«الأونروا» فضحتهم.. الحكومة الإسرائيلية تستهدف إنهاء عمل الوكالة بمصادرة الأرض المقامة عليها وتحويل الموقع إلى بؤرة استعمارية

السبت، 19 أكتوبر 2024 02:03 م
«الأونروا» فضحتهم.. الحكومة الإسرائيلية تستهدف إنهاء عمل الوكالة بمصادرة الأرض المقامة عليها وتحويل الموقع إلى بؤرة استعمارية
محمود على

بينما مر أكثر من عام على العدوان الإسرائيلى على غزة، وعدة أشهر على هجوم تل أبيب الغاشم على جنوب لبنان، باتت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» أمام خطر حقيقى يستهدف تفكيكها وإنهاء وجودها، وفق مخطط إسرائيلى واضح لزيادة الضغط على كل المنظمات الإنسانية والدولية التى تقدم المساعدة للفلسطينيين واللبنانيين الذين يواجهون معاناة وظروفا معيشية صعبة، فى ظل استمرار الحملة العسكرية لحكومة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية فى آن واحد.
 
ففى الوقت الذى نرى فيه الاحتلال الإسرائيلى يستهدف كل ما ينطق بصوت الحق، ويستهدف كل من يتحدث بشكل واضح وصريح عن المظالم التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى وعن إنكار حقهم فى بناء دولتهم المستقلة، ولنا فى استهداف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، ومسئول الشئون الخارجية بالاتحاد الأوروبى جوزيب بوريل، دليل على ذلك، فلا نستعجب من تحركات تل أبيب الدائمة للنيل من وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا»؛ لما لا وهى تقدم مجهودات كبيرة من أجل تخفيف العبء الواقع على الفلسطينيين فى هذه الفترة فى ظل عدوان دامٍ لم يفرق بين مدنى ومسلح، كل همه هو القضاء على قطاع غزة والآن لبنان من أجل تحقيق أهدافه الخطيرة المعروفة للجميع وعلى رأسها تصفية القضية الفلسطينية وتفتيت لبنان.
 
وهنا أيضا لا بد من الإشارة إلى أن الهجوم على وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» مختلف تماما عن الحملات الموجهة ضد الأشخاص والمسئولين الدوليين، فالاستهداف لم يأت فى شكل هجوم إعلامى أو تصريحات تشوه عمل الوكالة ومسئوليها، بل الوضع أكثر رعبا؛ إذ تحاول إسرائيل بكل الطرق غير الشرعية عرقلة عمل الأونروا، عبر استهداف المبانى والموظفين التابعين للوكالة فى قطاع غزة، فبينما تعمل بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئين الفلسطينيين، وتقدم خدمات التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعى، والاستجابة الطارئة بما فى ذلك فى أوقات النزاع المسلح، منذ عام 1948، تنتهك تل أبيب كل ذلك وتعمل بشكل ممنهج للقضاء على الوكالة وإيقاف عملها فى قطاع غزة.
 
وتأكيدا على محاولات تل أبيب إنهاء عمل الأونروا ووقف كل مساهمتها، وهو ما أعلنته مؤخرا سلطات الاحتلال الإسرائيلى من مصادرة الأرض المقام عليها مقر الوكالة التابعة للأمم المتحدة فى حى الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة، وتحويل الموقع إلى بؤرة استعمارية تضم 1440 وحدة استيطانية، ليأتى هذا القرار الإسرائيلى ليثبت استمرار إسرائيل فى تصعيد إجراءاتها ضد الأونروا، بما فى ذلك المساعى لسن قوانين تزيل الشرعية عنها وتجريم أنشطتها، وهو ما جعل المفوض العام لوكالة الأونروا فيليب لازارينى، يؤكد أن التخلص من الوكالة يكاد يكون من أهداف الحرب.
 
ويضيف لازارينى «الحرب فى غزة أسفرت عن تجاهل صارخ لمهمة الأمم المتحدة، بما يشمل الهجمات الشنيعة على موظفى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئى فلسطين، وعلى مرافقها وعملياتها»، مطالبا بضرورة توقف هذه الهجمات وتحرك العالم لمحاسبة مرتكبيها.
ومنذ السابع من أكتوبر، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلية باعتقال موظفى الأونروا فى غزة، الذين أفادوا بتعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة أثناء احتجازهم فى قطاع غزة أو فى إسرائيل، حيث تعرض موظفو الأونروا للمضايقة والإهانة بشكل منتظم عند حواجز التفتيش الإسرائيلية فى الضفة الغربية، بما فى ذلك القدس الشرقية التى  امتدت فيها الاعتداءات الإسرائيلية.
 
ولا يهدد المسئولون الإسرائيليون عمل موظفى الأونروا ومهمتها فحسب، بل يحاولون وفق «لازارينى» أن ينزعون أيضا الشرعية عن الوكالة من خلال وصفها بأنها منظمة إرهابية تشجع التطرف ووصم قادة الأمم المتحدة بالإرهابيين، وهو ما حدث قبل ذلك من خلال توجيه حملة إعلامية تستهدف الأونروا وهو ما كشف كذبه، فبينما استخدمت تل أبيب الذكاء الاصطناعى فى نشر الأكاذيب لم تسلم وكالة الأونروا من ذلك، حيث زعمت وسائل إعلام عبرية فى بداية الحرب أن عناصر الأونروا شاركوا فى هجمات 7 أكتوبر، وزعم مسئول إسرائيلى «أن المؤسسة ككل هى ملاذ لأيديولوجية حماس، الأمر الذى دفع عدة دول غربية بتعليق المساعدات للأونروا، رغم أن تل أبيب لم تقدم أى أدلة لدعم ادعاءاتها».
 
لكن سرعان ما كشف كذب الادعاءات الإسرائيلية حول مشاركة أعضاء فى الأونروا بهجمات 7 أكتوبر، حيث وصفتها صحيفة الجارديان البريطانية «أنها كانت كذبة بالغة الأهمية لدرجة أنها ساعدت فى إرساء الأساس لمجاعة مدمرة ومستمرة من صنع الإنسان داخل قطاع غزة»، وعادت الجارديان ونشرت فى مقال لأحد كتابها ووصفت الادعاءات الإسرائيلية بأنها كلها أكاذيب ملفقة، وقالت: «لقد كانوا جميعا مخطئين، كل ما كان ينشر عن الأونروا كان كذبا ودعاية إسرائيلية، وهناك بعض من أعضاء الحزبين الجمهورى والديمقراطى كرروا بشكل أعمى مزاعم حكومة نتنياهو التى لا أساس لها من الصحة بشأن الأونروا».
 
وقبل أيام وضعت وكالة الأونروا ضمن عدد من المرشحين لنيل جائزة نوبل للسلام، ومنذ ذلك الوقت ولم تسلم الوكالة من حملات التحريض والاستهداف المباشر من إسرائيل وإعلامها، إذ أنها واجهت أشرس هجمات إعلامية منذ بدء العدوان على غزة، حيث استمر التحريض الإسرائيلى، حتى أن الأحزاب اليمينية المتطرفة فى إسرائيل وصفت الأونروا بأنها تشبه جماعة بوكو حرام، فى حين يبدو أن المسئولين عن الجائزة وتقديمها تأثروا بالتحريض الإسرائيلى ولم يقدموا الجائزة للوكالة الأممية رغم ما قدمته من جهود واسعة لتخفيف العبء عن الفلسطينيين.
 
وكانت كل التوقعات تتجه إلى أن جائزة نوبل للسلام ستذهب هذا العام لوكالة «الأونروا»، التى تقوم بجهود كبيرة لتخفيف حدة العمليات الإسرائيلية وتأثيرها على الأطفال والسيدات وكبار السن والمدنيين بصفة عامة منذ أكثر من عام، إلا أن الجائزة فى النهاية مُنحت إلى منظمة «الناجين اليابانيين» من قصف هيروشيما وناجازاكى.
واستغل رئيس المنظمة اليابانية «نيهون هيدانكيو»، توشيوكى ميماكى، مناسبة تسلم الجائزة لتسليط الضوء على المعاناة فى غزة، مشبّهًا ما يحدث هناك بما عاشته اليابان بعد الحرب العالمية الثانية. وقال ميماكى: «الأطفال فى غزة يغرقون فى الدماء، وهو ما حدث فى اليابان قبل 80 عاما»، وقد بدت مشاعره واضحة عندما قال، أثناء تسلمه الجائزة فى طوكيو، إنه عندما رأى الأطفال فى غزة وهم مغطون بالدماء، تذكر ما حدث فى اليابان بعد القصف النووى، مشيرا إلى التشابه الكبير بين المشاهد المروعة التى شهدتها غزة وتلك التى عاشها الناجون فى هيروشيما وناجازاكى.
وبين الحين والآخر، تجدد الجمعية العامة الأمم المتحدة ولاية الأونروا، وكان آخرها تمديد عملها حتى 30 يونيو 2026، لكن ومنذ بدء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة فى 7 أكتوبر 2023، وتتعرض الوكالة لتدمير واسع، حيث لم تسلم 70 % من مدارس وكالة الأونروا من القصف، بعضها تعرض للقصف عدة مرات، وبحسب بيان رسمى للوكالة التابعة للأمم المتحدة هى الآن بحاجة إلى إعادة إعمار أو إعادة تأهيلها لتعمل من جديد.
وهناك مؤشرات عدة تكشف محاولات تل أبيب استهداف الأونروا عبر إطلاق الهجمات المباشرة بالصواريخ أو عبر الهجوم الإعلامى، فبعد أن وافق البرلمان الإسرائيلى «الكنيست» على مشروع قانون يصنف وكالة «الأونروا» منظمة إرهابية، واقترح قطع العلاقات معها، شنت تل أبيب حملات إعلامية متعددة لتشويه الوكالة والنيل من صورتها، وضغطت إسرائيل على الدول الغربية لتعليق المنح التى تقدم للوكالة الأممية بزعم تورطها فى أحداث 7 أكتوبر وإيوائها لعناصر من الفصائل الفلسطينية، ما دفع دول غربية إلى تجميد تمويلها، قبل أن تعود المنح قبل وقت قصير.
ومنذ بدء العدوان، استهدفت تل أبيب العديد من مدارس «الأونروا» التى تضم نازحين، وأحدثها الأسبوع قبل الماضى، حين شن الاحتلال غارة جوية على مدرسة «الجاعونى» بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، وهى الغارة التى أسفرت عن مقتل 18 فلسطينيا، بينهم 6 موظفين تابعين لـ«الأونروا»، وهو ما أثار موجة تنديد واسعة، مع دعوات إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية.
وتقول التقارير، إن المنظمة الأممية تعرضت لـ464 حادثا واعتداءً على مبانيها والأشخاص الموجودين داخلها منذ بدء الحرب، وتأثرت 190 منشأة مختلفة تابعة للأونروا بسبب الذخائر وتعرضها لهجمات من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلى، وقتل ما لا يقل عن 563 نازحا يلوذون بملاجئ الأونروا، وأصيب 1790 آخرون، ورغم هذا الاستهداف فإن وكالة الأونروا قدمت عمليات الدعم النفسى والاجتماعى لما يقرب من 700 ألف نازح، بما فى ذلك أكثر من 450 ألف طفل.
ولاقت خطوة الاحتلال الإسرائيلى بمصادرة أراضى الوكالة، ردود أفعال عربية واسعة مستنكرة لها، حيث أدانت مصر الخطوة الإسرائيلية، واعتبرتها محاولة ضمن محاولات إسرائيل المتكررة والحثيثة لوقف أنشطة الوكالة الهادفة لدعم اللاجئين الفلسطينيين، محذرة من الحملة الممنهجة التى تشنها ضد الوكالة بهدف تشويه سمعتها وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، مستنكرة ما تمثله تلك الخطوات من انتهاكات سافرة للقانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وطالبت مصر مجلس الأمن بالاضطلاع بمسئولياته فى حفظ السلم والأمن الدوليين، داعية المجتمع الدولى كله لدعم الوكالة الأممية فى ظل الهجمة التى تواجهها من جانب إسرائيل، مشددة على المسئولية الجماعية لكل الدول أعضاء الأمم المتحدة لمواجهة تلك السابقة الخطيرة، والتى تكرس استهداف وتفكيك المنظمات الدولية، ومحذرة من خطورة هذا النهج وتأثيراته السلبية على النظام القانونى الدولى المستقر منذ أربعينيات القرن الماضى.
كما نددت دول عربية عدة بهذا القرار، وقالت السعودية إنها ترفض استمرار الانتهاكات الإسرائيلية الصارخة للقوانين والقرارات الدولية بلا رادع، فيما عبر الأردن عن «إدانته الشديدة للمحاولات الإسرائيلية التى تستهدف وقف أنشطة الوكالة والتحريض الممنهج ضدها باعتباره انتهاكا صارخا للقانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة وحصانات وامتيازات المنظمات الأممية العاملة فى الأراضى الفلسطينية».
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق


الأكثر قراءة