رسالة أسبوع القاهرة للمياه: الماء حق لكل إنسان.. و"سد النهضة" انتهاك للقانون الدولي

السبت، 19 أكتوبر 2024 02:10 م
رسالة أسبوع القاهرة للمياه: الماء حق لكل إنسان.. و"سد النهضة" انتهاك للقانون الدولي
محمد ممدوح

رسائل قوية، انطلقت من القاهرة إلى العالم، وخاصة دول حوض النيل، مفادها أن نهر النيل يرتبط بحياة الشعب المصري وبقائه، كونه يشكل المصدر الرئيسي للمياه في بلادنا، وأن مصر والمصريين لن يسمحوا لأحد بالمساس بحصتهم المائية.
هذه الرسالة سيطرت على فاعليات النسخة السابعة من أسبوع القاهرة للمياه الذى عقد طوال الأسبوع الماضى تحت شعار "المياه والمناخ: بناء مجتمعات قادرة على الصمود"، وهو الحدث الذى أصبح منصة دولية متجددة تهدف إلى تبادل المعرفة والخبرات، وبناء الشراكات ودعم البحث العلمي وتشجيع الابتكار في مجال إدارة الموارد المائية، وحضره عدد كبير من الوزراء والوفود الرسمية وكبار المسئولين في قطاع المياه والعلماء والمنظمات والمعاهد الدولية ومنظمات المجتمع المدني والمزارعين والقانونيين من مختلف دول العالم.
الرئيس عبد الفتاح السيسى، لخص الرسالة المصرية في كلمة وجهها إلى المشاركين في أسبوع القاهرة للمياه، بقوله إنه كانت هناك إرادة قوية من جانب مصر لتنظيم هذا الحدث في موعده، رغم التحديات الجمة التي يشهدها العالم، نظراً لأهمية التباحث في موضوعات إدارة وتنمية الموارد المائية، خاصة في ظل تصاعد أزمة الشح المائى وندرة المياه لأسباب وعوامل طبيعية وبشرية، والمشروعات العملاقة التي تقام لاستغلال الأنهار الدولية بشكل غير مدروس، ودون مراعاة لأهمية الحفاظ على سلامة واستدامة الموارد المائية الدولية وفقاً لمبادئ القانون الدولى للمياه، وما تؤكده من ضرورة الإخطار المسبق وتبادل المعلومات والتشاور، وإجراء الدراسات اللازمة وضمان الاحتياجات الأساسية للإنسان وعدم الإضرار.
وشدد الرئيس السيسى على أن مصر تضع المياه على رأس أولوياتها، حيث يعتبر نهر النيل تحديدا، قضية ترتبط بحياة الشعب المصري وبقائه، كونه يشكل المصدر الرئيسي للمياه في بلادنا، بنسبة تتجاوز "98%"، لذلك فإن الحفاظ على هذا المورد الحيوى، هو مسألة وجود تتطلب التزاما سياسيا دءوبا وجهودا دبلوماسية، وتعاونا مع الدول الشقيقة، لضمان تحقيق الأهداف المشتركة.
ودعا الرئيس السيسى، المجتمع الدولى إلى زيادة دعمه لجهود الدول الإفريقية فى مجال إدارة الموارد المائية، وتوفير التمويل والتكنولوجيا اللازمة لتنفيذ المشاريع والبرامج التى تهدف إلى تحقيق الأمن المائى والتنمية، ونشر السلام فى القارة الإفريقية، ووجه الرئيس السيسى رسالة للمشاركين في الفاعلية، وقال إن المياه هى سر الحياة وأساس كل تقدم وتنمية، موجهاً نداء للعالم أجمع من مصر هبة نهر النيل العظيم، بأن الماء حق لكل إنسان على وجه الأرض، وبضرورة إعلاء قيمة المياه فى الأجندة الدولية.
الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أكد أن مصر خير مثال للدول التي تعاني من التحديات المركبة المترتبة على تغير المناخ والندرة المائية؛ حيث إن مصر هي دولة المصب الأدنى بنهر النيل، ومن ثم فهي لا تتأثر فحسب بالتغيرات المناخية التي تجري في حدودها، وإنما تتأثر بمختلف التغيرات عبر سائر دول حوض النيل، مشددا على أنه إذا كانت مصر تؤكد دوماً دعمها لجهود التنمية المستدامة في دول حوض النيل وتلبية تطلعات شعوبها نحو غدٍ أفضل، فإن مصر تؤمن بأهمية النهج التعاوني وضرورة إعمال مبادئ القانون الدولي القائمة على تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المائية العابرة للحدود، على نحو يتفادى إيقاع الضرر بالدول والمجتمعات الأخرى، ويحافظ على مصالحهم الحيوية، وحقوقهم الأساسية.
ونبه رئيس مجلس الوزراء، إلى أن الدول المتشاطئة تواجه تحديات متزايدة في التعاون بشأن أحواض المياه العابرة للحدود، وأن هذه التحديات تتطلب منا التفكير بجدية في كيفية تعزيز التعاون والتنسيق بين الدول لتحقيق إدارة فعّالة ومستدامة لهذه الموارد الحيوية، مضيفا: إن المياه ليست مجرد مورد طبيعي، بل تمثل عنصراً أساسياً للحياة والتنمية، لذا فإن التعاون بين الدول المتشاطئة يعد خطوة حيوية لضمان استدامة هذه الأحواض، وعلينا العمل معا لتبادل المعرفة والخبرات، وتطوير استراتيجيات فعّالة تضمن حقوق جميع الأطراف وتساعد في مواجهة التحديات المشتركة.
وشدد مدبولى على أن وجود تعاون مائي فعَّال عابر للحدود أمر وجودي لمصر لا غنى عنه، وهو ما يتطلب مراعاة أن تكون إدارة المياه المشتركة على مستوى "الحوض" باعتباره وحدة متكاملة، بما في ذلك الإدارة المتكاملة للمياه الزرقاء والخضراء، كما يتطلب ذلك مراعاة الالتزام غير الانتقائي بمبادئ القانون الدولي واجبة التطبيق، لاسيما مبدأ التعاون والتشاور بناءً على دراسات فنية وافية، وهو المبدأ الذي يُعد ضرورة لا غنى عنها لضمان الاستخدام المنصف للمورد المشترك وتجنب الإضرار ما أمكن.
وأكد رئيس مجلس الوزراء أن مبادرة حوض النيل في شكلها الأصلي – التوافقي التي أنشئت عليه - ستظل الآلية الشاملة والوحيدة التي تمثل حوض نهر النيل بأكمله؛ مشيراً إلى المخاطر الناتجة عن التحركات المنفردة والأحادية التي لا تلتزم بمبادئ القانون الدولي على أحواض الأنهار المشتركة، ومن أبرزها السد الإثيوبي الذي بدأ إنشاؤه منذ أكثر من 13 عاماً على نهر النيل، دون أي تشاور أو دراسات كافية تتعلق بالسلامة أو بالتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على الدول المجاورة، مما يعد انتهاكاً للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاق إعلان المبادئ الموقّع في عام 2015، ويتعارض مع بيان مجلس الأمن الصادر في سبتمبر 2021، حيث يشكل استمرار تلك التحركات خطراً وجودياً على أكثر من مائة مليون مواطن مصري.
وأوضح مدبولي أنه رغم الاعتقاد السائد بأن السدود الكهرومائية لا تشكل ضرراً، فإن التشغيل الأحادي غير التعاونى للسد الإثيوبي قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، إذا استمرت هذه الممارسات بالتزامن مع فترات جفاف مطول، حيث قد يفقد أكثر من مليون ومائة ألف شخص سبل عيشهم، وفقدان 15% من الرقعة الزراعية، ما يفاقم التوترات الاجتماعية والاقتصادية، والنزوح والتهجير وهجرة غير شرعية عبر حدود الدولة المصرية.
الدكتور هانى سويلم، وزير الموارد المائية والري، قال إن مصر تعاني من ندرة مائية، ومن أكثر الدول جفافًا بمعدل أمطار سنوي 1.30 مليار متر مكعب، بالمقابل تتجاوز كمية الأمطار المتساقطة في دول أعالي نهر النيل 1600 مليار متر مكعب سنويًا، ولا يصل مصر منها سوي 3%، وهو ما يؤكد أنه لا يوجد ندرة مائية بدول اعالى نهر النيل، ولا يوجد مبرر للتنافس على المياه، بل يجب ان تكون مصدرا للتعاون بين دول الحوض.
وأشار سويلم إلى أنه في مواجهة هذه التحديات تبذل مصر جهودا ضخمة ومتواصلة على كافة الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية، كما تتمسك مصر بأهمية انتهاج قواعد ومبادئ القانون الدولي للمياه العابرة للحدود، بغرض ضمان تحقيق الإنصاف، وتجنب الضرر، وتحرص مصر على تعزيز أواصر التعاون مع دول حوض النيل، وهو ما يتمثل في العديد من مشروعات التعاون الثنائي التي تنفذها وتمولها الدولة المصرية في كل من (كينيا، أوغندا، جنوب السودان، الكونغو الديمقراطية، بوروندي، تنزانيا، ورواندا)، والتي تتمثل في تنفيذ مئات المشروعات في مجالات أهمها (تطهير المجارى المائية من  الحشائش المائية – سدود للحماية وحصاد المياه –  توفير  المياه لأغراض الشرب والاستخدامات المنزلية – مقاومة تأثيرات التغيرات المناخية – التدريب وبناء القدرات).
وخلال فعاليات أسبوع القاهرة للمياه أطلقت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، والسفير كريستيان برجر، رئيس وفد الاتحاد الأوروبي في مصر، «مبادرة فريق أوروبا»، التي تعد خطوة جديدة لدعم الجهود المُشتركة بين مصر والاتحاد الأوروبي، لدفع التحول الأخضر في قطاعات المياه، والتنمية الزراعية والريفية، تستهدف المبادرة تحسين الأحوال البيئية وتعزيز التنمية الريفية من خلال معالجة التحديات الرئيسة التي تواجه قطاع الزراعة، وكذلك المياه، ودعم جهود التكيف مع التغيرات المناخية، وذلك من خلال دعم الحكومة المصرية في تنفيذ الخطة القومية للموارد المائية حتى عام 2037، وتعزيز الحوار الاستراتيجي، لتعزيز الدعم الفني لقطاع المياه، وإنشاء نظام غذائي أكثر مرونة، والعمل على تحسين سُبُل العيش للمجتمعات الريفية ودعم صغار المزارعين، وتحسين إدارة الموارد الطبيعية، ودعم جهود تمكين الشباب، وتشجيع التحول الرقمي.
كما وقعت المشاط مع برجر، مبادرة "المرفق الأوروبي الأخضر" بقيمة 7 ملايين يورو، وتهدف المبادرة إلى تعزيز التحول الأخضر في مصر، وهي جزء من مبادرة فريق أوروبا، وتتواءم مع جهود التنمية في مصر، وتتسق مع أهداف المنصة الوطنية لبرنامج «نُوَفِّي» محور الارتباط بين مشروعات المياه والغذاء والطاقة، وذلك من أجل تعزيز جهود التخفيف والتكيف مع التغيرات المناخية. وتستفيد منها وزارات الموارد المائية والري، والزراعة واستصلاح الأراضي، والإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية.
وشارك سويلم فى فعاليات الجلسة العامة "إدارة المياه العابرة للحدود من أجل التنمية المستدامة"، التي أكد خلالها أن المياه ضرورية للحياة، ولديها قدرة فريدة على ربطنا معا متجاوزة الانقسامات السياسية والثقافية والاقتصادية، وتشكل الأنهار العابرة للحدود حوالي ٦٠% من التدفقات العذبة العالمية، وتخدم أكثر من ثلاثة مليارات شخص يمثلون ٣٧% من سكان العالم، وهذا ما يبرز الحاجة الملحة إلى إدارة فعالة للمياه العابرة للحدود لتخفيف الفقر، وتعزيز الصحة، والمساواة بين الجنسين، والوصول إلى الطاقة النظيفة، وحماية النظم البيئية، موضحاً أن تقرير حديث من الأمم المتحدة حول التعاون في المياه العابرة للحدود، يظهر ان نسبة التعاون فى المياه العابرة للحدود حول العالم تصل إلى ٥٩% فقط، وهو ما يكشف أن العديد من أحواض المياه العابرة للحدود تفتقر إلى التعاون الفعال، مما يبرز الحاجة الملحة لمزيد من الالتزام السياسي والعمل، مشيراً إلى أنه لتعزيز التعاون العابر للحدود بشكل فعال وضمان الإدارة المستدامة والعادلة للموارد المائية المشتركة، فمن الواجب وضع اتفاقيات تلتزم بالمبادئ الأساسية للقانون الدولي للمياه، وهى الاستخدام العادل والمنصف، والالتزام بعدم التسبب في الضرر، والإخطار المسبق والتشاور بين الدول المتشاطئة، ومن الضروري أيضاً ان يكون ذلك بطريقة شمولية بما يعنى تمثيل كافة دول الحوض، حيث إن وجود رؤية مشتركة والتزام بإدارة الموارد المستدامة أمر ضروري.
وأكد سويلم على أن تعزيز التعاون العابر للحدود هو ركيزة أساسية في سياسة مصر المائية، حيث لعبت مصر دورًا في تأسيس مبادرة حوض النيل (NBI) في عام ١٩٩٩، ولكن مصر علقت مشاركتها في الأنشطة الفنية لمبادرة حوض النيل في عام ٢٠١٠ بسبب الانتهاك لقواعد وآلية اتخاذ القرار والتى تعتمد على الإجماع، ونؤكد على أهمية العودة إلى المبادئ التعاونية التى أنشأت على أساسها المبادرة، كما نؤكد على رفضنا القاطع للاجراءات غير التعاونية والأحادية والمتمثلة فى انشاء السد الاثيوبي دون الالتزام بتطبيق قواعد القانون الدولي وتجاهل المبادئ الأساسية للتعاون - خاصة مبدأ التشاور وإجراء دراسات تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي -  وهو ما قد يتسبب فى حدوث أضرار جسيمة.
واضاف أنه في أوقات الندرة، تمتلك المياه القدرة على توحيد الأمم من خلال التعاون القائم على المصالح المشتركة والانتفاع المتبادل، داعيا للالتزم بتعزيز التعاون في إدارة المياه العابرة للحدود، مع إعطاء الأولوية للتعاون بين الدول بدلا من الصراع، وتحويل التحديات إلى فرص لمستقبل واعد ومزدهر.
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق