يعلم الجميع أن الرهان صعب على أحد الشخصيات لتخليصنا من إرث أنظمة التعليم الماضية، وما عانته من أزمات، لأن ذلك يتوقف على تغلغل الأزمات نفسها واستفحالها وبصراحة أكبر استحالتها في جوانب مثل تكدس الفصول ونقص المعلمين قبل نظام الدراسة والتحصيل وعلاقة كل ذلك بالحياة العملية وسوق العمل.
منذ تولي وزير التعليم الحالي، محمد عبد اللطيف، مهام حقيبته الثقيلة، استبشرنا خيرا ليس لأي سبب غير أن الرجل لديه تجاربه وخططه الناجحة، لذلك اشتبك مباشرة مع الأزمات الواضحة أمام الجميع، وضع قواعده لحل المشكلات على أسس واقعية وبمعاونة كوادر تعليمية كبرى وعرضها بكل شفافية ووضوح دون مواربة أمام الناس في أكثر من مؤتمر وجملة من المناسبات.
لدينا أزمات في جوانب معينة معروفة، والوزير يعترف بها وأشار إليها واشتبك مباشرة، عرض حلوله التي كانت واقعية، ثم وصلنا إلى النتائج.. مصارحة وجهد وتحدٍ وتخطيط، وبالتالي كان طبيعيا الوصول.
حرص الوزير مباشرة على وضع حلول سريعة لمواجهة التحديات التي تواجه العملية التعليمية، فضلا عن وجود حلول مستدامة، والتي منها، بناء 15 ألف فصل جديد سنويا، وأمام عينه قبل ذلك، وهو قالها بنفسه، أن مصر لديها أكبر نظام للتعليم قبل الجامعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التحق به قرابة الـ 25 مليون طالب بالمدارس الحكومية والخاصة في مصر... والحق يقال أن العدد مهول والتحديات كبيرة جدا وبالتالي تحتاج إلى حلول غير تقليدية للأزمات والأفضل أن نسميها حلول سحرية.
على أرض الواقع أعد الرجل مع منظومته التي اختارها، دراسة شاملة شارك فيها 120 كادرا تعليميا، وزيارة 160 مدرسة بـ20 محافظة، بعدما وصل التكدس في مدارس إلى 200 طالب في الفصل الواحد وعجز المعلمين وصل 160 الف معلم، ويعلم الجميع أن هذا هو التحدي الأكبر.
بشكل واضح كان لدينا 4 تحديات، والأفضل نطلق عليها اللفظ الصحيح وهي كوارث، منذ ما يزيد عن 50 عاما، تمثلت أصعبها وأكبرها فى الكثافة الطلابية بالمدارس، الآن وبالأرقام التي تحدى بها الوزير لا يوجد فصل به أكثر من 50 طالبا على مستوى الجمهورية، ثم كارثة عجز المعلمين، فلا يوجد فصل على مستوى الجمهورية لا يوجد به معلم لتدريس المواد الأساسية.
وإن كنت لا تتخيل ما وصل إليه جهد وتحركات الوزير فانتقل بذهنك للتفكير للحظات، فصل به 200 طالب، صار فيه 50، فصول لا يدخلها معلمين طوال السنة لمعلم في المواد الأساسية على طول اليوم الدراسي.. وإذا لم تقتنع فانظر إلى عملية تطوير المناهج بشكل فعال يتناسب مع الواقع دون إرهاق للطالب والأسرة، في تطوير جاد وحقيقي ليس قائما على الخيال، ركز فيه على المواد الأساسية للبناء ثم المواد الفرعية لإكمال المعارف وتحصيل العلوم، وأخيرا نسبة الحضور التى كانت من 1 إلى 20% أصبحت تفوق نسبة الـ85%، بعد تفعيل نظام أعمال السنة وتقييم الطلاب بناء عليه.
حتى التعليم الفنى مستقبل الدولة المصرية، فخطة الوزارة فيه بدأت منذ 4 سنوات فى مدارس التكنولوجيا التطبيقية، صرنا نمتلك 81 مدرسة فى التكنولوجيا التطبيقية، وهناك العديد من المبادرات فى هذا الأمر، يشرف عليها الوزير عبد اللطيف بنفسه، على سبيل المثال تم توقيع بروتوكول مع وزارة العمل لتدريب الطلاب فى 37 مركزا مجهزا على أعلى مستوى الجمهرية لتعظيم الاستفادة من الطلاب فى واحدة من أبرز وأهم القطاعات التعليمية المرتقبة والتى يعول عليها خلال الفترة المقبلة.
لا نقول إن أزمات وزارة التعليم انتهت، بالعكس نقول أن هناك أزمات ونشاور عليها، بل إن الوزير أقر بذلك ويستمر في عرضها، غير أننا لا يجب أن نحيد عن حق الوزير في تقدير جهده وعمله وتحركه واشتباكه مع تلك الأزمات وحلها من جذورها، وبكل صراحة هناك نتائج إيجابية لم تتوقعها الأغلبية في وقت قياسي منذ تولي الوزير عبد اللطيف لمهام حقيبته الوزارية الأصعب على كافة الأصعدة.
وعلمتنا التجارب جميعا ومع تعاقب الحكومات، أن من يعطينا نتائج على أرض الواقع يستحق أن نكون في ظهره بدفعة إيجابية، ويستحق أيضا فرصة أكبر ومساحة زمن أوسع لإكمال ما بدأه، ليس حبا أو كرها في شخصية، ولكن كرها للأزمات وحبا في مستقبل أفضل لأبنائنا، وهذا من وجهة نظري ما يحتاجه الوزير الجديد، اتركوا له الفرصة بالوقت والحكم على نتائجه التي رأيناها تتحسن ولا يستطيع أحد إنكار ذلك، أديروا ظهوركم لصفحات أكل عيشها قائم على اختلاق الأزمات هنا وهناك والتجارة بالترند مهما كانت النتائج، والتشكيك في كل تحرك وكل جهد بل وكل خطوة دون حتى انتظار النتائج.