درس من غزوة الخندق

السبت، 19 أكتوبر 2024 01:38 م
درس من غزوة الخندق
حمدى عبدالرحيم

كم معركة خاضها المسلمون من يوم معركتهم الأولى بدر الكبرى، إلى يوم الناس هذا؟

الله أعلم.

وكم معركة سيخوضونها من يومهم هذا إلى يوم الساعة؟

الله أعلم.

ولكن تبقى معركتان هما الأهم والأخطر، والأبقى أثرًا، أعنى معركة أو غزوة بدر الكبرى، ومعركة الأحزاب أو الخندق.

غزوة بدر، خطيرة جدًا، ليس لأنها كانت أول صدام مسلح بين المسلمين والكفار، ولكن لحديث رواه الصحابى الجليل الفاروق عمر بن الخطاب، عليه الرضوان، قال الفاروق: «لما كان يوم بدر، قال، نظر النبى، صلى الله عليه وسلم، إلى أصحابه، وهم ثلاثمائة ونيف، ونظر إلى المشركين، فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبى، صلى الله عليه وسلم، القبلة، ثم مد يديه وعليه رداؤه وإزاره، ثم قال اللهم أين ما وعدتنى، اللهم أنجز ما وعدتنى، اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام، فلا تعبد فى الأرض أبدًا، قال فما زال يستغيث ربه عز وجل، ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبوبكر، رضى الله عنه، فأخذ رداءه، فرداه ثم التزمه من ورائه، ثم قال يا نبى الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك».

خطورة تلك المعركة، تتمثل فى أمرين، الأول: هو أن الرسول، قال بملء فمه: «إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام، فلا تعبد فى الأرض أبدا»، والمعنى واضح، وهو أن هزيمة المسلمين فى تلك المعركة كانت تعنى انتهاء أمر الإسلام كله.

الأمر الثانى، هو: أن الكفار رفعوا شعارًا خطيرًا جدًا، وهو «استئصال المسلمين»، وكان الأمر هينًا على قريش، فليس مطلوبًا من كل ثلاثة إلا قتل واحد من المسلمين!

انتهت المعركة بنصر عظيم للمسلمين، قصم الله به ظهر قريش.

ثم فى العام الخامس من الهجرة، نشبت ثانى أخطر حروب الإسلام.

كانت غزوة الأحزاب، وفيها لم يتذكر الكفار الدرس، درس بدر الكبرى، لقد عادوا لرفع شعار «استئصال المسلمين».

الأمور على الورق كانت محسومة تمامًا، أكثر من عشرة آلاف مقاتل من الكفار هم بعض جيوشهم سيقاتلون أقل من ثلاثة آلاف هم كل جيش المسلمين!

حصار مميت يتعرض له جيش المسلمين بقيادة الرسول الأعظم، اليهود والمنافقون والمرجفون من الداخل، وكفار قريش والقبائل العربية من الخارج!

اليهود قطعوا خطوط إمداد المسلمين، بينما خطوط إمداد الكفار لا يسمها سوء!

كان سهلًا على الأحزاب محاصرة المسلمين لأعوام متصلة، بينما كان الحصار، يكاد يقتل المسلمين جوعًا وعطشًا.

لجأ جيش العدو إلى ما نعرفه الآن بأسلوب الكماشة، وقد قال القرآن الكريم فى وصف ذلك الأسلوب: {إ ِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً}.

يقول السادة مؤرخو الإسلام عن تلك المعركة: «لما سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بزحف الأحزاب إلى المدينة، وعزمها على حرب المسلمين، استشار أصحابه، وقرروا بعد الشورى التحصن فى المدينة والدفاع عنها، وأشار سلمان الفارسى، رضى الله عنه، اعتمادا على خبرته فى حرب الفرس، بحفر خندق حول المدينة، وقال: «يا رسول الله، إنا كنا بأرض فارس، إذا حوصرنا خندقنا علينا»، فوافق وأقره النبى، صلى الله عليه وسلم، وأمر بحفر الخندق حول المدينة. وتم تقسيم المسئولية بين الصحابة بحيث تولى كل عشرةٍ منهم حفر أربعين ذراعا، ثم بدأ العمل بهمة وعزيمة على الرغم من برودة الجو وقلة الطعام، وزاد من حماسهم، مشاركة الرسول، صلى الله عليه وسلم، فى الحفر ونقل التراب.

جاءت الجيوش وعسكرت أمام الخندق، ووقعت مناوشات لا تؤثر على الميدان، فعدد شهداء المسلمين، وقتلى المشركين يعد على الأصابع.

اشتد البرد، وطال الحصار، وانتشر الخوف والجوع، والأحزاب لا يريدون الانصراف قبل استئصال المسلمين!

كأن هذا المصطلح الوضيع، هو بشارة النصر، ومنبع الفوز، فقد تدخلت يد القدرة الإلهية، وأرسل مولانا الخالق العظيم جنوده ورياحه، ففر المشركون، كأن أسودًا تطاردهم، لكى تفترسهم، وعاد المسلمون إلى مدينتهم لم يرهبهم بعدها أحد، ولم يغزهم فى عقر دارهم بعدها أحد، إنه الصبر والثبات والإرادة، التى ترضى بدفع ثمن الحرية والكرامة.

وقد نسبوا إلى الإمام الشافعى، عليه الرضوان، أنه قال:

وَلَرُبَّ نَازِلَة ٍيَضِيقُ لَهَا الْفَتَى ذرعا

وعند الله منها المخرجُ

ضاقت فلمَّا استحكمت حلقاتها

فرجت وكنتُ أظنُّها لا تفرجُ.

 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق