يوسف أيوب يكتب: الدولة القوية لا تغير مواقفها
السبت، 22 فبراير 2025 01:18 م
يوسف أيوب
»»القيادة المصرية وضعت خارطة طريق لمستقبل القضية الفلسطينية وتصدت بعزيمة وقدرة لكل محاولات التصفية والتهجير
»» القاهرة صاغت خطة متكاملة للمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بأعمار غزة في وجود الفلسطينيين وإدارة القطاع مستقبلاً
»» التحذيرات المصرية من خطورة إستمرار الصراع وتوسيع نطاقه حركت المياه الراكدة في عواصم غربية.. وحل الدولتين البديل الآمن
ستظل مصر هي عمود الخيمة، التي يستند عليها دوماً الأشقاء العرب لحمايتهم من تلاطم الأحداث، والتحديات المتلاحقة، أخذين في الاعتبار أن دولة مصر القوية بقيادتها السياسية الوطنية، لا تبدل أبداً مبادئها ولا تغير استراتيجيتها، وأن هدفها الأول والأخير يظل في حماية أمن واستقرار المنطقة، والحفاظ على الامن القومى العربى.
وفى ظل تصاعد الاحاديث الأمريكية، حول مستقبل القضية الفلسطينية، اتجهت الأنظار إلى القاهرة، في انتظار كلمتها، وكانت كلمة القاهرة واضحة ولا لبس فيها، لا تهجير ولا تصفية للقضية الفلسطينية، والحل العادل هو إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، يمثل الضمانة الوحيدة لتحقيق السلام الدائم.
اتجهت كل الأنظار إلى القاهرة، لإدراك الجميع، إنها صاحبة القول الفصل، والمبدأ الذى لا يتغير، وأن قوة مصر تأتى من تلاحم شعبها مع قيادتها السياسية. القيادة السياسية التي حددت منذ اليوم الأول لتوليها المسئولية في 2014 أنه لا حياد مع الامن القومى العربى والمصرى، ولا نقاش حول أمن واستقرار المنطقة.
بعد أحداث 7 أكتوبر 2023 وبداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، قالت القاهرة على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسى، أن الحل في السلام العادل والشامل، محذرة من أستمرار وتيرة الحرب الإسرائيلية بما سيؤدى إلى توسيع رقعة الصراع في المنطقة، كما حذرت من الهدف الإسرائيلي الخفى، وهو جعل قطاع غزة منطقة غير قابلة للحياة، بما يدفع الفلسطينيين إلى الهجرة لدول الجوار، بما يؤدى إلى نسف وتصفية القضية الفلسطينية من الأساس. ورفعت مصر شعار "لا للتهجير"، ومن خلف القاهرة سارت الدول العربية، وتبعتها الدول الصديقة والشقيقة التي استشعرت خطورة ما يحدث في المنطقة، وان تحذيرات القاهرة تستند إلى رؤية واقعية لأحداث متلاحقة.
وحينما تحدث الرئيس الامريكى دونالد ترامب عن رغبته في ترحيل او تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن ودولاً أخرى، طارحاً ما أسماه تحويل غزة إلى ريفيرا الشرق الأوسط، كان الرد المصرى واضحاً وحاسماً: لا تهجير.. والسلام يبدأ بدولة فلسطينية مستقلة، وإن أعمار غزة سيكون بوجود الفلسطينيين على أرضهم.
ومن خلف الرئيس السيسى سارت الجميع، مؤمنين بقدرة مصر على قيادة الصفوف العربية في مواجهة أية ضغوط خارجية لتمرير مخطط التهجير الخبيث.
الثقة العربية والدولية في مصر وقيادتها لا ينبع فقط من كون الثقل الذى تتمتع به القاهرة، ولكن لأن رئيس مصر يملك خطة واضحة ومحددة سواء للسلام أو لإعادة أعمار غزة في وجود الفلسطينيين على أرضهم، دون الحاجة إلى ترحيلهم أو تهجيرهم "مؤقتاً" كما يدعى البعض.
وفى رسالة واضحة نقلها الرئيس السيسى إلى العالم كله في عدة مناسبات، واخرها لقائه الأسبوع الماضى مع "رونالد لاودر"، رئيس الكونجرس اليهودي العالمي، مفادها:
أن إستمرار الصراع وتوسيع نطاقه سيضر بكافة الأطراف دون إستثناء.
إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، يمثل الضمانة الوحيدة لتحقيق السلام الدائم.
أهمية البدء في إعادة إعمار قطاع غزة، مع ضرورة عدم تهجير سكانه من أراضيهم، وامتلاك مصر خطة متكاملة في هذا الشأن.
ضرورة تحلي جميع الأطراف بالمسؤولية لضمان المحافظة على وقف إطلاق النار المتفق عليه في غزة.
التحذير من خطورة التصعيد الدائر في الضفة الغربية، والاعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
وخلال استضافة القاهرة، الثلاثاء الماضى، للاجتماع الرابع للتحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين، بحضور فيليب لازاريني المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وسيجريد كاخ كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشئون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة والمنسقة الأممية لعملية السلام في الشرق الأوسط، وأكثر من 35 دولة ومنظمة وهيئة إقليمية ودولية، جدد الدكتور بدر عبدالعاطي وزير الخارجية، التزام مصر الكامل بتنفيذ حل الدولتين، وضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على كامل التراب الوطني الفلسطيني في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، وباعتباره الحل الأوحد لتحقيق السلام والأمن لجميع شعوب المنطقة، وقال "إن حل الدولتين يظل المسار الوحيد القابل للتطبيق لتحقيق السلام والأمن لجميع شعوب المنطقة.. والأزمة الإنسانية الخطيرة في غزة تتطلب عملية تعاف مبكر، وضمان بقاء الفلسطينيين على أرضهم بينما يتم إعادة بناء غزة في إطار زمني واضح ومحدد".
