الضمير الميت في غزة.. إسرائيل تقتل الفلسطينيين بالسلاح والأموال الأمريكية
السبت، 11 يناير 2025 03:36 ممحمود علي
واشنطن تدعم الاحتلال بصفقات أسلحة بـ26 مليار دولار منذ 7 أكتوبر 2023 وتتسبب في إطالة أمد حرب الإبادة
إدارة بايدن تمد تل أبيب بأخر صفقة قيمتها 8 مليار دولار قبل مغادرتها البيت الأبيض وتترك لها حرية الاستخدام دون قيود
إدارة بايدن تمد تل أبيب بأخر صفقة قيمتها 8 مليار دولار قبل مغادرتها البيت الأبيض وتترك لها حرية الاستخدام دون قيود
بينما يتعرض الشعب الفلسطيني لأكبر عملية إبادة جماعية وجرائم حرب في قطاع غزة على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، منذ ما يقارب الـ 15 شهراً، فإن هذه الإبادة لم تكن ستستمر بهذا الشكل الإجرامي لولا الدعم الأمريكي السياسي والعسكري المستمر لحكومة تل أبيب، فلم تكتف واشنطن باستخدام كافة أسلحتها الدبلوماسية وعلاقاتها الدولية لمساعدة نتنياهو وحكومته لتحقيق أهدافه في غزة منذ السابع من أكتوبر قبل الماضي، بل استمرت في إرسال مساعدات عسكرية دفعت الحكومة الإسرائيلية لمواصلة مجازرها في القطاع المحاصر، وأصبحت ضمن العوائق الرئيسية التي تقف حائلاً في طريق الوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.
والغريب أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر ضلع رئيسي في استمرار العدوان على غزة بكل هذا الدعم العسكري المقدم لتل أبيب، هي نفسها التي تتلون بشكل أخر وتظهر على فترات مطالبة بإيقاف المعاناة في القطاع، وفتح مجال لإيصال المساعدات للأهالي والسكان الذي يعانون الآمرين بداخله، وهي ذاتها التي تدعي وساطتها لدفع اتفاق وقف إطلاق النار إلى الأمام للوصول لصفقة مرضية لجميع الأطراف، لكن التناقض بين هذا وذاك يفضح الموقف الأمريكي الذي ربما سيكتب في التاريخ ويوصف بأنه الأسوأ على مر البشرية.
ورغم الانتقادات الدولية التي طالت الولايات المتحدة بسبب دعمها غير المحدود لتل أبيب، فإن واشنطن لم تتوانَ عن إرسال شحنات الأسلحة والمساعدات العسكرية الضخمة، والتي بلغت نحو 26 مليار دولار منذ السابع من أكتوبر قبل الماضي ومن ضمنها صفقة أخيرة قدرت بـ 8 مليارات دولار. هذا الدعم العسكري الهائل أسهم بشكل مباشر في إطالة أمد العدوان على غزة، وأدى إلى تأجيج الحرب أكثر وساهم في استمرار المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني.
وربما تصل حجم المساعدات المقدمة من جانب الولايات المتحدة لإسرائيل أكثر من المعلن بكثير، ففي أكتوبر الماضي، كشف تقرير لمشروع تكاليف الحرب التابع لجامعة براون الأمريكية أن الولايات المتحدة أنفقت رقما قياسيا لا يقل عن 17.9 مليار دولار على المساعدات العسكرية لإسرائيل منذ بدء حملتها ضد حركة حماس العام قبل الماضي.
ورغم أن المبلغ المقدر للدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل في عام واحد ضخماً، ويعتبر الأعلى في تاريخ الدعم المقدم من الولايات المتحدة الأمريكية لتل أبيب، إلا أنه ربما يكون أكثر من ذلك بكثير، حيث تم الانتهاء من التقرير الذي يرصد حجم المساعدات قبل أن تصعّد إسرائيل حملتها ضد حزب الله اللبناني أواخر سبتمبر وقبل أن توجه ضربات عديدة لليمن.
وتعتبر إسرائيل، أكبر متلق للمساعدات العسكرية الأمريكية في التاريخ، حيث حصلت على 251.2 مليار دولار من الدولارات المعدلة حسب التضخم منذ عام 1959.
وما أثار الغضب مجدداً أن الإدارة الأمريكية أخطرت الكونجرس بصفقة أسلحة جديدة مع إسرائيل بقيمة 8 مليارات دولار، تتضمن حسب موقع أكسيوس ذخائر للطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية وقذائف مدفعية وقنابل صغيرة القطر ورؤوسا حربية.
وساعد الدعم العسكري الأمريكي الضخم لإسرائيل في مواصلة عملياتها العسكرية دون أي ضغوط دولية تُذكر، فكلما تراجعت مخزوناتها العسكرية بسبب القصف المكثف، كانت الولايات المتحدة تسارع في تزويدها بالأسلحة اللازمة.
وشملت المساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة لإسرائيل أيضاً طائرات استطلاع وطائرات مسيّرة ساعدت في تنفيذ غارات دقيقة على قطاع غزة، وأسهم هذا الدعم في إحداث دمار واسع للبنية التحتية في القطاع. وتضمنت المساعدات تزويد إسرائيل بقنابل صغيرة القطر تزن 250 رطلاً، وصواريخ اعتراضية لتعزيز نظام القبة الحديدية، وهو نظام دفاع جوي قصير المدى مضاد للصواريخ وقذائف الهاون والمدفعية، كما تم تزويد إسرائيل بذخائر الهجوم المباشر المشترك "JDAMs" التي تحوّل القنابل غير الموجهة إلى قنابل دقيقة التوجيه باستخدام الأقمار الصناعية.
وقدمت الولايات المتحدة أيضاً قذائف مدفعية عيار 155 ملم، و14 ألف قنبلة من طراز "MK-84" بوزن 2000 رطل، و6500 قنبلة بوزن 500 رطل من الطراز ذاته، بالإضافة إلى 3000 صاروخ جو-أرض موجه بدقة من نوع "هيلفاير"، و1000 قنبلة خارقة للتحصينات، و2600 قنبلة صغيرة القطر تُلقى جواً، كما أشار تقرير لوكالة "بلومبيرج" إلى أن إسرائيل تسلّمت أسلحة وذخائر تشمل 36 ألف طلقة من ذخيرة المدافع عيار 30 ملم، وقذائف مدفعية عيار 155 ملم، و1800 ذخيرة من نوع "M141" الخارقة للتحصينات، وما لا يقل عن 3500 جهاز رؤية ليلية.
ويُعتبر دعم إسرائيل من القضايا القليلة التي تحظى بإجماع الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة، حيث تحظى المساعدات العسكرية المقدمة لها بتأييد واسع من أغلبية أعضاء مجلسي النواب والشيوخ وهو ما أدى إلى تبني الكونجرس سياسات أدت إلى تسريع إرسال الدعم العسكري لتل أبيب، الأمر الذي فاقم من معاناة الفلسطينيين، وبالفعل أقر الكونغرس الأمريكي خلال الحملة الإسرائيلية الوحشية على غزة عدة تشريعات، من بينها منح إسرائيل 12.6 مليار دولار من الاعتمادات العادية والتكميلية المخصصة لوزارة الخارجية والدفاع للسنتين الماليتين 2024 و2025، كما أقر سابقاً حزمة مساعدات طارئة إضافية بقيمة 14.3 مليار دولار. إلى جانب ذلك، تحصل إسرائيل على 3.8 مليارات دولار سنوياً كمساعدات عسكرية وفق الاتفاقية التي تم توقيعها خلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وتستمر حتى عام 2028.
ومنذ عقود، تعتمد إسرائيل على الأسلحة الأمريكية في كافة صراعاتها. ومنذ اندلاع العدوان الأخير في 7 أكتوبر الماضي، أفادت تقارير بأن إدارة الرئيس جو بايدن نفّذت أكثر من 100 عملية تحويل للمساعدات العسكرية إلى إسرائيل، رغم أن عمليتين فقط – بقيمة إجمالية تقدر بحوالي 250 مليون دولار – خضعتا لمراجعة الكونغرس المطلوبة.
ويُلزم قانون "أكا" وزارتي الخارجية والدفاع بإجراء مراجعة للتأكد من أن الدول التي تتلقى الأسلحة الأمريكية تستخدمها للأغراض المحددة والمقصودة، ومع ذلك، أكدت المتحدثة باسم وزارة الدفاع، سابرينا سينج، أن الوزارة تتابع وتتبع المساعدات المقدمة، لكنها أوضحت أنه "بمجرد وصول هذه المساعدات إلى أيدي الإسرائيليين، يصبح قرار كيفية استخدامها بيدهم، وليس لنا أي تدخل في ذلك".
وأصدر "مركز السياسة الدولية" في واشنطن تقريراً قيّم فيه حجم المساعدات المقدمة لإسرائيل، محذراً إدارة بايدن من ترك حرية التصرف لإسرائيل في استخدام تلك المساعدات دون قيود، الأمر الذي قد يؤدي إلى انتهاكات لحقوق الإنسان والقوانين الدولية المتعلقة بالنزاعات المسلحة.
ورغم استمرار دعم الكونجرس لتقديم مساعدات عسكرية لإسرائيل، بدأ بعض أعضائه في التدقيق حول مبررات منح تل أبيب حرية مطلقة في استخدام هذه الأسلحة، خصوصاً في الهجمات التي تستهدف الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما يُعد انتهاكاً للقوانين الأمريكية، وفي هذا السياق، قدمت النائبة بيتي ماكولوم في أبريل الماضي مشروع قانون، بمشاركة 17 عضواً في الكونجرس، لضمان عدم استخدام إسرائيل المساعدات الأميركية في استهداف الأطفال الفلسطينيين، أو تنفيذ عمليات التهجير القسري، وهدم المنازل، والضم غير القانوني للأراضي الفلسطينية، كما دعا السيناتور التقدمي بيرني ساندرز إلى ضرورة فرض شروط على المساعدات العسكرية المقدمة لإسرائيل، لضمان عدم استخدامها في انتهاك حقوق الإنسان أو القوانين الدولية والأمريكية.
كما شهد يوليو الماضي استقالة عدد من المسئولين الأمريكيين بسبب الدعم الأمريكى للحرب الإسرائيلية فى غزة، متهمين إدارة بايدن، "بالتواطؤ الذى لا يمكن إنكاره" فى قتل الفلسطينيين فى القطاع، وقال 12 مسئولا في وزارات الخارجية والتعليم والداخلية والبيت الأبيض، والجيش، فى بيان مشترك، إن الإدارة تنتهك القوانين الأمريكية من خلال دعمها لإسرائيل وإيجاد ثغرات لمواصلة شحن الأسلحة إلى حليفتها.
الوساطة غير النزيهة والمواقف المتناقضة
رغم دعمها العسكري والسياسي المستمر لإسرائيل، حاولت الولايات المتحدة الظهور كوسيط محايد في مفاوضات التهدئة، وانخرطت واشنطن في وساطة لدفع مفاوضات التهدئة إلى الأمام، حيث اقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن خطة لوقف إطلاق النار تشمل تبادل المحتجزين بين الطرفين، مع ذلك، لم تحقق هذه الجهود أي تقدم ملموس، حيث استمرت إسرائيل في حملتها العسكرية على غزة، وسط تردد أمريكي في ممارسة ضغوط حقيقية على تل أبيب.
أحد أبرز الانتقادات التي طالت الولايات المتحدة هو تبنيها سياسة مزدوجة في التعامل مع الأزمات العالمية، وتحديداً في قطاع غزة، ففي حين أبدت واشنطن دعمًا كبيرًا لأوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي على خلفية حقوق الإنسان، فإنها لم تتخذ موقفًا حازمًا تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة.
وفي أوكرانيا، سارعت واشنطن إلى فرض عقوبات على روسيا وتقديم مساعدات عسكرية ضخمة لكييف، في المقابل، لم تستخدم الولايات المتحدة أدوات الضغط التي تمتلكها لوقف العدوان على غزة، مثل تعليق المساعدات العسكرية لإسرائيل.
هذا التناقض الواضح أثار استياء العديد من الدول، خاصة في العالم العربي والإسلامي، حيث اعتبرت تلك الدول أن السياسة الأمريكية تُظهر انحيازًا واضحًا لإسرائيل، على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
وخلال العدوان على غزة، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لإجهاض قرارات تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، ففي 18 أكتوبر 2023، استخدمت واشنطن الفيتو ضد مشروع قرار فرنسي يدعو إلى وقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وفي 31 أكتوبر 2023، استخدمت الفيتو مرة أخرى ضد مشروع قرار برازيلي يدعو إلى هدنة إنسانية.
هذا الموقف الأمريكي خلال المحافل الدوية عكس ايضًا التناقض الواضح بين تصريحات المسؤولين الأمريكيين، الذين يعبرون عن القلق بشأن الوضع الإنساني في غزة، وبين أفعالهم على الأرض، التي تسهم في إطالة أمد الحرب، ما أدى إلى تعرض الولايات المتحدة لانتقادات واسعة من قبل العديد من الدول والمنظمات الدولية بسبب موقفها المتخاذل تجاه العدوان على غزة.
وطالب الاتحاد الأوروبي واشنطن بوقف دعمها العسكري لإسرائيل والضغط على تل أبيب لإنهاء الحرب، كما اتهمت منظمات حقوق الإنسان الدولية واشنطن بالمشاركة في الجرائم التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني، من خلال تزويد إسرائيل بالأسلحة التي تُستخدم في قتل المدنيين.