من ساعد إسرائيل على خوض الحرب المفتوحة لأكثر من عام؟

السبت، 19 أكتوبر 2024 02:45 م
من ساعد إسرائيل على خوض الحرب المفتوحة لأكثر من عام؟
محمود علي

للمرة الأولى، تدخل إسرائيل حرباً مفتوحة، تخطت مدة العام، رغم التكلفة العسكرية والأقتصادية الكبيرة لهذه الحرب.. ففي السابق كانت تفضل تل أبيب خوض حروب محدودة وعلى جبهة واحدة، لكنها اليوم تخوضاً حرباً متعددة الجبهات ومفتوحة في الزمن، وهو ما دفع كثيرين للتساؤل حول من الذى يقف مسانداً لتل أبيب في هذه الحرب.

دون تفكير، هي الولايات المتحدة الأمريكية، التي تمد إسرائيل على مدار اليوم بالمعدات والتكنولوجيا العسكرية، فضلاً عن دعمها للاقتصاد الإسرائيلي، وهو ما مكن تل ابيب من توسيع الحرب، والاستمرار بها، ويساعدها أيضاً عددا من الدول الأوربية التي تقدم دعماً واضحاً خاصة بريطانيا وألمانيا.

هذا الدعم الذى تتلقاه إسرائيل هو ما دفع حكومة بنيامين نتانياهو المتطرفة لتوسيع دائرة الحرب من غزة إلى لبنان وسوريا وتوجيه ضربات عسكرية في اليمن، وتهديد إيران والعراق.

ويستغل الاحتلال الإسرائيلي العجز الأممي والدولي غير القادر على وقف الانتهاكات المستمرة في غزة وجنوب لبنان، للاستمرار في نشر الفوضى بالمنطقة وتطبيق سياسة الأرض المحروقة، فما تشهده لبنان من عدوان وهجمات متتالية تستهدف المدنيين وتبشر بتحويل البلاد إلى غزة ثانية، تضعنا أمام تساؤلات عدة، ما الذي تريده تل أبيب ورئيس حكومتها بنيامين نتنياهو؟ وهل تنذر تلك الحرب بأنها ستكون طويلة الأمد على عكس التوترات السابقة بين حزب الله وإسرائيل؟ ولماذا تستمر الولايات المتحدة الأمريكية في دعمها لتل أبيب بالأسلحة والتمويل رغم ما تدعيه واشنطن عبر مسؤوليها بالخطابات الإعلامية أنها ترفض جر المنطقة إلى مزيد من الفوضى والحروب.

ولم يتوقف العدوان الإسرائيلي على استهداف الجنوب اللبناني فقط، بل بدا واضحاً أن حملته ستشمل توسيع الهجمات لتصل إلى الشمال، وهو ما ظهر خلال الأسبوع الماضي من تصعيد إسرائيلي متواصل شمل أنحاء متفرقة بشمال لبنان، وتحديدا في بلدة "إيطو" التابعة لقضاء "زغرتا"، ما أسفرت عن استشهاد عشرات المدنيين اللبنانيين أغلبهم من الأطفال والنساء.

هذا التصعيد يكشف أننا أمام حرب إسرائيلية مختلفة شكلاً وموضوعاً عن الحروب القصيرة السابقة، والأغرب أن واشنطن مستمرة في الدعم اللا محدود لتل أبيب  بالسلاح والعتاد دون النظر إلى الانتهاكات التي ترتكبها سلطات الاحتلال في جنوب لبنان ومن قبلها إلى غزة، ما ينذر إلى أننا أمام فوضى طويلة الأمد تريد تل أبيب من خلالها تنفيذ مخططاتها في لبنان، ولكن ما حدث الأسبوع الماضي يكشف أن إسرائيل ستخسر الكثير بتوغلها  البري وانخراطها في لبنان مع احتمال اتساع رقعة الصراع لتشمل عدد من الدول الأخرى.

وشهد جنوب لبنان تصاعدًا كبيرًا في حدة الاشتباكات بين مقاتلي حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي، حيث وقعت مواجهات مباشرة تعد الأكبر منذ بدء التصعيد الأخير، ورغم استمرار بعض الهجمات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، فقد انخفضت وتيرتها مقارنة بالأسابيع السابقة، في المقابل، تكبد جيش الاحتلال الإسرائيلي خسائر كبيرة نتيجة المواجهات المباشرة مع الحزب في جنوب لبنان، إلا أن إسرائيل لم تعلن عن هذه الخسائر بشكل رسمي حتى الآن.

واحدة من أبرز الهجمات التي نفذها حزب الله كانت باستخدام طائرة مسيرة استهدفت قاعدة "بنيامينا" جنوب حيفا، وفقًا لتقارير إعلامية إسرائيلية، أسفر هذا الهجوم عن مقتل أربعة جنود وإصابة 67 آخرين من لواء جولاني، بينهم ثمانية في حالة حرجة. تعتبر هذه الهجمة الأكبر من حيث الخسائر منذ بدء التصعيد بين الطرفين.

وتشير التطورات الميدانية، وانخراط جيش الاحتلال الإسرائيلي في الغزو البري على جنوب لبنان، إن هذه الخطوة جاءت نتيجة تقديرات خاطئة من الجانب الإسرائيلي، الذي اعتقد أن حزب الله فقد قدراته القتالية بعد سلسلة اغتيالات استهدفت قادته، بما في ذلك محاولة اغتيال أمينه العام حسن نصرالله، إلى جانب ذلك استمر حزب الله في استهداف المواقع الإسرائيلية، حيث أعلن عن هجوم صاروخي على قاعدة بحرية "ستيلا ماريس" قرب حيفا، بالإضافة إلى قصف ثكنة "زبدين" في مزارع شبعا واستهداف جنود إسرائيليين بالقرب من بلدة "مارون الراس".

وأحدثت الهجمات التي نفذها حزب الله ارتباكًا كبيرًا داخل إسرائيل، وصفت وسائل الإعلام الإسرائيلية هذه الهجمات بأنها من أصعب اللحظات منذ بدء الحرب، مشيرة إلى أن حزب الله نجح في خداع الدفاعات الجوية الإسرائيلية عبر إطلاق رشقات صاروخية مكنت طائراته المسيرة من اختراق الأجواء الإسرائيلية.

وكعادة الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها دعمت إسرائيل سياسيًا وعسكريًا خلال هذا التصعيد الإسرائيلي على لبنان، حيث تقدم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية إضافية لتعزيز قدرات إسرائيل الدفاعية، خصوصًا في مواجهة الطائرات المسيرة والتهديدات الصاروخية. كما دعت واشنطن إلى التهدئة، لكنها أكدت في الوقت نفسه على حق الاحتلال الإسرائيلي في الدفاع عن نفسه مشيرة إلى دعمها المستمر لحليفتها في المنطقة.

كما في الحروب السابقة، ارتكبت إسرائيل انتهاكات واسعة النطاق خلال العدوان على لبنان، حيث استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية مناطق سكنية في جنوب لبنان، مما أدى إلى تدمير عدد كبير من المنازل والمنشآت المدنية، وقتل مئات المدنيين، كما طالت الضربات الإسرائيلية البنية التحتية الأساسية في لبنان، بما في ذلك شبكات الكهرباء، الطرق، والمستشفيات، ما جعل الظروف الإنسانية تتدهور بشكل سريع في المناطق المتضررة، هذه الانتهاكات أثارت تنديداً دولياً واسعاً، إلا أن الدعم الأمريكي القوي لإسرائيل لا يزال يحد من اتخاذ أي إجراءات دولية رادعة في مجلس الأمن ضد تل أبيب.

أدت الحرب إلى زعزعة الاستقرار الأمني في لبنان بشكل كبير، حيث أدى القصف الإسرائيلي إلى موجات نزوح كبيرة في جنوب لبنان، فضلا عن تداعيات ذلك على الأوضاع الاقتصادية للبلاد، حيث يتسبب العدوان الإسرائيلي على لبنان في أزمة اقتصادية حادة، وأدى القصف الإسرائيلي إلى شلل في قطاعات البنية التحتية والاقتصاد، وزاد من معاناة اللبنانيين مع تدمير العديد من المنشآت الحيوية التي كان يعتمد عليها الاقتصاد المحلي، كما تسببت الحرب في ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية والوقود نتيجة الحصار الذي فرضته إسرائيل على الموانئ اللبنانية.

وفي إطار المسار الدبلوماسي والسياسي الرامي إلى إيجاد حل لوقف النزيف المستمر في لبنان، تواصل التحركات الدبلوماسية على عدة جبهات دولية في محاولة للتوصل إلى تسوية سياسية توقف العدوان الإسرائيلي، ومع ذلك، تواجه هذه المساعي صعوبة نتيجة رفض إسرائيل الاستجابة لدعوات وقف إطلاق النار، مما يعرقل الجهود المبذولة لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.

ضمن هذه الجهود، قام رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، بجولات دبلوماسية إلى دول مختلفة بهدف حشد الدعم لوقف الحرب على لبنان. من بين هذه الزيارات، كانت زيارة ميقاتي إلى الأردن حيث التقى بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. تمحورت المناقشات حول سبل إنهاء الحرب الإسرائيلية، وقد أكد الملك عبد الله دعمه الكامل للبنان وشعبه، مشدداً على أن الأردن يقف إلى جانب لبنان في هذا الوقت العصيب. كما أشار إلى أن الأردن يبذل قصارى جهده بالتنسيق مع الدول العربية الأخرى والمجتمع الدولي للعمل على وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان.

على الصعيد الدولي، تستمر الإدانات الواسعة للعدوان الإسرائيلي على كل من فلسطين ولبنان. فقد عبرت العديد من الدول العربية والمجتمع الدولي عن رفضها للسياسات الإسرائيلية التي تستهدف المدنيين والبنى التحتية بشكل ممنهج، وشددت مصر مجدداً على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، ودعت إلى تهدئة الأوضاع لمنع انزلاق المنطقة إلى "حرب شاملة" حيث جاء الحديث المصري خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية والهجرة الدكتور بدر عبد العاطي مع وزيرة خارجية ألمانيا، أنالينا بيربوك، للتشاور حول القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المُشترك في ظل التصعيد المتسارع والخطير الذي تشهده المنطقة.

تتجلى أهمية هذه التحركات الدبلوماسية في كونها تسعى جاهدة لإيجاد أرضية مشتركة بين الأطراف الدولية لإيقاف دوامة العنف في لبنان، وإرساء السلام والاستقرار في منطقة تعاني من تصاعد الأزمات السياسية والإنسانية.

  

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة