صراع إقليمى محتدم لتقسيم "كعكة" سوريا.. "تحرير الشام" الإرهابية تخطط لتوسيع مناطق نفوذها بدعم خارجى
الإثنين، 02 ديسمبر 2024 03:08 م
تشهد منطقة الشرق الأوسط تطورات متسارعة مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والاتفاق على وقف مؤقت لإطلاق النار بين لبنان وإسرائيل لمدة 60 يوما، وسط ترقب إقليمي ودولي للتحركات التي تجري عبر وسطاء من دول عربية وأجنبية لوقف نزيف الدماء وتجنيب المنطقة صراع مسلح لا نهاية له.
الهجوم المسلح لهيئة تحرير الشام الإرهابية على مواقع للجيش العربي السوري في حلب وإدلب والتحرك نحو حماة هو جزء من صراع إقليمي أوسع ممتد خلال السنوات الماضية، هذا الصراع الإقليمي المحتدم يتنافس ويتصارع على كعكعة النفوذ والمصالح في المنطقة، وتحاول عدد من الدول توسيع مناطق نفوذها وهيمنتها على مناطق استراتيجية في المنطقة.
الواضح أن الساحة السورية هي أحد أبرز ساحات الصراع تعقيدا نظرا للدول الفاعلة والمتداخلة في هذا المشهد المعقد للغاية، ويحتدم التنافس والصراع الدولي في سوريا بين روسيا الاتحادية أحد أبرز الدول الداعمة للحكومة السورية في دمشق، ودولة تركيا التي لديها شواغل ترى أنها مشروعة من تمركزات قوات سوريا الديمقراطية الكردية شمال سوريا (على الحدود مع تركيا)، بالإضافة لإيران التي تعتبر سوريا عمق استراتيجي لها وهو ما دفعها لدعم الجيش السوري عسكريا سواء بمستشاريين إيرانيين أو تشجيع حزب الله اللبناني على الانخراط في القتال على أساس إيديولوجي.
وأكد مراقبون أن الجماعات السورية المسلحة وفي مقدمتها هيئة تحرير الشام، قد تحركت عسكريا لتوسيع مناطق نفوذها داخل سوريا وتحييد القوات الكردية، مرجحين إمكانية تواصل الجماعات المسلحة مع القوات الكردية لتحييدها من معادلة الصراع الحالي وعدم تهديد مناطق نفوذها ولو بشكل مؤقت.
وأوضح المراقبون أن مفاوضات تجري منذ أشهر على مناطق النفوذ والسيطرة من قبل قوى إقليمية ودولية داخل الساحة السورية، مما يتطلب تدخل عربيا عاجلا لدعم مؤسسات الدولة الوطنية السورية، والتأكيد على تضافر الجهود المشتركة بين الدول العربية دعما لسوريا التي تواجه شبح التقسيم.
وأشار المراقبون أن ما يجري من صراعات مسلحة عنيفة وتحركات متسارعة في سوريا بواسطة الجماعات المسلحة يهدف بالأساس تحسين موقفها التفاوضي في أي مرحلة مقبلة للتفاوض، والعمل على إرسال رسائل بأنها قادرة على تقييد ومحاصرة النفوذ الإيراني داخل سوريا عقب الجولة الأخيرة من الصراع بين حزب الله وإسرائيل، والذى أدى لتحجيم قدرات حزب الله وتقييد حرية حركة مقاتليه بالانتقال من لبنان إلى سوريا والعكس.
ولفت المراقبون إلأى أن الجانب الروسي يتابع بشكل دقيق ما يجري في سوريا ويخطط لإبرام صفقات تسوية للتهدئة ومنع توسيع رقعة الصراع داخل الدولة السورية الجريحة والتي استنزفت قدراتها ومقدراتها بسبب الجماعات الإرهابية خلال السنوات الماضية.
ويبقى الشارع السوري منقسما بين مؤيد ومعارض لما يجري في المدن والبلدات السورية التي عانت ويلات الحروب والصراعات المسلحة، وهو ما أضعف النسيج الاجتماعي للشعب السوري الذي هجر بلاده قبل أكثر من 10 سنين وتترقب ما سيسفر عنه الصراع المسلح الممتد منذ عام 2011.
بدوره، أكد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا جير بيدرسون متابعته عن كثب الأوضاع على الأرض في سوريا، موضحا أن الأيام الأخيرة شهدت تحولاً جذرياً في خطوط التماس، بما في ذلك التقدم الكبير الذي أحرزته هيئة تحرير الشام، التي لا تزال مصنفة كمجوعة إرهابية من قبل مجلس الأمن، مع مجموعة واسعة من الفصائل المسلحة، مشيرا إلى الغاراتٍ الجوية الموالية للحكومة السورية.
أكد "بيدرسون" في بيان صحفي له، أن سوريا بلدٍ مزقته الحرب والصراعات قرابة 14 عاماً، موضحا أن التطورات الأخيرة تشكل مخاطر شديدة على المدنيين ولها عواقب وخيمة على السلم والأمن الإقليميين والدوليين.
شدد المبعوث الأممي لدى سوريا على الحاجة الملحة لأن تفي كل الأطراف بالتزاماتها بموجب القانون الدولي بحماية المدنيين والبني التحتية المدنية، مؤكدا أن هذه رسالة واضحة لجميع الأطراف المشاركة في أية أعمال عدائية من أي نوع، مضيفا: سأواصل الضغط من أجل حماية المدنيين وخفض التصعيد.
وأوضح بيدرسون، أنه حذر مراراً وتكراراً من مخاطر التصعيد في سوريا، ومن مخاطر إدارة الصراع فحسب بدلاً من حله، ومن حقيقةٍ مفادها أنه لا يُمكن لأي طرفٍ سوري أو مجموعة من الأطراف القائمة حل الصراع السوري بالوسائل العسكرية.
وشدد المبعوث الأممي على أن ما نراه في سوريا اليوم هو دليل على الفشل الجماعي في تحقيق ما كان مطلوباً بوضوح منذ سنوات عديدة ــ وهو عملية سياسية حقيقية لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254 (2015).، مؤكدا الحاجة لانخراط الأطراف السورية والأطراف الدولية الرئيسية بجدية في مفاوضات حقيقية وجوهرية لإيجاد مخرج من الصراع، محذرا من خطر تعرض سوريا لمزيد من الانقسام والتدهور والدمار.
ودعا بيدرسون إلى الانخراط السياسي العاجل والجاد - بين الأطراف الرئيسية السورية والدولية- لحقن الدماء والتركيز على الحل السياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254 (2015)، موضحا أنه سيستمر في التواصل مع كافة الأطراف، وفي الإعراب عن استعداده لاستخدام مساعيه الحميدة لدعوة الأطراف السورية والدولية الرئيسية إلى محادثات سلام جديدة وشاملة بشأن سوريا.
يذكر أن هجوم الفصائل السورية المسلحة يأتي بعد أيام من تحذير رئيس الوزراء الإسرائيلي للرئيس السوري بشار الأسد من دعم محور المقاومة المتمثل في حزب الله والفصائل الفلسطينية، وهو التحذير الذي تجاهلته الدولة السورية التي تتعرض خلال السنوات الماضية لهجمات من طيران حربي إسرائيلي.
في دمشق، بحث الرئيس السوري بشار الأسد في اتصال هاتفي مع رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، التطورات الأخيرة والتعاون المشترك بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب، وعدداً من القضايا العربية والدولية.
وأكد رئيس وزراء العراق أن أمن سوريا والعراق هو أمن واحد، مشدداً على استعداد حكومة بغداد لتقديم كل الدعم اللازم لسوريا لمواجهة الإرهاب وكافة تنظيماته، مؤكداً تمسُّك بلاده باستقرار سورية وسيادتها ووحدة أراضيها.
فيما أكد الرئيس السوري خلال اتصال مع رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد على أن سوريا مستمرة في الدفاع عن استقرارها ووحدة أراضيها في وجه كل الإرهابيين وداعميهم، وهي قادرة وبمساعدة حلفائها وأصدقائها على دحرهم والقضاء عليهم مهما اشتدت هجماتهم الإرهابية.
إلى ذلك، أكد الرئيس السوري بشار الأسد خلال استقباله وزير خارجية إيران عباس عراقجي، الأحد، أن سوريا دولةً وجيشاً وشعباً ماضية في محاربة التنظيمات الإرهابية بكل قوة وحزم وعلى كامل أراضيها، مشدداً على أن مواجهة الإرهاب وتفكيك بنيته وتجفيف منابعه لا يخدم سوريا وحدها بقدر ما يخدم استقرار المنطقة كلها وأمنها وسلامة دولها.
وأوضح الأسد أن الشعب السوري استطاع على مدى السنوات الماضية مواجهة الإرهاب بكل أشكاله، وهو اليوم مصمم على اجتثاثه أكثر من أي وقت مضى، مشددا على أهمية دعم الحلفاء والأصدقاء في التصدي للهجمات الإرهابية المدعومة من الخارج وإفشال مخططاتها.