كما شدد وزير الخارجية على تمسك مصر برفض أي بديل للأونروا، وإدانتها لإقرار الكنيست الاسرائيلى للقانونين الأخيرين اللذين يستهدفان عرقلة عملها، مؤكدا أنه يتعين على إسرائيل، باعتبارها قوة احتلال، أن تفي بالتزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
هذه المواقف الواضحة من جانب مصر، معلنة ومعروفة للجميع، بل أن العالم كله اليوم يتحدث عن الخطة المصرية المدعومة عربياً لإعادة أعمار غزة في وجود الفلسطينيين، والتي من المتوقع إقرارها في القمة العربية الطارئة التي ستستضيفها القاهرة يوم 4 مارس المقبل، وهى القمة التي أكد السفير حسام زكى، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، إنها تهدف إلى صياغة موقف عربي موحد وقوي بشأن القضية الفلسطينية، خاصةً في ظل رفض مخطط التهجير الذي طُرح من الجانب الإسرائيلي وتبنته الإدارة الأمريكية لاحقًا، مع تأكيده أن الطرح المصري سيكون محور النقاشات خلال القمة، ويتضمن مقترحات لإعادة إعمار غزة من خلال الشعب الفلسطيني نفسه، بما يضمن توفير فرص عمل دون الحاجة إلى تهجير السكان خارج القطاع، حيث من المتوقع ان تصدر عن القمة وثيقة رسمية تعكس الموقف العربى الداعم للشعب الفلسطيني وتعزيز صموده.
هذه الوثيقة أو الموقف العربى المعتمد على الخطة المصرية، تجاه خطة دونالد ترامب بشأن غزة، ستتبلور بشكل كامل عند بدء الحوار الرسمي مع الجانب الأمريكي، أخذا في الاعتبار التحركات المصرية خلال الأيام الماضية، التي أنتجت مجموعة من المواقف والقرارات المهمة التي ستمهد لبدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والمرتبط بإدارة القطاع مستقبلاً، وأهمها إعلان حماس التزامها باتفاق وقف إطلاق النار بمراحله الثلاث وعدم مشاركتها في إدارة القطاع خلال المرحلة القادمة، وهو الموقف الذى أفشل الكثير من المخططات الإسرائيلية والأمريكية التي كانت تستند إلى وجود حماس في غزة، كاساس لضرب أي محاولة لأقرار السلام، لذلك فإن إعلان حماس استعدادها للتخلي عن حكم غزة قد تفتح الباب أمام مرحلة أكثر استقرارًا، وتساعد في تمرير المقترحات العربية، بما يضمن ألا تكون الأفكار الأمريكية هي الخيار الوحيد المطروح.
وهناك أحاديث تدور الأن حول ورقة مصرية تنص على وقف إطلاق النار لمدة عشر سنوات بضمانات دولية، مع التزام إسرائيل بعدم شن أي عمليات عسكرية خلال هذه الفترة. وتشكيل لجنة إدارية لإدارة قطاع غزة وإنشاء لجنة من الدول المانحة للإشراف على صرف الأموال المخصصة لإعادة الإعمار.
ومدة العشر سنوات في المبادرة المصرية تهدف إلى تشجيع الدول على تمويل عملية إعادة الإعمار، حيث إن العديد من الدول تتردد في إدارة إعمار غزة بسبب التصعيد العسكري المتكرر الذي يؤدي إلى تدمير البنية التحتية مجددًا.
ويرتبط بذلك الدور المنتظر من جانب القيادة الفلسطينية الممثلة في منظمة التحرير والرئيس محمود عباس أبو مازن، في إدارة المرحلة المقبلة، فالهدف الرئيسى في الوقت الراهن هو استعادة الثقة في الحكم الفلسطيني وتعزيز قدراته تدريجيًا، وتقديم دعم سياسي وأمني من الأطراف العربية والدولية لمساعدة السلطة الفلسطينية على القيام بدورها.
ولا يخفى على أحد الدور القوى والنشط الذى قامت به القاهرة على مدار الأيام الماضية، لأنقاذ اتفاق وقف إطلاق النار من العراقيل الإسرائيلية المتعمدة، فلم تتوقف مصر عن تحركاتها وجهودها لإنقاذ الاتفاق، وتمكنت القاهرة بالتعاون مع الوسطاء في الدوحة وواشنطن من استكمال تبادل الأسرى والمحتجزين بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، فالثلاثاء الماضى، أكد مصدر مصرى مطلع، انتهاء جولة المباحثات بين الوفد المصري والقطري والإسرائيلي والأمريكي بنجاح في القاهرة، وأعلن نجاح الجهود المصرية القطرية في الإفراج عن باقي المحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين اليوم السبت، وذلك في إطار استكمال بنود اتفاق وقف إطلاق النار الذى بدأ سريانه فى 19 يناير الماضي، بعد جهود مصرية مكثفة بالشراكة مع الأشقاء في قطر، والإدارة الأمريكية، وتم الاتفاق على أن تستمر المرحلة الأولى 42 يومًا، يتم خلالها التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة.
كل ذلك يصب في اتجاه امتلاك القاهرة رؤية متكاملة للحل، لا تترك شيئا للصدفة، فنجاح اتفاق وقف إطلاق النار بمراحله المختلفة، هو البداية لتنفيذ خطة الإعمار، او ما يطلق عليها إعلامياً "اليوم التالى في غزة"، وهو اليوم الذى يدور حوله نقاشات عدة وتصورات مختلفة، لذلك كانت الدولة المصرية حاضرة وبقوة بتصور متوفق عليه عربياً وإقليميا عن شكل غزة مستقبلاً، في وجود الفلسطينيين على أراضيهم.