68 عامًا من المقاومة والتضحية من بطولات بورسعيد الباسلة

الثلاثاء، 24 ديسمبر 2024 04:38 م
68 عامًا من المقاومة والتضحية من بطولات بورسعيد الباسلة
ريهام عاطف

تحتفل محافظة بورسعيد بالعيد القومي لها في الـ23 ديسمبر من كل عام، وهو التاريخ الذي تم فيه جلاء ورحيل آخر جندي عن المدينة الباسلة بعدما ألحقت بالعدوان الثلاثي أشد الخسائر البشرية والمادية ، حيث شنت قوات 3 دول هى "إنجلترا ، فرنسا ، وإسرائيل"، العدوان على مصر بشكل عام وكثفت من قواتها لدخول الأراضي المصرية من البوابة الشمالية الشرقية عن طريق محافظة بورسعيد.
 
وتوقع العدوان خلال إعلانه الحرب على بورسعيد، أنه من السهل العبور إلى المحافظات المصرية والاستيلاء على قناة السويس، ولكن هذا ما رفضه أهالي بورسعيد ورجال المقاومة الشعبية بالتنسيق مع القوات المسلحة .
 
وشهدت محافظة بورسعيد منذ إعلان الحرب عليها في 5 نوفمبر حتى جلاء العدوان في 23 ديسمبر عام 1956، حصارًا تامًا لا مياه أو طعام أو أمان، ورغم ذلك أذاقوا قوات الاحتلال أشد العذاب من خلال عمليات نوعية سطروها في كتب التاريخ بدمائهم وأرواحهم، حتى رحل آخر جندي في 23 ديسمبر 1956.
 
وعلى الرغم من مرور 68 عاماً ألا أن أحفاد 56 يحتفلون في كل عام بهذه الذكري العطرة التي تحييها قلوبهم فخرا وعزة ببطولة واستبسال أجدادهم، ما زالت أرض بورسعيد معطرة بدمائهم الذكية، التي تصرخ شاهدة علي أمجادهم وعراقة أصولهم . 
 
download - 2024-12-24T152248.463
 
واحتفالًا بتلك المناسبة قال المهندس محمد بيوض – المؤرخ البورسعيدي، إن هذا العام نحتفل بالذكري الـ 68 لجلاء العدوان الثلاثي عن مصر والعدوان الأنجلوفرنسي عن بورسعيد، والذي أصبح عيداً قومياً للمدينة الباسلة في الـ 23 من ديسمبر كل عام وفيه يخرج البورسعيدية فرحاً بهذه المناسبة القومية التي يستعيدون فيها الملاحم البطولية التي سجلها أجدادهم بكلمات من الدماء في كتب التاريخ.
 
ومع إعلان تأميم قناة السويس كشركة مساهمة مصرية من جانب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر – رئيس جمهورية مصر العربية وقت ذاك، ثارت مطامع بعض الدول مثل فرنسا وانجلترا ومعهما إسرائيل في عودة القناة تحت ولايتهم مرة أخرى وهو ما رفضه الشعب المصري وقيادته السياسية، فبدأ العدوان الثلاثي علي مصر في 29 أكتوبر بضرب الأراضي المصرية بالكامل، وعلي بورسعيد كان في يوم 5 نوفمبر، وتم خلاله ضرب محافظة بورسعيد .
 
كما أوضح المؤرخ محمد بيوض، أنه تم قصف المدينة الباسلة وخاصة الأحياء القديمة مثل حي المناخ الذي تم احراقه وضربه بالنابالم، وجزء كبير جداً من حي العرب، وبدأ سقوط الشهداء في أماكن عديدة ببورسعيد، من ضرب الطيران للعدو بأماكن التجمع السكنية في هذه الأحياء، مضيفاً أن العدو حينها بدأ في الإنزال بالباراشوتات في منطقة الجميل، وكانت الدفعة الأولي لجنود العدو حوالي 200 فرد من المرتزقة الهجانة وغيرهم، وحينها رفض أهالي بورسعيد وجودهم واحتلال الأرض وقاموا بإبادتهم جميعاً بالقرب من مطار الجميل غرب المدينة، وشرقاً في بورفؤاد التي تقع علي المجري الملاحي لقناة السويس.
 
