مثلث تدمير الشعوب.. ما العلاقة بين الإرهاب والحرب؟

الجمعة، 04 أكتوبر 2024 12:11 م
مثلث تدمير الشعوب.. ما العلاقة بين الإرهاب والحرب؟

نواصل حملة ضد مثلث تدمير الشعوب (التطرف والإلحاد والشذوذ) لأنها مدمرة للمجتمعات، فالتطرف يولد الإرهاب، الذى يدمر كل شىء، لكن ما العلاقة بين الإرهاب والحرب؟
 
يقول كتاب "الإرهاب.. مقدمة قصيرة جدا" لـ تشارلز تاونزند تحت عنوان "الإرهاب والحرب"
 
لا شك فى أن الحرب والإرهاب مرتبطان ارتباطًا وثيقًا؛ فمن الصعب تصور حرب لا تسفر عن مشاعر خوف جامحة لدى الكثير من الناس، وفى بعض الأحيان، تعتبر مشاعر الخوف هذه أكثر من مجرد أثر ثانوى لاستخدام العنف؛ إذ يصبح الخوف الهدف الرئيسى من الحرب، تاريخيًّا كان الهدف من نهب المدن التى تسقط فى يد الجيوش هو قطعًا إرهاب سكان المدن الأخرى المحصنة (سواء أكانوا محاربين أم غير ذلك)، وحديثًا كان ابتكار القصف الجوى الاستراتيجى — على الرغم مما ينطوى عليه ذلك من منطق عسكرى؛ ألا وهو تجنب حالة اللاحراك المكلفة لحرب الخنادق مثلما كان الحال فى الحرب العالمية الأولى — يعتمد فى الأساس على نظرية نفسية تتمثل فى الاعتقاد أن عملية القصف الجوى ستؤدى إلى تدمير الروح المعنوية للأعداء من المدنيين. على حد تعبير أحد الآباء المؤسسين لهذه النظرية وهو اللورد ترنكارد، فى مبارزة القصف الجوى «سيصرخ العدو مستغيثًا قبل أن نقصف.
 
وقد اتضح أن هذا الاعتقاد مبالغ فيه قطعًا، إن لم يكن خاطئًا، بحيث صار نطاق الدمار اللازم لتنفيذه بعد عام 1940 أكبر بكثير مما كان متخيلًا (أو ممكنًا) فى الماضي.
 
عندما وقعت الغارات الجوية الكبرى على هامبورج ودرسدن، لم يكن وصف عمليات القوات الجوية الملكية بأنها عمليات قصف إرهابية مجرد لغة رنانة من جانب وزارة جوبلز للدعاية السياسية: فقد كانت هذه الغارات بلا شك هجومًا متعمدًا على المدنيين. مع ذلك، لم تتحقق أحلام المؤيدين المتحمسين للقصف الجوى — الكوابيس الويلزية للمدنيين — على أرض الواقع. لم يجر الانتصار فى الحرب العالمية الثانية عن طريق القصف الجوي. بينما ثبتت صعوبة تحديد الدور الذى لعبته على وجه الدقة — سواء أكان دورًا "حاسمًا" أم لا — كانت هذه العمليات تعتبر عمليات مساعدة للعمل العسكرى التقليدى الذى يمقته الطيارون الحربيون. بالإضافة إلى ذلك، لم يتحقق النصر فى أى حرب تالية من خلال القصف الجوى وحده، ففى الحرب، قد يكون الخوف سلاحًا قويًّا، لكنه ليس السلاح الأكثر قوة وفتكًا.
 
يتمثل أحد الطرق فى التمييز بين الحرب والإرهاب فى القول إن الحرب تتمثل فيما تقوم به الدولة، بينما يعتبر الإرهاب الوسيلة التى يلجأ إليها من هم أضعف من مواجهة الدول مباشرة. لكن هذا المفهوم لا يأخذ فى الاعتبار أن الطرف الضعيف قد يتبنى استراتيجية مقاومة لا تتطلب اللجوء إلى الإرهاب. تعمل حروب العصابات — مهما كانت "غير تقليدية" وفق المعايير العسكرية المعتادة — وفق منطق عسكرى معتاد. فمقاتلو حرب العصابات يشتركون فى نزاع مع القوات المسلحة للدولة — على أى نطاق مهما صغر حجمه، ومهما كان أمده الزمنى طويلًا أو متقطعًا — ومن ثم يحققون اشتراط كارل فون كلاوزفيتز القائل إن الحرب «تعتبر صدامًا بين قوتين حيتين»، وليست «عملًا لقوة حية تجاه كتلة غير حية.» بعبارة أخرى، تعتبر العملية المميزة للحرب هى القتال.
 
فى المقابل يتمثل جوهر الإرهاب قطعًا فى عدم القتال؛ إذ تجرى مهاجمة الأهداف التى يستهدفها الإرهابيون بطريقة تعرقل (أو بصورة أدق تمنع) الدفاع عن النفس. أما ما يميز الإرهاب — بالطبع فى العقل الجمعى — فهو الاستعداد لمهاجمة أهداف عشوائية وليس فقط أهداف منتقاة. ففى التفجير العشوائى لأحد الأسواق العامة، أو متجر، أو حانة، نشهد انتهاكًا عمديًّا للقانون الدولى للحرب، ورفضًا للالتزام بالتفرقة الأخلاقية السائدة بين الأطراف المحاربة والأطراف المحايدة، وبين المحاربين وغير المحاربين، وبين الأهداف المشروعة وغير المشروعة. ومن ثم، فإن الجزء الأساسى فى التعريف الأمريكى للإرهاب إذن هو "الأهداف غير المحاربة" التى "تُرتكب" ضدها أعمال عنف (ولا نقول تجري؛ إذ تحمل المصطلحات دلالة الإدانة الرسمية).
 
قد لا يكون هؤلاء هم «الأبرياء» بالضرورة؛ إذ فشلت محاولة نقل فكرة «المدنيين الأبرياء» من القانون الدولى للحرب إلى دراسة الإرهاب؛ بسبب إدراك أن سمة البراءة هى أيضًا صفة نسبية غير ثابتة. على سبيل المثال، كان من قبيل المستحيل أن يقبل من كانوا يحاربون ضد الألمان فى الحرب العالمية الثانية بأن معظم الألمان من المدنيين (باستثناء معارضى النظام الذين كانوا فى معسكرات التعذيب) لا يتحملون أى مسئولية على الإطلاق حيال وجود النظام النازى وأفعاله. كان المدنيون من الألمان يعتبرون بمنزلة أهداف مشروعة للحصار العشوائى المفروض على ألمانيا (مثلما كان الحال مع المواطنين الأقل تمتعًا بالحقوق الديمقراطية فى ظل حكم نظام الرايخ الثانى الأقل إجرامًا خلال الحرب العالمية الأولى). هل كانوا يستحقون الحماية من الهجوم المباشر التى يضمنها لهم القانون الدولي، ناهيك عن الحماية من الإصابة غير المباشرة («العارضة»)؟ (هذا إذا لم تكن من متبعى منطق تشرشل القائل إنهم «بذروا الرياح، فلا يجنون سوى الزوابع».)
 
لكن لا شك أن الألمان أنفسهم شعروا بأنهم أبرياء بصورة كبيرة (وبصورة متزايدة)، إن لم يكن بصورة كاملة؛ وقد ضخَّم هذا الشعور إحساسهم بالظلم عندما جرى استهدافهم عمدًا من قبل القاذفات البريطانية. وفى مجال السياسة — بعيدًا عن مجال القانون — يحتل الاعتقاد والشعور الشخصى المرتبة العليا. يشكِّل الشعور بالبراءة — بالإضافة إلى الشعور بالضعف — عناصر مهمة فيما قد يطلق عليه «عملية الترويع»، وهى العملية التى يسفر العنف من خلالها عن آثار سياسية، وهو ما يمثِّل مفتاحًا أساسيًّا لما سأطلق عليه الإرهاب «الصرف». قد لا تكون أهداف العمليات الإرهابية بريئة بالمعنى الموضوعي، لكنها يجب أن تكون ضعيفة («لينة») على المستوى العملي. يتمثل جوهر الإرهاب فى استخدام العنف من قبل الطرف المسلح ضد طرف غير مسلح. فكيف يحدث ذلك؟
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق