النتيجة الأكيدة بعد فوز ترامب، عودته للبيت الأبيض ليس أكثر، وأبعد من ذلك يعد تكهنات وخاصة فيما يتعلق بصراع روسيا وأوكرانيا أو حرب غزة ومنطقة الشرق الأوسط، بل ويسبق الواقع المعقد بمائة خطوة على الأقل بأحكام الأرجح أنها قد تنقلب 180 درجة، ولكن يتبقى لدينا منطقية الأسئلة التي وعد هو بحلها على الفور: ما موقفه من الحرب الروسية الأوكرانية، وهل سيقوض سطوة الناتو؟.. هل سينهى الحرب في الشرق الأوسط؟.
صحيح أن ترامب حدد نقاطا رئيسية قبل فوزه تضمنت عددا لا بأس به من الوعود بإنهاء الحرب وإحلال السلام، سواء بقربه من بوتين أو خطابه الناعم تجاه سلطة تل أبيب والتأثير المباشر وغير المباشر في دوائر صنع القرار، ما يعطيه كفة الترجيه إلى التدخل بصفقة وقف أوزار الحرب والمجازر والتمدد الإسرائيلي، ومن ثم الانتقال إلى تنفيذ بنود الاتفاق الذي يضمن الحقوق للأطراف الفاعلة.
لكن تظل السياسة هي السياسة، لعبة متقلبة إلى أبعد حد، لا يستطيع أحد إدراك خيوطها المتغيرة في أغلب الأحيان، والتي تركن إلى المصالح والتقاربات وضمان الفائدة المباشرة، ذلك يضع إجابة منطقية أن ما حدث من كلام ووعود ترامب قبل نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية في جانب، وما يحدث بعد عودة الرجل المثير للجدل في جانب آخر.
بالتأكيد سيؤثر فوز ترامب بشكل جذري على مسار الصراعات في أوكرانيا وغزة، لكن الحديث الآن عن شكل هذا التأثير إيجابا أو سلبا درب من التكهنات، فترامب يفضل سياسة "أمريكا أولاً"، وهذا يؤدي إلى تقليل الدعم الأمريكي لأوكرانيا من جهة، وتقديم دعم لإسرائيل من جهة أخرى. هذا التغيير في السياسة الخارجية قد يعزز النفوذ الروسي في أوروبا ويزيد من تعقيد الوضع في الشرق الأوسط، في أسوأ السيناريوهات التي تظل مطروحة، والحقيقة أنه لا يمكن استبعادها والتأكيد على أن سيناريو تدخل ترامب لإنهاء صراع أوكرانيا وحرب غزة في يوم وليلة قد لا يحدث نتيجة تعارض المصالح مثلا، ما يفرض تحديات جديدة على النظام الدولي والأطراف المعنية.
ما يفرض الوضع الحالي أن ترامب خلال فترة رئاسته السابقة، عُرف بموقفه المثير للجدل تجاه روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، حيث وصف بوتين في عدة مناسبات بـ"الذكي" وأشاد بمهاراته السياسية. رغم أن ترامب فرض عقوبات على روسيا، إلا أن إدارته لم تتخذ إجراءات صارمة فيما يتعلق بقضايا مثل ضم القرم. في حين يرى البعض أن علاقة ترامب بروسيا كانت أكثر مرونة مقارنةً بالإدارات الأخرى، ما يثير التساؤلات حول كيفية تعامله مع الغزو الروسي لأوكرانيا بعد عودته إلى السلطة.
السيناريو الأكثر قربا في تعامل ترامب مع الصراع الروسي الأوكراني، أنه قد يتبنى موقفًا أقل دعمًا لأوكرانيا من الإدارة الحالية. فمن المعروف عنه تفضيله للمصالح الأمريكية أولا ويعتبر أن الأولوية يجب أن تكون للمصالح الأمريكية الداخلية بدلاً من الانخراط في الصراعات الخارجية. قد يؤدي ذلك إلى تقليص المساعدات العسكرية والمالية المقدمة لأوكرانيا، ما يؤثر بشكل مباشر على قدرتها على مواجهة القوات الروسية.
قد يسعى ترامب إلى الوصول إلى تسوية دبلوماسية عاجلة، إما من خلال مفاوضات مباشرة بين روسيا وأوكرانيا أو عبر وسطاء دوليين. إلا أن مثل هذه التسوية قد تكون على حساب الأهداف الأوكرانية الكاملة، ما قد يثير انتقادات داخلية ودولية، وإذا خففت الولايات المتحدة من ضغوطها على روسيا، فقد يؤدي ذلك إلى تعزيز موقف موسكو في أوكرانيا، ما يعزز سيطرتها ويقلل من فرص أوكرانيا لاستعادة سيادتها الكاملة. وقد يفسر ذلك على أنه ضوء أخضر غير مباشر من ترامب لروسيا لمواصلة الضغط على أوكرانيا.
وتتسم سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط بتفضيل إسرائيل بشكل واضح، وعودته المحتملة إلى السلطة قد تؤثر على الوضع في غزة والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني ككل. في السابق ترامب اعتمد على تعزيز التحالفات مع الدول العربية التي تطبّع العلاقات مع إسرائيل، على حساب التركيز على قضية فلسطين.
من قراءة المشهد قد يعود ترامب إلى سياسة دعم إسرائيل بشكل كامل، وقد يعني ذلك تعزيز المساعدات العسكرية والتنسيق الاستخباراتي مع إسرائيل في حال استمرار التوترات في غزة. سيوفر ذلك لإسرائيل حرية أكبر في التعامل مع الوضع الأمني في غزة، وربما يمنحها حرية أكبر في اتخاذ خطوات تصعيدية ضد الفصائل الفلسطينية.
ناهيك عن أنه في ظل إدارة ترامب، تراجعت قضايا حقوق الإنسان عن كونها محورًا رئيسيًا في السياسة الخارجية الأمريكية. ونتيجة لذلك، قد تتغاضى إدارته المحتملة عن الانتهاكات التي يمكن أن تحدث في غزة أو غيرها من المناطق الفلسطينية، ما سيؤدي إلى تصعيد الأوضاع الإنسانية هناك.
الأوقع حاليا أن سياسات ترامب الاقتصادية والعسكرية تؤثر بشكل كبير على مسار الصراعات الدولية. ترامب يدعو لتقليص الإنفاق العسكري الأمريكي في الخارج وتحميل حلفاء الولايات المتحدة عبء الدفاع عن أنفسهم، وهو ما قد ينعكس على التمويل المخصص لدعم الصراعات في أوكرانيا وغزة.
ترامب انتقد منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) خلال رئاسته، واعتبر أن الولايات المتحدة تحمل عبئًا أكبر من اللازم. إذا عاد إلى السلطة، فقد يضغط على الناتو لتقليل انخراطه في الصراع الأوكراني، ما سيضعف موقف أوكرانيا ويعزز من قوة روسيا.
قد يضغط ترامب على الدول الأوروبية لدفع المزيد من الأموال لدعم الأوكرانيين، ما قد يؤدي إلى خلافات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، ويخلق فجوة في الدعم الغربي لأوكرانيا.
يتبقى لدينا أن ترامب يفضل تقليل التدخلات العسكرية المباشرة، ويُفضل الإجراءات الدبلوماسية أو الاقتصادية. وبالتالي، يمتلك ورقة ضغط على الإدارة الإسرائيلية باعتبار التقارب والتفاهمات، ومن ناحية أخرى يرى أن مسار المفاوضات التي تنخرط فيها مصر بنقاط واضحة تضع تقارب الأطراف كخيار وحيد لتجد السبيل في النهاية لإنهاء الحرب والخروج من النفق المنفجر.