جرائم وخداع العدوان
فوجئ أهالي بورسعيد بدبابات تُقدم علي أرض المحافظة وترفع علم الإتحاد السوفيتي، فهرولوا عليها ظناً منهم أنها تتبع الاتحاد وأتت لانقاذ المدينة من العدوان، إلا أنها كانت خدعة من العدو وانهالت النيران علي البورسعيدية من كل مكان وسقط العشرات من الشهداء، ولم تكتف قوات العدوان بقتل العشرات وحصد أرواحهم، ولكنهم تقدموا بجنازير الدبابات على أجسادهم في مشهد يدل على جُرم هذا العدوان الغاشم بالأراضي المصرية.
 
لم يتمكن أهالي بورسعيد في ذلك التوقيت من دفن ذويهم من شدة قصف العدو ومحاصرتهم بالمدينة، وتراكمت الجثامين في الشوارع وبدأ بعض الأهالي من حملها على عربات كارو ووضعها علي بوابات المقابر، وتزايدت الأعداد وكادت أن تتسبب في كارثة وبائية بسبب هذه الجثث.
 
وأكد المؤرخ البورسعيدي، أن المحافظة لن تنسى دور حامد الألفي، حينما فكر في دفن شهداء بورسعيد بأرض ملعب النادي المصري، وبعد امتلاؤه اقترح أيضاً أن يتم وضع أجساد الشهداء في مقبرة جماعية وكتابة الأسماء عليها بعد ذلك، ومن ثم جعله نصب تذكاري للشهداء.
 
وأضاف المهندس محمد بيوض، أن حامد الألفي ترك وصية بأن يتم دفنه وسط الشهداء وبالفعل حدث ذلك، موضحاً أن مقابر بورسعيد تضم العديد من مقابر الشهداء الذين تم دفنهم من قِبل ذويهم خلال الحرب ضد العدوان الثلاثي .
 
جرائم العدو
"لم يسلم الأموات من ضرب العدو" .. جملة دمعت عين المؤرخ البورسعيدي وهو يلفظها من لسانه حزناً علي ما مر به أجدادنا الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم دفاعاً عن أرض الوطن، قائلاً : "قام العدو بالكثير من الغارات لإحتلال مطار الجميل غرب بورسعيد كونه مكان استراتيجي مهم ولكن المقاومة الشعبية والفدائيين حالوا دون ذلك، وكان يظن العدو اختفاء الفدائيين في منطقة المقابر، وحينها تم دكها من قبل القصف  بالطيران الإنجليزي والفرنسي للعدو ولم يسلم الاموات من ضرب العدو" .
 
حصار أهل بورسعيد
شهدت بورسعيد أياما عجاف بسبب الحصار الذي كان عليها، فكانوا يعيشون بلا مياه أو غذاء، حتي أن الصيد كان خطر علي حياتهم، ففتحوا أبواب الجمارك وأخذوا الدقيق وصنعوا الخبز بالمنازل وعاشوا علي ما تبقي من المكرونة .
 
وأضاف المهندس محمد بيوض، أن عناية الله كانت حافظه لأهالي بورسعيد حتي أنه مع ندرة المياه وعدم تواجدها ووجود الحرائق إلا أن الأمطار كانت تسقط وتنهال علي المدينة الباسلة وتطفئ الحرائق وحدث ذلك في حي المناخ .
 
download - 2024-12-24T152236.254
 
بسالة بورسعيد وخوف العدوان
ذكرت مواقع الإنجليز والفرنسيين، الملاحم البطولية الخارقه التي سجلها أبطال بورسعيد خلال العمليات النوعية التي كانوا يقومون بها حفاظاً علي أرضهم .
استغل الفدائيون الجبن والخوف الذي تملك العدو، فلقد كان الدافع النفسي لدي أبناء بورسعيد أقوي بالدفاع عن أرضهم ووطنهم من دافع العدوان الذي يتمثل في اغتصاب الأرض، وفي هذا السياق كانوا الفدائيين يقومون بخطف السلاح من الدوريات الليلية للعدو وحينها كانت تهرول الدورية خوفاً من القضاء عليها.
 
حرب المنشورات مع منظمة هاتاشاما
"هاتاشاما" .. هي كلمة مختصرة لـ"هيئة تحرير شعب مصر" وهي منظمة كان يقودها حامد الألفي والعصفوري ومجموعة من الأدباء والشعراء ببورسعيد، حيث كانوا يقومون بكتابة منشورات من شأنها تحفيز المصريين وبث الخوف والرعب في قلوب العدوان الثلاثي، وكانت باللغات العربية والتي توزع علي أبناء بورسعيد والفرنسية والإنجليزية علي مخيمات ومعسكرات العدو .
 
وأكد المؤرخ البورسعيدي، أن البورسعيدية وصلوا إلي داخل معسكرات العدو عن طريق جنود قبارصه  كانوا ضمن صفوف الإنجليز، ولكنهم كانوا علي غير وفاق معهم بسبب احتلال انجلترا لهم وقتها، وكان هؤلاء الجنود على تواصل مع الفدائيين من خلال اتفاق بين الأسقف ماكاريوس "أصبح رئيس قبرص بعد ذلك"، مع الرئيس محمد أنور السادات الذي كان وقتها عضو مجلس قيادة الثورة وقام بإبلاغ الجنود المصريين أنه سيحدث تواصل بين الفدائيين في بورسعيد والجنود القبارصة لتوزيع المنشورات في مخيمات الإنجليز.
 
عمليات فدائية هامة
سطر التاريخ ملاحم بطولية في فدائية الشعب البورسعيدي، وكان من بين هذه البطولات عمليتين أثرتا في انسحاب قوات العدو من بورسعيد وجلاء العدوان الثلاثي عن مصر، وفي هذا الشأن تحدث المؤرخ قائلاً " فرنسا كانت تحتل بورفؤاد والرسوة، وإنجلترا كانت تحتل باقي بورسعيد، ومع ضغط المقاومة الشعبية انحسر تواجد القوات للعدو في الحي الأفرنجي – الشرق حالياً، ومن بعدها في باب الميناء "20" ومنطقة شارع فلسطين المطل علي المجري الملاحي لقناة السويس ".
 
وأشار إلى أنه من العمليات التي كان لها تأثير كبير علي رحيل العدوان والإنسحاب من المدينة الباسلة هي عملية خطف مورهاوس – ابن عمة ملكة انجلترا إليزابيث، والتي نفذتها إحدي المجموعات الفدائية يوم 9 ديسمبر 1956، وظلت جثة مورهاوس في بورسعيد إلى أن تم التفاوض مع انجلترا للحصول على جثته واستبدالها ببعض الفدائيين، وتم التعرف علي جثته من طبيب الاسنان الخاص به عندما تم اخفاوه في الصندوق.
 
والعملية الثانية هي اغتيال الضابط ويليامز – الذي استعانت به انجلترا لمعرفته بطبيعة المصريين وكان طليق اللسان في التحدث بالعربية وهو ضابط مخابرات، وقام بهذه العملية الفدائي السيد عسران الذي شاهد شقيقه وهو يتم دهسه تحت جنازير دبابات العدو بأحد شوارع بورسعيد، فأخذ بالثأر بقتل هذا الضابط وسائقه 
 
وعن تفاصيل هذه العملية، أوضح "بيوض"، أن الفدائي السيد عسرا وضع قنبلة داخل رغيف الخبز وتبادل الحديث مع "ويليامز" مشيراً له بأن يأكل هذا الرغيف ومع تكرار رفضه، قام "عسران" بنزع الفتيل من القنبلة فانفجرت في ويليامز وسائقه وماتا متأثرين بالجراح.
 
كان لهاتين العمليتين تأثير معنوي كبير في صفوف العدو وتزامن مع ذلك ضغط من بعض الدول علي العدوان الثلاثي بسبب ما ارتكبه من جرائم، فأصبحت الخسائر من الداخل والخارج وتمت عملية انسحاب القوات في 23 ديسمبر، وتم نسف تمثال ديلسيبس وتمثال الجندي المجهول الإسترالي النيوزلندي باعتبارهم دليل علي السخره والعدوان .
 
إعمار بورسعيد
وعلى الرغم من كل ما عاشته محافظة بورسعيد من سنوات دمار ، إلا أنها سارت نحو الإعمار والتنمية وأصبحت نموذج لكل المحافظات المصرية في أي مشروع يتم تطبيقه خلال ال 10 سنوات الماضية والتي من بينها التأمين الصحي الشامل، والتحول الرقمي، والمناطق الصناعية والأنشطة البحرية وغيرها .
 
وشهدت محافظة بورسعيد خلال العقود الست الماضية العديد من المشروعات التنموية في مختلف المجالات، خاصة في السنوات الأخيرة، حيث تحولت بورسعيد من مدينة تجارية إلى مركز صناعي وسياحي واستثماري، مما أسهم في تعزيز الاقتصاد المصري.
 
ويُعد حقل ظهر من أبرز المشروعات القومية في مصر، ويقع على بُعد 190 كيلومترًا من بحيرة المنزلة في المياه العميقة بالبحر المتوسط، داخل منطقة امتياز شروق بالمياه الاقتصادية المصرية.
 
اكتشفت شركة إيني الإيطالية الحقل، حيث تم حفره على عمق 1,450 مترًا، ووصل إلى عمق 4,131 مترًا. يحتوي الحقل على احتياطي يُقدر بـ30 تريليون قدم مكعب من الغاز، ما يعادل 5.5 مليار برميل من النفط المكافئ.
 
وفي نوفمبر 2024، أعلن رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن إنتاج حقل ظهر سيعود إلى مستوياته السابقة بحلول منتصف عام 2025. كما أعلنت شركة إيني الإيطالية عن خطط لحفر بئرين جديدتين في الحقل بنهاية ديسمبر 2024، بهدف زيادة الإنتاج وتنمية الاحتياطيات.
 
يسهم حقل ظهر بشكل كبير في تقليل الاعتماد على استيراد الغاز المسال، مما يوفر نحو 720 مليون دولار سنويًا، كما يساهم في تخفيف الضغط على ميزان المدفوعات من خلال تقليل فاتورة الاستيراد والحد من استخدام العملات الأجنبية. مع اكتمال المرحلة الأولى من المشروع في يونيو 2018، وصل الإنتاج إلى أكثر من مليار قدم مكعب من الغاز يوميًا، مما ساعد في تحقيق الاكتفاء الذاتي لمصر من الغاز الطبيعي.
 
مدينة سلام مصر بشرق بورسعيد
وضع حجر الأساس لهذه المدينة بهدف تطوير المنطقة "سيناء" وتنميتها ، لتنتشر فيها المشروعات القومية ويتم العبور لها من خلال أنفاق 3 يوليو التي تم إنشائها لتسهيل حركة المرور وربط المحافظة بالمناطق المجاورة.
 
أنفاق 3 يوليو ببورسعيد
تتضمن هذه الأنفاق نفقين للسيارات، يربطان جنوب بورسعيد بشرق المحافظة، ويمران أسفل قناة السويس عند العلامة الكيلو 19.150 وعلى عمق 64 مترًا من سطح القناة، ويبلغ طول النفق الواحد 2.8 كيلومتر، وتم تنفيذ المشروع بواسطة شركات مصرية تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وتم افتتاح الأنفاق وتشغيلها لتسهيل حركة المرور وتقليل زمن العبور بين ضفتي القناة.
 
وفي أغسطس 2020، تم تشغيل أنفاق قناة السويس على مدار 24 ساعة لأول مرة، مع تخصيص فترات للصيانة والتطوير، وتستوعب الأنفاق مرور حوالي 2000 سيارة في الساعة، مما يعزز حركة التجارة والتنقل بين سيناء والدلتا.
 
وتساهم أنفاق بورسعيد في ربط سيناء بالوادي والدلتا، وتسهيل حركة التجارة في منطقة إقليم قناة السويس، كما تدعم المشروعات المستقبلية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وتعد جزءًا من خطة تنمية سيناء التي بدأت عام 2014.
 
 
التحول الرقمي
وينضم إلى كل كذلك مشروع التحول الرقمي الذي تم تنفيذه لتعزيز البنية التحتية الرقمية في المحافظة، وباتت كل الخدمات التي يتم تقديمها للمواطنين إلكترونية، والمناطق الصناعية والأرصفة البحرية ومبادرات عديدة من شأنها الإرتقاء بحياة الإنسان المصري .
ولذلك كله ما بين ماضي اتسم بالفدماء والتضحية وحاضر تميز بالبناء والتطوير تُعد محافظة بورسعيد نموذجًا للتنمية المستدامة في مصر، حيث شهدت تنفيذ مشروعات ضخمة، مع استمرار الاستثمارات والمشروعات الجديدة، وتواصل المدينة الباسلة دورها المحوري في دعم الاقتصاد المصري وتحقيق التنمية الشاملة.
 
 
 
 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق