخذتها الوزارة لضمان استمرار التعليم في ظل الدمار الكبير الذي لحق بالمؤسسات التعليمية، وما مدى نجاح هذه الحلول حتى الآن؟
حرمان آلاف الطلبة من حقهم الأساسي في التعلم كان أحد أخطر التحديات التي واجهناها، ولذلك تحركنا بسرعة لإعادة هيكلة العام الدراسي، وتعزيز التعليم الافتراضي كحل عملي لضمان استمرار التعليم. عملنا على تشغيل المدارس الافتراضية والجامعات، إلى جانب فتح مراكز تعليمية في مختلف المناطق لدعم الطلبة والمعلمين. ولأن التعليم هو الأمل الذي لا يمكن إيقافه، نعمل أيضًا على عقد امتحانات الثانوية العامة قريبًا، حتى لا يفقد طلبتنا فرصهم الأكاديمية.
كيف تنظرون إلى دور التعليم في إعادة بناء قطاع غزة، وما هي الخطط المستقبلية للنهوض بالقطاع التعليمي؟
التعليم هو الركيزة الصلبة لبناء مستقبل مستدام، ولهذا نضعه في قلب خطط إعادة إعمار غزة. نركز على دعم المؤسسات التعليمية، سواء من حيث البنية التحتية أو توفير الموارد والأدوات التعليمية، لضمان استمرارية التعليم في ظل الأوضاع الصعبة. الوزارة تقود حراكًا فاعلًا لتوفير فرص تعليمية عادلة لجميع الطلبة، من خلال توسيع دائرة المدارس الافتراضية والنقاط التعليمية، وندعو إلى تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية لتقديم الدعم العاجل لقطاع التعليم في فلسطين.